زكي عثمان
أيام قليلة وينطلق 2011، عام جديد ينتظره الجميع بفارغ الصبر للوقوف على ارض الواقع سعيا للانطلاق من جديد بعد عثرات 2010 التي امتدت على مدار الأشهر الماضية ولم تترك الكثير من الخيارات أمام المتابعين إلا الترقب والانتظار لما ستؤول إليه الأوضاع العامة في الكويت لاسيما ان الجدل السياسي قد اخذ القسط الاكبر من الاهتمام على مدار 2010 والذي اثر بشكل كبير على باقي القطاعات الاقتصادية والتي في مقدمتها البورصة ومشاريع التنمية التي أقرت خطتها بعد جدل كبير ومازالت تشهد جدلا اكبر حتى الآن في ظل عدم حسم شق التمويل الخاص بها.
2010 عام مفصلي بحق، فرغم أن الأزمة العالمية انحسرت وبدأت تداعياتها في التراجع بشكل ملحوظ إلا أن تلك التداعيات مازالت مستمرة في الكويت والسبب الذي يقف وراء ذلك غير معلوم قياسا إلى استقرار العديد من المؤشرات العامة والتي في مقدمتها استمرار الوفر المادي الناتج عن ارتفاع أسعار النفط العالمية وبالتالي فان متوسط سعر النفط الكويتي قد استقر معظم العام في حدود الـ 70 دولارا للبرميل وهو ما يعني عاما جديدا من الفوائض المالية التي ربما يقول البعض انها غير موظفة بالشكل الصحيح لمصلحة الاقتصاد الوطني الذي مازال يعاني من عثرات لا حلول لها وفي مقدمتها عدم وجود مشاريع محلية تسترعي جذب الاستثمارات العالمية إليها واقتصارها فقط على حزمة من المشاريع التنموية التي درجت في خطة الدولة أو حسبما جاء في مشاريع خطة التنمية التي بادر بها الوزير الشيخ احمد الفهد وتمتد حتى العام 2013 وهي مشاريع مازال قسط كبير منها مجرد أفكار لم تخرج إلى ارض الواقع في حين ان ما نفذ منها يعتبر مجموعة بسيطة من المشاريع العامة التي ظلت لسنوات طويلة تنتظر الإفراج.
الواقع العام للاقتصاد الوطني يستدعي طاولة عمل أو ما يطلق عليها ورش عمل مكثفة تتكامل فيها العديد من العناصر والمقومات التي تقود قاطرة الاقتصاد من جديد في 2011 والأعوام اللاحقة له، لاسيما ان خطة التنمية العامة للدولة يجب أن تنطلق من رؤية واقعية خالية من المعوقات أو التعطيل السياسي الذي طالما اثر في الحياة الاقتصادية بالكويت على مدار سنوات طويلة ودفع بالخلافات السياسية لأن تستأثر بالحصة الكبرى من الاهتمام المحلي وهو ما كان وراء هذا التراجع الشديد في مستوى التنمية وإيقاف تنفيذ العديد من المشاريع الحيوية التي ربما كانت بمبادرة من القطاع الخاص قبل ان تكون من الحكومة ولكن الأمر في النهاية مازال مجرد مشاريع حكومية تطرح للقطاع الخاص دون وجود تمويل لها وهو عصب المشكلة الرئيسية الآن في الكويت.
فالتمويل عنصر أساسي ورئيسي وبدونه لن يكون هناك أي مستقبل حقيقي للاقتصاد الوطني لاسيما ان البنوك المحلية مازالت متشددة ودون مبرر في منح قروض جديدة أو فتح خطوط الائتمان للراغبين من الشركات المحلية في تنفيذ مشاريع خاصة أو استكمال ما لديها من مشاريع قيد التنفيذ مما انعكس سلبا على الوضع العام للعديد من الشركات التي تقلصت أرباحها بشكل كبير على مدار 2010 وهو ما سيمكن ملاحظته من خلال حجم الخسائر الكبير الذي ستتكبده العديد من الشركات في نهاية العام الحالي.
