محمود فاروق
أكد وزير التجارة والصناعة أحمد الهارون أن جريمة غسيل الأموال تعتبر من أخطر الجرائم المالية في العصر الحديث وأنها تعتبر التحدي الحقيقي أمام قطاع المال والأعمال في العالم، حيث تعتبر بمثابة اختبار لقوانين وتشريعات الدول لمواجهتها، ويتمثل خطرها على الاقتصاد من خلال التأثير المباشر في كل من التضخم والكساد والمضاربة على العقارات والذهب والعقود طويلة الأجل، مبينا أن عمليات غسيل الأموال تساهم في تقلب أسعار صرف عملة الدولة المضيفة للمال المغسول، ولاسيما أن منظمات غسيل الأموال تفضل غالبا المضاربة على العقارات والمجوهرات بما يرفع من قيمها السوقية بغير مبرر، وهو الأمر الذي يلحق الضرر بالمجتمع، ويهدد أمنه واقتصاده.
وقال الهارون في كلمة ألقاها خلال المؤتمر الدولي الرابع «ساهم معنا في مكافحة عمليات غسيل الأموال» ان الكويت لن تكون هدفا سهلا لعصابات غسيل الأموال التي تسعى للاستفادة من هذه المميزات ومن الحريات التي تتمتع بها البلاد، مشيرا إلى أن الكويت من الدول السباقة في المنطقة التي حققت خطوات متقدمة في مواجهة هذه الآفة الخطيرة من خلال بناء تشريعي رادع إضافة إلى إقامتها العديد من المؤتمرات بهدف نشر الوعي بين أوساط المجتمع الكويتي، وأن وزارة التجارة تحرص على دعوة المنظمات الدولية والخبراء المتخصصين في المؤتمرات الخاصة بمكافحة عمليات غسيل الأموال بغرض تبادل الخبرات والمعلومات وتأهيل الكوادر الوطنية.
وبين أن الكويت في إطار حرصها على مكافحة هذه الظاهرة أنشأت اللجنة الوطنية لمكافحة عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب برئاسة محافظ البنك المركزي، حيث هناك تواجد لهذه اللجنة في أكثر من جهة حكومية، وهي تقوم بوضع التشريعات والأسس التي تكفل حماية الاقتصاد الوطني من هجمات هذه الجريمة.
ولفت إلى أن صدور قانون هيئة أسواق المال يأتي ضمن الجهود التي تبذلها الدولة في الحفاظ على الشفافية والتنظيم والانضباط في سوق الكويت للأوراق المالية وحمايته من الممارسات الضارة، كما أن إقرار مشروع قانون الشركات التجارية الجديد ومشروع تعديل قانون غسيل الأموال سيساهم في إرساء مناخ استثماري سليم يقوم على مبادئ الشفافية والمسؤولية وتكافؤ الفرص للجميع.
وبيّن أن الوزارة رأت توسيع قاعدتها في محاربة هذه الظاهرة حيث قامت بإطلاق حملة كبيرة تحت عنوان «ساهم معنا في مكافحة غسيل الأموال، وهي حملة يتم من خلالها مخاطبة جميع فئات المجتمع.
خبرات قوية
كما أكدت سفيرة الولايات المتحدة الأميركية ديبورا جونز أن الكويت تتمتع بوجود خبرات مالية قوية بها ليست موجودة في المنطقة فحسب بل بالعالم أجمع، مبينة أن الرفاهية التي تعيشها الكويت أتت من الاعتماد على الخبرة التي تمتلكها في إدارة الثروة النفطية واستثمارها على النحو السليم وهذا الأمر تم اكتشافه في بقية العالم.
وأشارت إلى أن الموارد المالية تعني القليل إذا لم تتم حماية النظام المالي من الذين يحاولون إساءة استغلاله، حيث انه وبممارستهم سبل التمويل غير المشروع فهم يقومون بتقويض النظام الاقتصادي العالمي بسبب ما يرتكبونه من جرائم والتي تستهدف كفاءة النظام المالي، والتي تؤدي تباعا إلى اهتزاز ثقة العامة بالمؤسسات المالية العالمية والتي بدورها تنعكس سلبيا على الاقتصاد العالمي.
وأشادت بجهود الكويت المتواصلة والرامية من أجل خلق الوعي بأهمية مكافحة الجرائم المالية التي تهدد سلامة مؤسساتنا المالية.
وقالت ان للجرائم المالية تأثيرها البالغ الأثر، وقد قدر صندوق النقد الدولي أن ما بين 2 و 5% من اجمالي اقتصاد العالم نتج عن عمليات غسيل الأموال وهو ما يعني بالعملة الأميركية ما بين 590 مليار و 1.5 تريليون دولار من اجمالي اقتصاد العالم، وعليه فإن إنشاء نظم قوية لمكافحة عمليات غسيل الأموال بالتنسيق مع مجموعة العمل المالي الدولية (fatf) يعد أولوية بالنسبة للمجتمع الدولي، خاصة أن الدول التي تفتقر إلى جهاز تنظيمي قوي لمكافحة الجرائم المالي تعاني من وضع غير تنافسي في الأسواق المالية العالمية علاوة على أن المؤسسات المالية الراقية ستتردد في بدء أنشطتها بتلك الدول.
