إعداد: محمد البدري
مثلت الأزمة المالية العالمية فرصة تاريخية للقطاع المالي الإسلامي ليؤكد جدارته ويثبت نجاحه لاسيما في مواجهة الأزمات، حيث أصبح هذا القطاع بعد الأزمة بمنزلة ملاذ آمن لرؤوس الأموال والاستثمارات العربية والإسلامية وغير الإسلامية.
وقد شهدت السنوات الأخيرة، حتى قبل الأزمة العالمية، نموا كبيرا لقطاع التمويل الاسلامي بمختلف روافده وبخاصة ما يتعلق بالصناديق الإسلامية، وليس أدل على ذلك من أن قطاع التمويل الإسلامي قد استغرق نحو 40 عاما لتصل قيمته إلى تريليون دولار، ولكن ووفقا لإحصاءات صادرة عن مؤسسة «تومسون رويترز» الاقتصادية المتخصصة، من المتوقع أن تتسارع وتيرة نمو هذا القطاع في غضون السنوات الخمس المقبلة، لترتفع قيمته لتصل إلى تريليوني دولار.
ومع ذلك، لا يبدو الطريق معبدا تماما أمام مسيرة النجاح التي حققها هذا القطاع الواعد حتى الآن ليس فقط في الدول العربية والإسلامية بل وحتى في الدول الغربية من قبيل بريطانيا وفرنسا.
حيث يواجه التمويل الإسلامي، شأنه شأن القطاعات سريعة النمو، العديد من التحديات التي وإن لم تشكل عقبات لكنها ستكون على كل حال بمنزلة محددات ترسم مستقبل مسيره التمويل الإسلامي حول العالم خلال العقد الحالي.
وبالتالي، أصبح لزاما على المعنيين بهذا القطاع والقائمين عليه السعي الحثيث من أجل التعاطي الفعال مع هذه التحديات على النحو الذي يمكنهم من تذليلها ومن ثم منح قطاع التمويل الإسلامي كامل قدراته وإمكانياته على النحو المأمول والمتوقع له في غضون السنوات المقبلة.
وفي هذا الخصوص، يمكن رصد خمسة تحديات رئيسية يواجهها هذا القطاع، وهي:
1 الافتقار إلى توحيد المعايير وعدم وجود إجماع بين الفقهاء وأعضاء اللجان الشرعية، حيث يعاني من عدم توافر التقارب في الرأي بين الفقهاء والمدارس الفقهية بشأن الخدمات المالية الإسلامية في مختلف البلدان والمناطق حول العالم، الأمر الذي يقلص ولو نسبيا من مصداقية هذا القطاع ويخصم بالتالي من رصيد نموه المتوقع بين المزيد من الشرائح من العملاء في المستقبل.
2 ضعف التواصل بين مؤسسات التمويل الإسلامي عبر العالم، فعلى الرغم من كثرة وتنوع هذه المؤسسات إلا أنها تفتقر إلى التواصل الدوري المستمر فيما بينها، مما يزيد من الفجوة القائمة بين الوحدات العاملة في قطاع التمويل المصرفي، ويعظم من الفوارق البينية لاسيما على صعيد الآراء والفتاوى الفقهية المتصلة بالعمل والتمويل المصرفي الإسلامي.
3 النقص في عدد الكوادر المؤهلة والخبيرة في القطاع، فحتى الوقت الراهن مازال هناك نقص واضح في الموارد البشرية والكوادر المتخصصة في ميدان التمويل الإسلامي، ومازال الجهد القائم حاليا في هذا الخصوص يعتمد على البرامج التدريبية قصيرة الأجل، دون معاهد ومؤسسات أكاديمية متخصصة تؤهل الكوادر اللازمة للعمل في هذا القطاع وتمدها بالمعرفة التراكمية المطلوبة، أو ما يعرف بالـ «know- how» لمزاولة عملها على نحو احترافي رفيع.
4 تحدي مواكبة التغيرات التنظيمية بما يساعد التمويل الإسلامي على مواصلة النمو في الأسواق جنبا إلى جنب مع التمويل التقليدي.
5 وأخيرا التحدي المتمثل في رفع قدرة مؤسسات التمويل الإسلامي فيما يتعلق بإدارة المخاطر، حيث تنبع أهمية تعزيز إدارة المخاطر انه فيما ينمو القطاع لتوفير مجموعة أوسع من المنتجات والخدمات للعملاء سواء في الأسواق القائمة أو الجديدة، فإن المخاطر تزداد وينبغي السعي إلى التعامل معها بشكل استباقي، ولما كانت المصارف الإسلامية تشكل اليوم جزءا هاما من أسواق المال في العديد من البلدان، فانها تقع على عاتقها مسؤولية التعامل مع المخاطر بأسلوب احترازي كي لا تتسبب في أي خلل بالأسواق.