لا شك ان الخطوط متشابكة ولا يمكن فصلها بسهولة دون الوقوف على ارض صلبة لمناقشة حقائق ظاهرة للجميع خفية في بعض الجوانب مما يستدعي تكاتفا سريعا لحلها وإلا فان تداعيات ما يسمى بالأزمة المالية المحلية سوف تستمر ليس فقط في 2011 وإنما حتى 2012.
هموم مازالت عالقة وتبحث عن حل تتمثل في ملف شركات الاستثمار المتعثرة والتي مازال بعضها تحت رماد الأزمة وشركات العقار التي لا تجد مخرجا لمشاكل التمويل لمشاريعها واستمرار مسلسل حجز مخصصات إضافية في البنوك لتعويض المشاكل الناتجة عن تعثر السداد للعديد من الشركات واستمرار التراجع الحاد في البورصة وصعوبة تسييل الأسهم المرهونة للعديد من العملاء وهو ما يشير إلى ان «مثلث تداعيات الأزمة» سيستمر ما بين تعثر مالي ووقف التمويل واستمرار حجز المخصصات وهو ما يشير أيضا إلى ان الجهود ستكون اكبر في 2011 في محاولة للتوصل إلى حلول عجز 2010 في التوصل لها لتنتظر الساحة الاقتصادية عاما جديدا من الترقب والانتظار.
البورصة بين الإجراءات التنظيمية وتنظيم السوق
لا شك أن 2010 كان محوريا في العديد من القضايا الهامة بالنسبة للبورصة فبينما تحرك المؤشر العام للسوق بين نطاق يتراوح بين 6500 نقطة و8200 نقطة وذلك في ربط مباشر على وقع أخبار صفقات «زين» سواء كانت الخاصة ببيع حصتها في عملياتها الافريقية إلى شركة بهارتي ارتيل الهندية التي كانت في النصف الأول من 2010 او من خلال صفقة بيع 46% في الشركة الأم مع نهاية العام إلى شركة اتصالات الإماراتية وهو ما يعتبر الحدث الأبرز للبورصة في 2010 نظرا لان إتمام تلك الصفقة الأولى قد أنعش السوق كثيرا في عام جفت فيه الأخبار ذات العيار الثقيل والتي تحمل في طياتها سيولة جديدة للسوق أو من خلال الترقب لإتمام الثانية التي يدور عليها حاليا شد وجذب بين طرفي «مجموعة الخرافي» وشركة الفوارس المعترضة على إتمام الصفقة.
كما شهد 2010 جملة من الإجراءات التنظيمية والتغييرات التي طال انتظارها لسنوات طويلة على هيكل السوق ونظام عمله، فبعد أن انجرفت معظم الأسهم إلى التراجع لمستويات سعرية غير مسبوقة بسبب توقف أوامر الشراء عليها وارتفاع الكميات المعروضة للبيع حملت الأشهر الماضية مجموعة من المحطات المهمة بدأت بصدور قانون إنشاء هيئة سوق المال في فبراير 2010 بعد عامين من المداولات والاستقرار على أعضائها برئاسة صالح الفلاح بعد جدل ونقاش واعتذارات كثيرة وهو ما جعلها الخطوة المفصلية التي ترتب على أثرها فصل إدارة سوق الكويت للأوراق المالية عن الجهاز الرقابي له، وبناء على هذا الهيكل الجديد دخلت كل من إدارة السوق والهيئة في ورش عمل تنظيمية تمهيدا لإطلاق لوائح ونظم جديدة تسعى إلى علاج سلبيات الماضي وجذب الاستثمارات الأجنبية إلى السوق من جديد بعد انسحاب العديد من الشركات الأجنبية من البورصة في ظاهرة خطيرة على عدم جدوى إدراجها في سوق مالي غير منظم.
