تشهد السعودية فورة في المشاريع الصغيرة التي وصل عددها إلى أكثر من 800 ألف مشروع يستحوذ الشباب على النسبة الكبرى منها. لكن هناك عدم وضوح رؤية تجاه الجهات التي يمكن أن تسهم في توجيه وإنجاح تلك المشاريع، ناهيك عن الجهات التي تقدم التمويل اللازم لها، الأمر الذي دفع مجلس الشورى السعودي إلى التوصية باستحداث هيئة عامة وعليا لرعاية المنشآت الصغيرة والمتوسطة تكون مستقلة وتتبع مجلس الوزراء وتعمل على التنسيق بين أربع جهات رئيسية لدعم هذه المشروعات وهي صندوق الموارد البشرية وبنك التسليف وصندوق المئوية والمؤسسة العامة للتدريب المهني.
وفي حديث لـ «العربية.نت»، طالب عدد من الاقتصاديين الحكومة بمزيد من الدعم للمشاريع الصغيرة وتوحيد الجهات التي يمكن أن تقدم المساعدة للراغبين في الحصول على التمويل اللازم لبدء مشاريعهم الخاصة. وأكدوا أن هناك فورة في هذا الجانب ولكن ضعف التخطيط والتوجيه يؤدي إلى فشل غالبيتها وتعثرها.
التمويل الأسهل
وأشار رئيس مكتب القاسم للمحاسبة والاستثمار فهد القاسم إلى أن الوقت هو وقت المشاريع الصغيرة أكثر من المشاريع الكبيرة، فالمشاريع الكبيرة يصعب توفير رأس المال لها في ظل المنافسة الكبيرة بينها في السوق. وتابع بأن الحجم الموجود للمشاريع الصغيرة مازال أقل من المأمول.
وقلل القاسم من دور هذه المشاريع في خلق فرص عمل حقيقية، موضحا أن «النظام لا يساعد ولا يدعم المشاريع الصغيرة بالشكل المثالي. ليس فقط الدعم المالي بل اللوجستي من توجيه وتنظيم. فلا توجد جهة تهتم بهذه المشاريع وتنظمها».
ورأى أنه «في حال تقدم شاب بمشروع يحتاج فيه إلى أربعة مساعدين يواجه صعوبة في الحصول على التأشيرات، فضلا عن أن الجهات المختصة تفرض عليه توظيف سعوديين فيتوقف المشروع ويدخل الشاب نفسه في طابور البطالة».
وطالب القاسم بمزيد من الدعم اللوجستي قبل المادي، مشيرا إلى أن الخطة التنموية التاسعة حضت على ضرورة إنشاء هيئة مختصة لدعم المشاريع الصغيرة وتنميتها، ولكن القطاع البنكي يحجم عن تمويل تلك المشاريع.
واعتبر أن «الجهات الحكومية تقوم بعمل جيد ولكن غير منظم، حتى في بنك التسليف والادخار».
وتابع أنه «في كثير من الدول يوجد جهات ترعى هذه المشاريع، أما في المملكة فنحن نفتقر إلى هذا الشيء باستثناء لجان مختصة في الغرف التجارية».
الوعي والأفكار
وتسهم المشاريع الصغيرة التي تدعمها جهات حكومية وأخرى خاصة في مقدمتها مشروع «باب رزق جميل» في توفير آلاف الوظائف للشباب السعودي، وبأرقام تفوق ما توفره الاستثمارات الأجنبية والتي أعلن محافظ هيئة الاستثمار عمرو الدباغ أنها وفرت أكثر من 101 ألف وظيفة لسعوديين، بنسبة 27% من جملة العاملين في الاستثمارات الأجنبية وأكد المدير التنفيذي لـ «باب رزق» جميل عبدالرحمن الفهيد أن البرنامج ساهم منذ تأسيسه عام 2003 في خلق 15347 فرصة عمل للمواطنين، مضيفا أن المشروع يخطط لأن يوفر في العام المقبل 46000 فرصة عمل جديدة. وبدوره، لفت المحلل الاقتصادي حسن أمين الشقطي إلى أن غياب التوجيه والمساندة يقلل من فعالية المشاريع الصغيرة في دعم التنمية الاقتصادية.
وأضاف أن «مشكلتنا في الوعي بأهمية المشاريع الصغيرة والأفكار الجديدة، فالأفكار الحالية هي ذاتها الموجودة منذ 20 عاما».
ورأى أن «الكل يتحدث عن مساعدة الشباب ودعمهم، لكن هذه المساعدة غير منظمة وغير نافعة، وهي محصورة في الغرف التجارية والصندوق الصناعي وبنك التسليف، وهي أيضا جهود مبعثرة يتوه بينها الشباب الذي لا يعرف أين يتجه».
وقلل الشطقي من أهمية فرص العمل التي توفرها تلك المشاريع حاليا. واعتبر أن «مشروع «باب رزق جميل» يوفر قروضا متناهية الصغر وليست فرص عمل حقيقية، ولا تدخل ضمن نطاق المشاريع الصغيرة التي تدعم اقتصاد البلد».
دور ضعيف في الناتج المحلي
وفي الفترة الأخيرة، اعتمد الصندوق الخيري مبلغ 8 ملايين ريال لتمويل مشاريع صغيرة، كما تم اعتماد مبلغ 15.1 مليون ريال لتمويل 1344 مشروعا صغيرا في إطار برنامجي «الأسر المنتجة» والمشاريع الصغيرة يتم تنفيذها بموجب اتفاقيات يوقعها الصندوق مع الجهات المتعاونة، وتتضمن تمويلا بقروض ميسرة تتراوح بين 5 و15 ألف ريال وذلك حسب طبيعة المشروع.
ومازال دور المشاريع الصغيرة ضعيفا في دعم الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما أكده محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي د.محمد الجاسر خلال ندوة «المنشآت الصغيرة والمتوسطة» التي كشف فيها أن مساهمتها لا تتجاوز 33% من إجمالي مساهمة القطاع الخاص، في حين يبلغ الناتج في دول أخرى 57%. ولا يتوقع أن يزيد هذا الرقم كثيرا، فالخطط لتنمية المشاريع الصغيرة تواجه معضلة كبيرة تتمثل في قرار البنك السعودي للتسليف والادخار، الجهة الممولة الكبرى في السعودية، إيقاف تمويل المشروعات الصغيرة والناشئة في الوقت الراهن بعد تلقي إدارة البنك تقارير داخلية تفيد بعدم جدوى تلك المشاريع وعدم جدية غالبية المقترضين.
وكشفت مصادر داخل البنك لـ «العربية.نت» أن الممول الأكبر للمشاريع الصغيرة سيضع مطلع العام الجديد آلية جديدة سواء في المشاريع التي يتم تمويلها، وكذلك آلية التقديم والسداد. وكان البنك أعلن في تقريره السنوي أنه مول المشاريع الصغيرة بـ 1.9 مليار ريال من خلال أكثر من 15.2 ألف طلب قرض لتبلغ نسبة الزيادة التي تحققت لهذه النوعية من القروض 81% مقارنة بما كانت عليه في عام 2008.