منى الدغيمي
ناقشت الندوة السنوية لبنك «اتش.اس.بي.سي» أهم التطلعات المستقبلية لمنطقة الشرق الأوسط في ظل تداعيات الأزمة المالية العالمية.
وأكدت أن الدورة الاقتصادية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط بدأت فعليا، وأن الشهية العالمية للمخاطر عادت من جديد كما اكدت أن الإنفاق في المنطقة لايزال ضخما. وأشارت الندوة إلى أن أسعار النفط تعتبر داعمة لاقتصاديات المنطقة حاليا ولن تتمكن من تقديم العوائد نفسها التي قدمتها في الفترة الماضية لانخفاضها. وشددت على أن العقبات الهيكلية في وجه النمو في المنطقة لاتزال قائمة، في ظل ارتباط السياسة المالية بأسعار النفط وارتباط السياسة النقدية بالاحتياطي الفيدرالي والعملات الخليجية بالدولار الأميركي واستمرار الدين المحلي وضعف أسواق الأسهم.
بداية قال كبير الاقتصاديين في «اتش. اس. بي. سي» لمنطقة الشرق الأوسط سايمون ويليامز ان الغيمة السوداء التي كانت تظلل اقتصاد المنطقة عام 2009 قد عبرت ومن المتوقع أن يكون النمو أقوى في الفترة المقبلة. وأضاف أن الكويت تظهر مقومات نمو واضحة للفترة المقبلة، بالرغم من استمرار البيئة السياسية في فرض تحديات على هذا النمو.
وأعرب عن تفاؤله بخطة التنمية التي أقرت نصف مشاريعها هذا العام، مشيرا إلى انه مؤشر جيد للتغير القوي في الاقتصاد الكويتي مع بقاء المخاطر السياسية قائمة والتي تفرض تكلفة إضافية على رأس المال في الوقت الذي تقف فيه السعودية وقطر ومصر في موقع الريادة الاقتصادية للمنطقة، وتظهر سلطنة عمان وأبوظبي مؤشرات لأداء جيد للفترة المقبلة.
وأضاف أن التمويل الأجنبي يعتبر أمرا أساسيا لدفع المشاريع الرأسمالية إلى الأمام، لافتا الى ان التمويل الأجنبي بدأ بالعودة من جديد إلى المنطقة، بعد أن ضمنت الحكومات التمويل طويل الأجل للمشاريع على المدى الطويل. وأشار ويليامز إلى أن سوق السندات في المنطقة بلغ ما بين 20 و25 مليار دولار في الأشهر الستة الماضية، وهو بداية للعودة الى سوق تمويل أكثر استقرارا في الفترة المقبلة، والى رأس المال العالمي، معتبرا أن الدورة الاقتصادية الجديدة بدأت فعليا، وأن الشهية العالمية للمخاطر عادت من جديد مع توافر المال الرخيص وعودة التدفقات النقدية الى المنطقة.
واعتبر ويليامز أن أسعار النفط تعتبر داعمة حاليا ولكنها منخفضة نوعا ما وهي لن تتمكن من تقديم العوائد نفسها التي قدمتها في الفترة الماضية، بعد ان أدت ارتفاعات أسعار برميل النفط في الفترة الماضية الى زيادة في الانفاق الرأسمالي، وقد أدى التراجع في أسعار النفط الى تراجع في الانفاق الرأسمالي في العديد من الدول ومنها امارة أبوظبي على سبيل المثال، مضيفا أنه من الافضل بقاء أسعار برميل النفط متراوحة بين 70 الى 90 دولارا للبرميل، لأن الزيادة ما فوق الـ 90 دولارا قد تؤدي الى الطفرة التي حدثت في السابق والتي صاحبتها سلبيات كثيرة.
وذكر ويليامز أن التمويل المحلي اختفى منذ سنتين من المنطقة، وقد كان النمو الائتماني في 2009 قدر بـ 0% بعد أن حصلت صدمة في المنطقة بسبب الأزمة المالية، وتحفظ البنوك عن الإقراض ومنها في الكويت والإمارات العربية المتحدة حيث شهدت الأسواق انكماشا حقيقيا في النمو الائتماني، متوقعا أن يتراوح هذا النمو بين 8 و10% في الدورة الاقتصادية المقبلة، وأن يبدو مختلفا عن الدورة السابقة.