كما كان من أهم القرارات التي أعلن عنها مدير السوق الجديد حامد السيف الذي خلف صالح الفلاح، الإعلان عن عملية فرز للشركات المدرجة بهدف فصل الشركات التي هبطت أسعار أسهمها إلى ما دون قيمتها الاسمية من خلال إنشاء سوق ثالث يتم التحضير له حاليا عوضا عن وقف تداول تلك الأسهم، علما بأن هناك نحو 90 شركة تنضوي حاليا تحت هذه الفئة هذا إلى جانب دراسة إنشاء مؤشر جديد للسوق يقيس حركة 15 سهما قياديا يتم انتقاؤها من السوق بعناية على أن تتغير تلك الأسهم حسب مجموعة من المتغيرات.
هيئة أسواق المال والدخول لحيز التنفيذ
تنتظر الأوساط الاقتصادية بفارغ الصبر الدخول الفعلي لهيئة أسواق المال بعد التشكيل النهائي لأعضائها برئاسة صالح الفلاح إلى حيز الوجود في 2011 من خلال اللائحة التنفيذية التي ستفرض المزيد من الرقابة على البورصة وهو ما يعني علاج الكثير من الأخطاء التي اكتنفت عمل البورصة على مدار سنوات طويلة وتحديدا في الكثير من قواعد التلاعب في البورصة على مستوى عمل شركات الاستثمار وشركات الوساطة لتصبح العملية أكثر انضباطا من السابق وبالأخص في عمليات التداولات والصفقات ومنع التداول الوهمي وتضييق نطاق التلاعب في حركة الأسهم وحماية حقوق صغار المستثمرين من خلال عصر المحاسبة المباشرة والغرامات المالية التي قد تصل إلى السجن وهو الأمر الذي يمكن أن يحقق مقولة وزير التجارة والصناعة احمد الهارون الشهيرة الرامية إلى «تخلص السوق من العفن».
شركات الاستثمار بين أزمة الديون وإمكانية الاستمرار
علق الكثيرون استمرار الأزمة المالية بالكويت على شماعة شركات الاستثمار التي مازالت تعاني من «ترنح شديد في عملها» وهو الأمر الناتج عن عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية المستحقة عليها ورغم أن قانون الاستقرار هو المتنفس الوحيد لتلك الشركات للخروج من تلك الأزمة بعد أن توقفت أي آمال في مساعدات حكومية أخرى إلا انه لم يستفد من هذا القانون إلا شركة واحدة نظريا فقط وهي شركة دار الاستثمار في حين امتنعت باقي الشركات عن هذا القانون لتظل تكافح في «بحر» إعادة جدولة ديونها وهو ما نجحت فيه بعض الشركات ذات المديونية الكبيرة وفي مقدمتها شركة بيت الاستثمار العالمي «جلوبل» ومجموعة عارف التابعة لبيت التمويل الكويتي وشركة أعيان وبعض الشركات الأخرى ذات المديونية الصغيرة في حين مازالت باقي شركات هذا القطاع والبالغ عددها 51 شركة استثمارية مدرجة تكافح للوصول إلى معالجات جذرية للحصول على سيولة تمكنها من مواصلة عملها أو على الأقل التوصل إلى حل لإبقائها على قيد الحياة «إن صح التعبير» بعد أن اتضح أن هناك العديد من أنشطتها يطلق عليه «استثمارات مسمومة» أي أنها استثمارات ليس لها علاقة بأنشطة عملها وهو ما كبدها الوقوع في فخ الأزمة بسهولة وعدم المقدرة على التخلص منها لاسيما ان معظم تلك الاستثمارات في أسهم مدرجة انخفضت قيمتها بشكل غير مسبوق وهو ما كبدها خسائر غير محققة ولكن يصعب معها التوصل إلى حل جذري في ظل استمرار الوضع على ما هو عليه.
معايير «المركزي» الرقابية الجديدة..ومستقبل الشركات
لا شك أن أزمة شركات الاستثمار دفعت البنك المركزي إلى إصدار 3 معايير رقابية جديدة في منتصف 2010 تتعلق بالرفع المالي والسيولة السريعة وقدرة الشركات على الاقتراض الخارجي مع إعطاء الشركات مهلة لمدة عامين لتصحيح أوضاعها وتطبيق تلك المعايير الجديدة أي أن 2011 سيكون العام الأول التحضيري لتطبيق تلك المعايير التي تحدد مدى استمرارية شركات وسقوط أخرى ومن ضمن أهم هذه المعايير والتي توقفت أمامها العديد من الأوساط الاستثمارية هو «السيولة المالية» الأمر الذي قد يدفع بعض الشركات إلى اللجوء إما إلى تسييل الأصول أو الاقتراض من المساهمين من خلال قرار زيادة رأس المال وهما أمران أصعب من بعضهما في ظل استمرار تراجع قيم الأصول بسبب الازمة المالية وبالتالي فإن التسييل يعني بيعها بأسعار منخفضة عن تكلفتها في حين ان قرار زيادة رأس المال قد يواجه مشاكل عدم توافر السيولة لدى عموم المساهمين في تلك الشركات مما قد يترجم على ارض واقع 2011 باحتمالات تصفية العديد من الشركات غير القادرة على الوفاء بتلك المتطلبات ما لم تصل إلى حل نهائي لمشاكلها والتي ربما من ضمنها خيار الدمج الذي قد يصبح أحد الحلول المناسبة للخروج من الأزمة الحالية لتلك الشركات، ويبدو أن 2011 سيضع حدا لوضع معظم شركات الاستثمار وتحديدا التي خسرت ما يفوق 75%من رأسمالها.
العقار بين فكي شح التمويل والقوانين المعيقة
مازال هذا القطاع الحيوي يعاني الأمرين، فهو يقف على ارض هشة على حد وصف احد خبراء العقار وهو الأمر الناتج عن تخلف القوانين العقارية في الكويت وعدم مواكبتها لطبيعة المرحلة الحالية أو التطلعات المستقبلية لهذا القطاع الحيوي الذي يعول عليه الكثيرون لتحريك الاقتصاد الوطني مدعوما في ذلك بمشاريع خطة التنمية، ولكن مشكلة هذا القطاع تتلخص في عدم وجود قوانين محفزة له والمتمثلة في قوانين أرقام 7 و8 و9 العقارية التي حدت وشلت من حركة هذا القطاع الحيوي الذي يلجأ إليه عموم المستثمرين قبل المتخصصين فيه من الشركات في وقت الأزمات.
فالمتابع للقوانين العقارية التي صدرت على مدار السنوات الماضية سيجد أن القطاع العقاري الذي يعاني من شح سيولة كبير وتوقف خطوط الائتمان فضلا عن قروض تتجاوز حاجز الـ 6 مليارات دينار لنحو 38 شركة مدرجة حسب بيانات البنك المركزي لشهر أكتوبر، يعاني أيضا من قوانين عقارية عدة من أبرزها الضرر البالغ الذي أصاب عددا كبيرا من الشركات العقارية من قانوني 8 و9 لسنة 2008 والانعكاسات السلبية لهما هذا إلى جانب صدور قانون الـ b.o.t بشكل وصفه الكثير من العقاريين بـ «المشوه» والذي دفع الشركات لعدم التقدم بأفكار جديدة لتنفيذ مشاريع وفق هذا النظام الذي لعب دورا محوريا في الاقتصاد الوطني على مدار سنوات طويلة امتدت لأكثر من 25 عاما وساهمت في تشييد العديد من المعالم العقارية في الكويت ولكنها توقفت تقريبا بشكل شبه تام منذ 3 سنوات تقريبا.