ولفتت إلى أن الولايات المتحدة الأميركية لديها خبرة واسعة في مجال التعامل مع الجرائم المالية بما في ذلك عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، كما أننا نقوم بشكل مستمر بإعادة تقييم استراتيجيتنا ونكتشف نقاط ضعفنا، ففي الماضي القريب جدا ادركنا مرة أخرى رغما عنا صعوبة السيطرة على انتقال المعلومات عبر الشبكات الإلكترونية في الانترنت، ونحن نشكر حكومة الكويت لتوجيهها الدعوة لأربعة من الخبراء الأميركيين الذين يمثلون كلا من وزارة الخارجية الأميركية، العدل، الخزانة والمجلس الاحتياطي الفيدرالي، والذين سيتبادلون معكم خلال الأيام الثلاثة المقبلة معارفهم، وممارستهم وخبراتهم المهنية حول الكشف والتحقيق والملاحقة القضائية لمثل هذا النوع من الجرائم.
وحدة استخبارات مالية
من جانبها، قالت وزيرة أمن المملكة المتحدة البارونة بولين نفيل جونز إن مذكرة التفاهم المشتركة بين الكويت والمملكة المتحدة والتي تم توقيعها في أغسطس من العام الحالي تعتبر خير مثال على التعاون المشترك بين البلدين كونها تتضمن وجود تقارب في العمل بين البلدين على عدة أصعدة بما فيها الأمن الدولي ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وتجارة البشر وتهريب المخدرات وجرائم الانترنت.
وأكدت أن الإرهاب ليس له حدود أو احترام لجنسية أو دين، وان التمويل غير الشرعي يؤثر بصفة مباشرة على الأمن العالمي، فمن دون التمويل ستصبح نشاطات الإرهاب ومنظماته مكبلة وسيضطرون إلى تقديم التنازل وخفض التكاليف، وهو ما سيساهم في تدهور قدرتهم على التخطيط وتنفيذ الاعتداءات، مشيرة إلى أن غسيل الأموال يمكن الإرهابيين من الاستفادة من جرائمهم بإخفاء مصادر أموالهم ومن ثم التمتع بمكاسبها، وأن تجريم غسيل الأموال يعتبر خطوة أولى مهمة، مشيرة إلى أنه لابد من التأكد من تنفيذ القوانين التي تجرم تلك الظاهرة.
وبينت أن مجموعة العمل المالي تنصح بأن تقوم كل دولة بتأسيس وحدة استخبارات مالية فعالة لتحليل تقارير الأعمال المشبوهة التي تنبه الى حدوث عمليات غسيل الأموال، لافتتا إلى أن التحقيقات المالية الفعالة جزء أساسي من عمليات مكافحة غسيل الأموال والإرهاب، حيث يعتبر القطاع المالي أحد أهم القطاعات التي يستطيع المجرمون إساءة استغلالها لتحويل التمويلات غير الشرعية.
تدابير واحترازات
كوقال وكيل وزارة التجارة والصناعة رشيد الطبطبائي ان شعار المؤتمر «ساهم معنا في مكافحة عمليات غسيل الاموال» جاء ليسلط الضوء على خطورة هذه الظاهرة التي قد تضر بالاقتصاد الوطني والاقتصاد العالمي وتحدث خللا في الروابط والعلاقات الاجتماعية للمجتمع، فضلا عن أهمية وضرورة التعاون والتكاتف من قبل الجميع سواء الجهات الحكومية او القطاع الخاص شركات ومؤسسات، بالإضافة إلى جميع فئات المجتمع في محاربة هذه الظاهرة التي باتت تؤرق المجتمعات الاقتصادية الدولية. وأشار إلى أن الاصوات والدعوات التي تنادي بتوخي الحذر والحيطة من الوقوع في شبكات تبييض الاموال تحتم على ضرورة توحيد الجهود وان نتوجه نحو مزيد من الفطنة والادراك بشأن مدى المخاطر التي قد تسببها هذه التهديدات في حال استطاعت أن تنفذ إلى داخل القطاعات الاقتصادية المختلفة في البلاد. وأضاف الطبطبائي أنه على الرغم من المحاولات التي تقوم بها العديد من الدول بشأن توفير المناخ الاقتصادي الملائم للاستثمار من خلال فتح الاسواق وتحرير الاقتصادات وتبني آليات السوق والتي تعتمد على حجم التسهيلات التي تقدمها حكوماتها لرؤوس الاموال الاجنبية الخارجية، وما يتطلب منها مزيدا من الانفتاح وتبني إصلاحات هيكلية لاقتصاداتها وسن التشريعات الجاذبة، فإن ذلك يدفعنا إلى توخي الحذر والانتباه إلى طبيعة هذه الاموال ومصادرها.
