أحمد يوسف
«لا أحد يعرف حتى الآن ما هو الحجم الحقيقي للخسائر الفعلية التي ادت اليها ازمة الرهونات العقارية الاميركية، ولا احد يعرف ما هو الحجم الحقيقي لقيمة القروض التي تأثرت بسبب الازمة، ولا احد يعرف الى اي حد او مدى سيؤدي التشدد في عمليات الاقراض الى اضطرار المقترضين الى موجة بيع واسعة النطاق للاسهم في البورصات العالمية، وبالتالي الى انخفاض اسعار هذه الاسهم والتسبب بآلام كبرى لخسائر كبيرة، ولا احد يعرف بالضبط الى اي حد او مدى ستصل هذه الازمة في تفاعلاتها وإلى اي درجة من حوادث الافلاس، فما تحتاجه الاسواق الآن هو جمع هذه المعطيات وقراءتها وتحليلها في الوقت الضائع قبل مجيء الكارثة المقبلة».
هذا، بتصرف، هو مضمون افتتاحية العدد الاخير من مجلة «الاكونوميست» في نهاية الاسبوع، حول ازمة الرهونات العقارية الاميركية التي ادت الى ضخ اكثر من 300 مليار دولار سيولة في اسواق المال العالمية. والقلق الاكبر مازال حتى الآن هو مدى احتمال تأثير هذه الازمة على نمو الاقتصاد الاميركي وبالتالي على الدولار. غير ان إفلاس عدد من شركات التمويل لم يوقف أسواق العقار الدولية كثيرا عند ازمة التمويل العقاري الاميركية التي كان آخر افرازاتها سحب عرض تمويل سندات ديون من السوق حجمها 1.6 مليار دولار خوفا من عدم وجود طلب عليها في السوق. وفي الأحوال العادية تكون مثل هذه العروض مرغوبا فيها بأكثر من حجم الطلب نظرا لنسبة الامان فيها التي تتفوق على الاسهم، ولعوائدها التي تفوق فوائد حسابات البنوك. وتشير اسواق المال الى المرحلة الحالية هي الثالثة بعد تعثر شركات التمويل العقاري الثانوي (sub prime) في الولايات المتحدة، بعد مرحلتي افلاس عدة شركات تمويل وتعثر شركات اخرى مرتبطة بهذا القطاع.
المراحل التالية تبدأ بانعكاسات سلبية على اسواق العقار الاميركية نفسها، وهذه بدأت مؤشراتها بالفعل، وإن كانت لم تتطور خارج هذا السوق بعد. الانعكاس الأخطر هو خروج هذه الأزمة عن الحدود الاميركية ونشر تأثيرها السلبي في اسواق اخرى، يمكن ان يحدث بعد هذا ما يشبه تاثير الدومينو الذي قد ينتشر الى الاسواق العربية المفتوحة للاستثمار والتمويل الاجنبي. وتوجد بالفعل ازمة صامتة في العديد من شركات التمويل وصناديق الاحاطة، تحذر منها البنوك المركزية. كما ان العديد من شركات التمويل العالمية التي لها نشاطات في السوق الاميركي، تـعرضت لـخسائر في الـسوق العقاري الثانوي.
وسيعتمد تطور الازمة في الشهور المقبلة على قدرة الشركات المالية على ايجاد الحلول لهذا الفجوة المالية الهائلة التي تكاد تغمر الجميع. وتلك بعض الامثلة على المخاطر التي تعانيها الشركات المتورطة في قطاع السوق الثانوي المنهار في اميركا.
اضطرت شركة «باركليز كابيتال» الى تمويل احدى الشركات المتورطة في الخسائر، واسمها «بير ستيمز»، بمبلغ 300 مليون دولار على وجه عاجل حتى تمنعها من الافلاس، ذلك لان افلاس الشركة يعرض «باركليز كابيتال» لخسائر اكبر.
وتملك شركة «بير ستيمز» صندوق احاطة اسمه «إي إلـ إف» رأسماله 600 مليون دولار ويدير قروضا حجمها ستة مليارات دولار، بعضها ديون رديئة. وخلال الربع الاخير فقد هذا الصندوق 18% من قيمته.
ولجأت شركة «كوينز ووك» البريطانية الى شطب ديون رديئة في سوق العقار الاميركي كلفتها ربع رأسمالها وانخفضت بالنسبة نفسها قيمة اسهمها.
وتواجه صفقة تمويل اخرى لشراء شركة كرايزلر من مجموعة تمويل بحجم 62 مليار دولار، صعوبات لعدم رغبة المستثمرين في التعرض لديون جديدة في السوق.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )