تحولت القارة الأفريقية إلى ساحة جديدة للصراع الاقتصادي بين الصين وأميركا خلال العامين الماضيين حيث سعت الدولتان إلى تعزيز مكاسبهما من «كعكة» الموارد الطبيعية الأفريقية.
وساهمت عوامل عديدة في تفجر الصراع الأميركي ـ الصيني بشأن الموارد الطبيعية الأفريقية، من بينها زيادة حجم التجارة والاستثمارات بين بكين والدول الأفريقية والاكتشافات النفطية والمعدنية بعدد كبير من دول تلك القارة والتنافس بين واشنطن وبكين للاستحواذ على نصيب الأسد من المعروض النفطي بالإضافة إلى سعي الحكومة الصينية لتوجيه جزء كبير من احتياطياتها النقدية الأجنبية للاستثمار بالدول الأفريقية.
من جانبها، سعت أميركا إلى تعزيز علاقاتها التجارية مع الدول الأفريقية عن طريق الزيارات المتعددة التي قام بها عدد من كبار المسؤولين الأميركيين ومن بينهم الرئيس السابق جورج بوش والرئيس الحالي باراك أوباما وغيرهما إلى عدد من دول القارة، وإنشاء ما يسمى «قيادة أفريقيا» التابعة للپنتاغون والتي حملت اسم «أفريكوم» في نهاية عهد الرئيس السابق بوش من أجل أداء المهام الانسانية ومواجهة الكوارث الطبيعية وتعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي بالدول الأفريقية.
وأكد محللون سياسيون واقتصاديون دوليون أن اتجاه الولايات المتحدة لتعزيز التقارب السياسي والاقتصادي مع الدول الأفريقية دعم رغبة واشنطن لمواجهة تنامي النفوذ الاقتصادي الصيني بتلك القارة ومواجهة الإرهاب.
وفي السياق ذاته، شهدت الاستثمارات الصينية بأفريقيا نموا متزايدا خلال الأعوام القليلة الماضية، حيث ارتفع حجم التدفقات الاستثمارية المباشرة القادمة من بكين إلى دول تلك القارة إلى 9.33 مليارات دولار عام 2009 مقابل 490 مليون دولار عام 2003.
ولم تقتصر الاستثمارات الصينية بالقارة الأفريقية على قطاعي النفط والتعدين فقط بل غطت أيضا قطاعات التصنيع والبنية التحتية والعقارات وغيرها.
ووفقا للاحصائيات الرسمية الصينية ارتفع حجم التجارة بين بكين والدول الأفريقية بنحو 43.5% ليصل إلى 114.8 مليار دولار خلال الأشهر الـ 11 الأولى من عام 2010 نتيجة تلاشي تأثير الأزمة المالية الدولية، والتي تسببت في تراجع حجم التجارة بين الجانبين عام 2009.
من جهة أخرى، سعت الدول الأفريقية إلى تعزيز مشاركتها التجارية مع الصين بدرجة أكبر من الولايات المتحدة نتيجة لإستراتيجية بكين الرامية إلى تعزيز علاقاتها التجارية والاقتصادية مع الدول الأفريقية على أساس المصالح المشتركة بغض النظر عن توجهات أنظمتها السياسية على عكس الولايات المتحدة التي تفرض اشتراطات تتعلق بحقوق الإنسان والاصلاحات السياسية لدعم مشاركتها الاقتصادية مع تلك الدول.
من جانبها، تسعى الصين إلى تعزيز استثماراتها وتنويعها بالدول الأفريقية لتشمل قطاعات جديدة من بينها المصارف والسياحة والطيران المدني وحماية البيئة.
من ناحية أخرى، وجهت دول الغرب ومن بينها الولايات المتحدة انتقادات حادة للتغلغل الاقتصادي الصيني بأفريقيا، حيث دعت تلك الدول بكين إلى توخي الشفافية في تعاملاتها التجارية بالدول الأفريقية.
وتصاعدت مخاوف عدد من الدول الأفريقية بشأن التأثيرات السلبية الناجمة عن تدفق المنتجات الصينية الرخيصة الثمن إلى أسواقها، وعجز منتجات تلك الدول عن منافسة نظيراتها الصينية بالإضافة إلى الشكوك المتصاعدة بشأن سعى الصين لإحكام قبضتها على الموارد الطبيعية بالدول الأفريقية واحتمال لجوء الشركات الصينية الكبرى إلى «تكتيكات» غير قانونية لتعزيز استثماراتها بالأسواق الأفريقية وهو ما سيفاقم عددا من المشكلات التي تؤثر سلبا على التنمية الأفريقية وفي مقدمتها الفساد.
وأظهرت وثائق ـ كشف عنها موقع «ويكليكس» مؤخرا ـ القلق المتزايد في أوساط دوائر صناعة القرار بأميركا بشأن تنامي نفوذ الصين الاقتصادي بالقارة الأفريقية، موضحة أن بكين «منافس اقتصادي قوي يفتقر إلى الجوانب الأخلاقية».
وتواجه شركات النفط الأميركية الكبرى منافسة شرسة من جانب نظيرتها الصينية التي تسعى إلى زيادة نصيبها من كعكة النفط بدول غرب أفريقيا.
وفى السياق ذاته، أبدت مؤسسات اقتصادية دولية عديدة قلقها بشأن احتمال تبني الدول الأفريقية للنموذج التنموي الصيني، بدلا من صياغة نماذج اقتصادية خاصة بها وهو ما يعني تجاهل الاصلاحات السياسية.
وفي محاولة لتعزيز علاقاتها التجارية والاقتصادية مع أفريقيا أسقطت بكين الرسوم الجمركية المفروضة على 4700 منتج مع الدول الأفريقية في يوليو الماضي.
وحرصت الصين أيضا على المساهمة في برامج التنمية بعدد من الدول الأفريقية لمواجهة الانتقادات الغربية بشأن سعيها للهيمنة على الثروات الطبيعية بتلك القارة، حيث وفّرت بكين مساعدات لإقامة أكثر من 500 مشروع في مجال البنية التحتية بالدول الأفريقية عام 2009.
وقدّمت الصين أيضا قروضا تفضيلية واعتمادات تصديرية بقيمة 5 مليارات دولار لعدد من الدول الأفريقية خلال الفترة من عام 2007 حتى عام 2009، في الوقت الذي تعهدت فيه تلك الدولة الآسيوية بتوفير قروض لدول القارة بقيمة 10 مليارات دولار خلال الفترة من عام 2010 حتى عام 2012.
وتوضح المؤشرات أن الصين التي نجحت في إزاحة أميركا كأكبر شريك تجاري للقارة الأفريقية عام 2010، ستسعى إلى تعزيز مشاركتها الاقتصادية والتجارية مع أفريقيا خلال الأعوام القليلة المقبلة.