وأوضح أن الكويت إحدى الدول التي انتهجت منذ البداية مبادئ الاقتصاد الحر وفطنت إلى طبيعة المتغيرات الحالية الناشئة في الاقتصاد العالمي وسارعت إلى الاعلان عن استراتيجيتها بجعل الكويت مركزا ماليا، فكانت الرغبة السامية لصاحب السمو الأمير إيذانا بتحرك مؤسسات الدولة لسن التشريعات والقوانين التي تخدم هذا التوجه بهدف تحفيز عمليات النمو وتحقيق التنمية المستدامة.
ومضى يقول ان وزارة التجارة والصناعة قامت وفقا لاختصاصاتها بدورها في التنظيم والاشراف وتكثيف جهودها لدفع وتعزيز هذا التوجه، وفي نفس الوقت تذليل كل العقبات والتهديدات التي تقف أمام هذه الجهود لتوفير المناخ الملائم لعمليات الاصلاح والتنمية، مضيفا أنه لما كانت عمليات غسيل الاموال وتمويل الارهاب تشكل تهديدا بالغا لاستقرار أي نظام اقتصادي في العالم، وتعيق الخطط التنموية للمجتمع ولها تأثيرها السلبي في تنفيذ إستراتيجية الدولة الهادفة إلى جعل الكويت مركزا ماليا واقتصاديا عالميا، ونظرا لاعتبار عمليات تبييض الاموال من الجرائم المالية الكبرى، لذا وجب علينا التصدي لهذه العمليات غير المشروعة التي تعد من انشطة الجرائم الاقتصادية وذلك من خلال شرح أساليبها والتعريف بالقنوات التي تضخ بها تلك الأموال وتأثيراتها السلبية على تنفيذ خطط التنمية الاقتصادية الطموحة في البلاد، حيث سارعت وزارة التجارة والصناعة باتخاذ التدابير والاحترازات التي توفر الحماية الكافية من هذه الظاهرة.
وأكد على أن وزارة التجارة سخرت جانبا كبيرا من إمكانياتها واهتماماتها لإحكام القنوات الرقابية لمحاربة هذه التهديدات، وذلك من خلال إجراءات المتابعة والتدقيق ممثلة بمكتب مكافحة عمليات غسيل الأموال، حيث خطت خطوات مهمة في النزول إلى الميدان وإجراء عمليات التفتيش والتدقيق المستمرة على مختلف الانشطة الداخلة في اختصاصها، وعلى سبيل الخصوص مؤسسات الصرافة، ومؤسسات وشركات المجوهرات والذهب، وقطاع التأمين.
وأضاف ان وزارة التجارة ممثلة بمكتب مكافحة غسيل الاموال والادارات المساندة ومن خلال جهودها تعلم جيدا المهام الملقاة على عاتقها والمسؤوليات التي يجب القيام بها، فبالاضافة إلى الجهود والجولات الميدانية المستمرة، فإن الوزارة تدرك أهمية الجانب التوعوي ونشر الوعي بين شرائح المجتمع المختلفة وذلك من خلال نشر المطبوعات والكتيبات ومن ضمنها القرص المدمج الرابع باللغتين العربية والانجليزية الذي يتناول هذه القضية والتعريف بالقرارات والقوانين المنظمة والادلة المفصلة لأنماط المعاملات المشبوهة الخاصة بعمليات غسيل الأموال، والتعريف بجهود اللجنة الوطنية لمكافحة عمليات غسيل الاموال وتمويل الارهاب.
جمع الأموال العامة
وتطرق الطبطبائي إلى موضوع إخضاع عملية جمع الاموال العامة للأعمال الخيرية في الكويت للترخيص المسبق من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، إضافة إلى ما يقوم به سوق الكويت للاوراق المالية من دور فاعل في هذا الشأن، حيث أصدر السوق تعليماته للوسطاء والشركات المديرة لمحافظ الغير وغرفة المقاصة بتوخي الدقة والحذر الدائمين من عمليات غسيل الاموال أو تمويل الارهاب من خلال التعامل في السوق والحصول على بيانات ومعلومات وافية عن المتعامل.
نمر الصباح: مكتب مكافحة غسيل الأموال يراجع كل السجلات المالية والتجارية للشركات
أكد مدير مكتب مكافحة عمليات غسيل الأموال التابع لوزارة التجارة والصناعة الشيخ نمر فهد الصباح ان عملية غسيل الأموال تعتبر اعادة تدوير الاموال الناتجة عن الأعمال غير المشروعة في مجالات وقنوات استثمار شرعية لاخفاء المصدر الحقيقي لها لتبدو كما لو كانت قد تولدت من مصدر مشروع.
وبيّن ان مكتب مكافحة غسيل الأموال يقوم بمراجعة كل السجلات المالية والتجارية للشركات والمؤسسات الخاضعة لرقابتها عند تجديد تراخيصها ومنها مؤسسات الصرافة ومهنة مراقبي الحسابات وشركات ومؤسسات المجوهرات الذهبية والاحجار الكريمة والمعادن الثمينة وشركاء ووكلاء ووسطاء التأمين واعادة التأمين، بالاضافة الى شركات تحصيل الأموال وادارة اموال الغير، وكذلك الوكلاء العقاريون وشركات السلع الثمينة.