وقال ويليامز ان العقبات الهيكلية في وجه النمو لاتزال قائمة، ومنها ارتباط السياسة المالية بأسعار النفط وارتباط السياسة النقدية بالاحتياطي الفيدرالي والعملات الخليجية بالدولار الأميركي، باستثناء الكويت، واستمرار الدين المحلي وضعف أسواق الأسهم.
وحذر ويليامز من ضعف الاعتماد على المواطنين في سوق العمالة، داعيا الدول الخليجية لضمان إقامة دائمة ومستقرة للوافدين العاملين في هذه الدول وفرض ضرائب عليهم، مما يضمن بقاءهم في الدولة التي يعملون بها لفترات أطول ما ينعكس استقرارا أكبر على سوق العمل الخليجي.
من جهته قال رئيس استراتيجيات العملات الأجنبية في بنك «اتش.اس. بي.سي» ديفيد بلوم ان الأمر الايجابي الوحيد من تردي الأوضاع في الغرب، هو بدء أسواق المنطقة واقتصاداتها بالاعتماد على نفسها، والتوقف عن اللحاق بالكذبة الكبرى التي تزعم أن الأموال كلها ستتجه نحو الغرب، لأن الاستثمار مستمر في النمو في الأسواق الناشئة. وذكر بلوم أن الأزمة المالية التي عصفت بالأسواق العالمية غيرت معظم الأسس التي كانت ترتكز عليها التوقعات والتحليلات الاقتصادية التي باتت تقتصر اليوم على وجود المخاطر أو عدمها من دون اللجوء إلى أي أحداث أو أرقام تراكمية تؤدي إلى نتيجة معينة، فإما أن تستثمر في مكان ما أو لا تستثمر، وإما أن تشتري الدولار أو لا تشتريه. وأضاف ان الأصول الخطرة ظهرت فجأة في وقت واحد وباتت تتحرك جميعها في وقت واحد إلى أن تحولنا إلى نموذج «risk on-risk off». وأشار بلوم إلى أن هيكلية الأسواق تتغير اليوم، وهو لم يعد مفهوما علميا بقدر ما تحول إلى واقع ملموس تعيشه الأسواق التي باتت مترابطة مع بعضها البعض بشكل كبير حتى ان أسواق العملات التي كانت تتداول بعيدا عن أسواق الأسهم والسندات لفترة طويلة، أصبحت مرتبطة بها بشكل كبير اليوم، معتبرا أن التصرفات الصادرة عن الأسواق اليوم غير ناضجة وأشبه بعمل النحل الذي ينصب على جمع اللقاحات من الأزهار بطريقة أوتوماتيكية، فالكل بات يقوم بالشيء نفسه في الوقت نفسه، فإما أن يبيعوا الدولار في الوقت نفسه أو يشتروا اليورو في نفس الوقت على سبيل المثال.
واستشهد بلوم بأسعار الفائدة واعتبره الميزان الذي يقيس حرارة الجسم التي تنبه إلى الخطر الصحي إذا ما وجد، مشيرا إلى أن هذا الميزان الذي كان يعتمد لقياس الدورة الاقتصادية ولبناء توقعات للمستقبل قد اختفى حاليا، بعد أن قاربت أسعار الفائدة مستويات الصفر. كما أن منحنى العائد الذي كان يعتمد كمقياس للدورة الاقتصادية أيضا لم يعد يعني شيئا.
وأشار بلوم إلى أن الدولار الأميركي تآكل مع الوقت إلى أن وصل إلى ما هو عليه اليوم، وقد يصل إلى مراحل أسوأ في الفترة المقبلة مع غياب الاستقرار، وهذا التآكل أدى إلى تحولات كبرى، ومنها تحول دول كبرى مثل روسيا والبرازيل والكويت إلى ربط عملتها بسلة عملات.