على عكس الحب الحقيقي فإن الارتباط بمنطقة اليورو أبدي بحق، ربما يبدو أن من التهور طرح هذه الفكرة في وقت أضحت فيه ايرلندا ثاني اقتصاد مثقل بالدين في منطقة اليورو التي تضم 16 دولة يطلب مساعدة بعد اليونان وفي وقت تضيق فيه أسواق السندات الخناق على البرتغال واسبانيا.
لكن تكلفة انسحاب أي دولة من منطقة اليورو ستكون باهظة والضرر الذي سيلحقه مثل هذا الانسحاب بالعملة وبقية الدول سيكون هائلا حتى انه لا يسع اي دول أن تختار عن وعي الانفصال أو طرد غيرها.
وستبدو الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت الأرجنتين عامي 2001 و2002 وعجزها عن سداد سندات تصل قيمتها إلى 100 مليار دولار مما أدى لسقوط الملايين في براثن الفقر، هينة مقارنة بالتداعيات المحتملة على شتى انحاء أوروبا.
وقال مدير مركز الأبحاث الاقتصادية بروجيل في بروكسل جان بيساني فيري «ستحدث موجات متتابعة من حالات الإفلاس، ومن المؤكد ان يحدث تدافع على البنوك لسحب الودائع. سيكون الوضع اسوأ من حالة الأرجنتين بكثير»، وتتعدد جوانب التكلفة الباهظة للانفصال عن اليورو سياسيا واقتصاديا واجتماعيا واستراتيجيا كما ستؤثر على سمعة أوروبا.
وجاءت العملة الموحدة في عام 1999 تتويجا لنصف قرن من التكامل الاوروبي وسيمثل اي انفصال ـ حتى لو كان جزئيا ـ انتكاسة هائلة للاتحاد الاوروبي بما في ذلك 11 دولة اختارت عدم الانضمام لمنطقة اليورو أو لم تنضم إليها بعد.
وسيفقد الاتحاد الاوروبي المؤلف من 27 دولة والذي يصارع ليجعل صوته مسموعا على الساحة العالمية ـ حيث تتحدى القوى الناشئة الهيمنة الغربية التي تقودها الولايات المتحدة ـ كثيرا من مكانته. ويصعب تصور أن تظل السوق الاوروبية الموحدة للسلع والخدمات ورأس المال والعمالة ـ وهي حجر الاساس للرخاء الاوروبي ـ متماسكة إذا تخلت الدول عن اليورو مما سيؤدي لانخفاض قيمة عملات بشكل غير منتظم وتدفقات مالية تتسم بالفوضى.
ومن شأن خروج دولة مثل اليونان أو أيرلندا أو البرتغال أو الانسحاب المتصور لألمانيا العملاق الاقتصادي أن يتسبب في شعور شديد بالمرارة وقد يحيي صراعات قومية سعت الوحدة الاوروبية لوأدها إلى الأبد.
وستخسر ألمانيا التي تبيع أكثر من 50% من صادراتها في منطقة اليورو اسواقا حيوية وربما ينتهي بها المطاف بعملة أعلى سعرا من قيمتها الفعلية تحد من قدرتها على المنافسة الاقتصادية عالميا.
وقال بيساني فيري «ستكون التبعات السياسية مخيفة، الدولة التي ستنسحب من منطقة اليورو ستخسر علاقاتها الودية مع الدول الأخرى».
وأكد خبير الاقتصاد الأميركي باري ايشنجرين ـ الذي أعد تقريرا في 2007 قال فيه إنه لا يمكن الرجوع في العملة الموحدة ـ هذه الفكرة خلال أزمة اليونان، وكتب في مقال على موقع فوكس الاقتصادي «لا يمكن العدول فعليا عن تبني اليورو».
وقال ايشنجرين الاستاذ بجامعة كاليفورنيا «يتطلب الانسحاب تحضيرات مطولة من شأنها في ظل الخفض المتوقع لقيمة العملات أن توقد شرارة أزمة مالية لم يسبق لها مثيل».
وستحول أسر وشركات ودائعها إلى بنوك أو دول أخرى بمنطقة اليورو لحماية مدخراتها ليبدأ تدافع كبير على البنوك وهروب رأس المال وعمليات بيع موسعة للأصول، وسيؤدي فرار المستثمرين لانهيار سوق السندات.
ولأن الدين الأجنبي سيظل مقوما باليورو فإن أي دولة تنسحب من منطقة اليورو ستصبح تلقائيا على شفا التعثر عن السداد مما سيؤدي لمشاكل اعسار حادة ليس لبنوكها فقط بل لسائر البنوك الاوروبية. وقد تغلق اسواق رأس المال العالمية أبوابها دون هذه الدولة لسنوات كما سيتعين على تلك الدولة ضبط الميزانية على الفور.
وسيتم تحويل الديون المحلية إلى عملة وطنية منخفضة القيمة مما يكبد الدائنين خسائر فادحة أو سيجري سدادها باليورو مما سيؤدي لإفلاس الدول المدينة، كما أن التكاليف الادارية والقانونية وتعقيدات العودة للعملة الوطنية هائلة. وقد انفقت الشركات المليارات على مدى عدة سنوات استعدادا للتحول إلى اليورو وسيتعين على أي دولة تنسحب أن تبدأ مجددا من الصفر.
وكتب الاقتصادي جيليس موك من «دويتشه بنك» العام الحالي «ستحاول الأسر قدر الإمكان الاحتفاظ باليورو الذي اكتسب ثقتها وتقاوم تحويل مدخراتها إلى عملة وطنية جديدة، من المحتمل أن يؤدي ذلك لانخفاض مستوى الإنفاق بصورة كبيرة عن المستوى الحالي».
ومن المرجح أن تتعرض أي محاولة لتثبيت سعر صرف جديد لهجوم على الفور في أسواق العملة بينما يؤدي تعويمها في بادئ الأمر لانخفاض خارج عن السيطرة في قيمة الأموال الجديدة.
وستضطرب التدفقات التجارية بحدة وسيصعب التنبؤ بتكلفة الأنشطة التجارية مما سيعوق الاستثمار، كما سيصعب تفادي حدوث اضطرابات عمالية وصراعات داخل المجتمع بينما يواجه المواطنون بطالة جماعية وتضخما وخفضا كبيرا في الإنفاق العام.
وسيكون تأثير مثل هذه الأمور أشد من تأثير أي زيادة محتملة في الصادرات وعائدات السياحة بفعل انخفاض قيمة العملة، وتساءل الاقتصادي بول كروجمان الحائز جائزة نوبل على مدونته في الاسبوع الماضي «ماذا سيحدث إذا حدث تدافع على البنوك ووقعت ازمة مالية على أي حال؟» مشيرا لتدافع بطيء على البنوك الايرلندية.
وأضاف كروجمان أن الانسحاب دون تخطيط ولا رغبة من الدولة بل تفرضه قوى السوق التي يصعب مقاومتها سيقلص كثيرا التكلفة الهامشية للتخلي عن اليورو، ويقلل هذا المنطق الاقتصادي من شأن الارادة السياسية التي حركت الوحدة النقدية الاوروبية منذ انطلاقها، فتدشين اليورو كان انتصارا للسياسة على الاقتصاد ولا ينبغي التعويل على العدول عن ذلك الآن.
الأوروبيون يعتزمون توسيع منطقة اليورو لتشمل أفريقيا عام 2050
طرابلس ـ د.ب.أ: اقترحت المفوضية الأوروبية اول من امس خلق منطقة موسعة لليورو تشمل أفريقيا بحلول سنة 2050. وقال رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو بالعاصمة الليبية طرابلس، خلال الجلسة الافتتاحية لقمة أفريقيا الاتحاد الأوروبي إن توسيع منطقة اليورو إلى أفريقيا يمكن أن يساعد في خلق منطقة اقتصادية مفيدة لحوالي 2.5 مليار شخص في 80 دولة جميعها أعضاء في التحالف الجديد بين أوروبا وأفريقيا. وأضاف باروسو «حضرنا إلى طرابلس وفي ذهننا منظور ساحر طويل المدى للمنطقة الاقتصادية الأورو ـ افريقية وهي منطقة ستقدم فرصا لحوالي 2.5 مليار مواطن بحلول سنة 2050». وتابع «لم تنته الأزمة الاقتصادية والمالية حتى الآن ولكننا نعمل للخروج منها وقد تم فتح طرق جديدة لأفريقيا وأوروبا لاستعادة النمو وتسريعه». كانت أعمال قمة الاتحاد الافريقي ـ الاتحاد الأوروبي الثالثة بدأت في وقت سابق اليوم بطرابلس لبحث سبل تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية في إطار جهد لدعم محاربة الفقر والبطالة وكذلك قضية الهجرة غير المشروعة إلى أوروبا. وكان الرئيس الليبي معمر القذافي هدد في افتتاح القمة، الأوروبيين بوقف فوري لجهوده في الحد من الهجرة غير الشرعية من أفريقيا إلى دول الاتحاد الأوروبي إذا لم يدعمه الاتحاد في ذلك ماليا وتقنيا. وقال القذافي أمام وزراء ورؤساء دول وحكومات نحو 80 دولة إنه في تلك الحالة ستصبح قارة أوروبا «المسيحية البيضاء.. سوداء». وذكر أن بلاده تريد من الاتحاد الأوروبي 5 مليارات يورو على أن تقوم بلاده في المقابل بوقف قوارب تهريب البشر التي تنطلق من السواحل الليبية إلى أوروبا. يشارك في القمة وزير الخارجية الألماني جيدو فيسترفيله. ومن أوائل القادة الأوروبيين الذين وصلوا إلى ليبيا للمشاركة في القمة، رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني. ووصف القذافي إيطاليا في خطابه الافتتاحي بالشريك التعاوني الحقيقي الوحيد لليبيا في الاتحاد الأوروبي. وطالب الزعيم الليبي بمقعد دائم لأفريقيا في مجلس الأمن، محذرا من عدم اتباع الدول الأفريقية لقرارات الأمم المتحدة حال عدم حدوث ذلك.