وهنا مازالت أوساط عقارية تأمل في إعادة النظر في القانون رقم 7 الذي خرج مشوها بسبب مبالغة المشرع في بنود حماية المال العام والرقابة والتدخل في القوانين هذا الى جانب إعادة النظر في القانون رقم 8 الذي لم يفرق بين المطور والمضارب فمنع جميع الشركات من تملك قسائم السكن الخاص فضلا عن إعادة النظر في القانون رقم 9 الذي قضى على حلم المواطن في الحصول على بيت العمر بسبب منعه من الرهن أي التمويل بالضمان أضف إلى ذلك تطوير الأدوات التمويلية(سندات وصكوك) وسندات قابلة للتسييل وخلق سوق ثانوي أو رسمي لها وأيضا منع تسييل العقارات المرهونة مقابل قروض وتحفيز البنوك من أجل منح تمويل طويل الأجل وإعادة جدولة الديون القصيرة الأجل الممنوحة مقابل العقار ولأمد لا يقل عن 5 سنوات وتفعيل دور المقاصة العقارية عن طريق إصدار قانون يفعل أعمال الشركة.
مشاريع التنمية وزيادة معدلات الإنفاق
تستعد الكويت خلال 2011 إلى حصد أولى ثمار مشاريع خطة التنمية الجديدة والمزمع امتدادها حتى 2013 وذلك بعد انطلاق ورش عمل لا بأس بها منتصف 2010 وهو ما يعني أن ارتفاع وتيرة تنفيذ تلك المشاريع سيتسارع خلال العام الجديد لاسيما بعد الانتهاء من مشكلة التمويل الخاصة بها والتي صار الجدل عليها كبيرا خلال 2010 علما أن معدل الإنفاق المتوقع على مشاريع التنمية في 2011 قد يصل إلى نحو 15 مليار دينار من أصل 37 مليارا مجدولة لتلك المشاريع وهو ما يعني توقعات بمعدلات سيولة جيدة في العام الجديد ممزوجة بتحرك أكبر لشركات القطاع الخاص التي ستقوم بتنفيذ تلك المشاريع وهنا تطالب بعض المصادر بضرورة تحرك البنك المركزي لإجراء خفض جديد على أسعار الفائدة بما يحرك وينشط من وتيرة الاقتراض من خلال تحفيز البنوك على تقديم التمويل الجديد بشروط ميسرة وبأسعار فوائد منخفضة عن معدلاتها الحالية.
مخصصات البنوك والتمويل الجديد
مازالت البنوك المحلية تعاني من قروض متعثرة بقيمة تصل إلى نحو مليار دينار بعد أن كانت نحو 3 مليارات في بداية الأزمة في 2008 ورغم نجاح البنوك في تغطية نحو مليارين حتى نهاية 2009 إلا أن المبلغ المتبقي مازال يشكل عبئا كبيرا على البنوك حيث من المتوقع تقليص مبلغ المليار دينار إلى النصف تقريبا مع نهاية 2010 على أن يكون مبلغ الـ 500 مليون دينار أي نصف المليار دينار مرحل لـ 2011 وهو رقم ان دل في ظاهره فانما يدل على انحصار المبالغ المتعثرة لكن في باطنه مشكلة اكبر متمثلة في عدم قدرة البنوك على علاج الوضع بسهولة بعد أن تخلت الدولة ممثلة في البنك المركزي عن الوقوف إلى جانب الشركات المتعثرة رغم أن قانون الاستقرار المالي صدر في العام 2009 ولكنه لم ير النور حتى الآن بشركة واحدة تحت مظلته.
هذا ومازال القطاع الخاص يعاني من شح خطوط التمويل وتوقف شبه تام للاقتراض على مدار عام كامل وهو ما يمكن ترجمته على ارض الواقع كما ذكرنا من خلال توقف مشاريع القطاع الخاص بشكل كبير وأيضا في خروج خطة مشاريع التنمية الحكومية إلى حيز الوجود في محاولة لإنعاش القطاعات الاقتصادية التي عانت بشكل كبير من غياب المشاريع الكبيرة ويمكن ببساطة الوقوف على ارض حقيقة توقف الإقراض من خلال بيانات البنك المركزي الأخيرة التي أوضحت أن القروض الموجهة للقطاع الخاص توقفت لتسجل 0.8% في أكتوبر 2010، مقارنة بسبتمبر 2009، وفي الوقت نفسه لم ترتفع ودائع القطاع الخاص عن نسبة 1% خلال الفترة نفسها، وعليه فان التوقف شبه التام للقروض بسبب استمرار تداعيات الأزمة المالية على السوق المحلي يدل على أن البنوك لم تتخط أزمة الثقة مع العملاء طالبي الاقتراض وخوفا من تعثر جديد للعملاء وعدم ثقة بالمشاريع المعروضة لمنحها قروضا جديدة بل ان أمر التمويل امتد إلى الساحة السياسية التي تناوبت على ملف تمويل مشاريع خطة التنمية بكثير من الأفكار الرامية إلى سحب بساط التمويل من البنوك المحلية عكس ما يحدث في جميع دول العالم.
الرهان السياسي والقوانين الاقتصادية العالقة
سيكون 2011 عاما مفصليا في الأوضاع السياسية التي ألقت بظلالها على الساحة المحلية على مدار 2010 ما بين شد وجذب بين السلطتين مما كان له ابلغ الأثر على توقف مشاريع العديد من القوانين المهمة وفي مقدمتها قانون الشركات التجارية وقانون التأمين وقانون الصكوك وقانون الوكالات التجارية وقانون حماية المستهلك وقانون ضريبة القيمة المضافة وقانون التورق للتمويل التقليدي والإسلامي وقانون تعديل قانون أملاك الدولة b.o.t ولاشك أن هناك قوانين تأخذ وقتا طويلا في إعداد لوائحها التنفيذية على غرار ما حصل مع قانون هيئة اسواق المال، فبين صدور القانون فبراير الماضي وتوقع إنجاز اللائحة التنفيذية في مارس المقبل، تكون قد مرت سنة كاملة مع الأخذ بالعلم أن تشكيل مفوضية هيئة اسواق المال تأخر كثيرا لأسباب ذات علاقة بتركيبة المفوضين والأسماء التي رشحت لها.
وسيكون حتما للازمات السياسية المتلاحقة الأثر الكبير في التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، مما قد يؤخر إصدار قوانين وتشريعات لا تنفذ بعض محاور الخطة من دونها، فالأزمات السياسية متلاحقة الواحدة تلو الأخرى في ظل تعدد الاستجوابات المقدمة على سمو رئيس الحكومة الشيخ ناصر المحمد.
وتبقى آمال القطاع الخاص معلقة بتلك القوانين وتحديدا بقانون مثل الخصخصة وحل هاجس تمويل مشاريع التنمية بعيدا عن القطاع المصرفي كما ينادي بعض النواب هذا إلى جانب استمرار العديد من المعوقات التقليدية التي منها طول الدورة المستندية وتأخر موافقات الجهات المعنية والمدى الزمني الطويل لترسية العقود من خلال لجنة المناقصات والعراقيل المستمرة في الفتوى والتشريع وديوان المحاسبة وكذلك جملة التصاريح في بلدية الكويت والأوامر التغييرية الكثيرة في العقود والتداخل في الاختصاصات بين وزارة الأشغال والوزارات الأخرى.
ورغم استمرار تلك المشاكل إلا أن الآمال مازالت معلقة على مجموعة من الحلول المناسبة لها والتي في مقدمتها وضع كل جهة من الجهات المسؤولية عن إصدار الموافقات دليل عمل يتضمن جميع المستندات المطلوبة للحصول على الموافقة ومواعيد المعاينات إن وجدت والفترة الزمنية المتوقعة لإصدار الموافقة وإعادة النظر في قانون لجنة المناقصات المركزية لتبسيط الإجراءات وإتاحة المزيد من الشفافية في الوقت نفسه.