وقف الكويتي طلال العنزي في القاعة الرئيسية لأحد المعارض التي أقيمت في الكويت مؤخرا ليسأل أحد المنظمين بحماس شديد عن كيفية التحقق من صدق الفرص المتاحة في الخارج ومدى مطابقة المنتجات المعروضة مع حقيقتها على أرض الواقع مؤكدا أنه حصل على عرض مغر للغاية لشراء فيلتين في مصر بسعر زهيد جعله يتشكك في صدق العرض.
وقال العنزي لـ «رويترز» إنه يعتزم السفر للقاهرة قريبا مستعينا بمحام متخصص لمعاينة العقارين بنفسه والتأكد من كل التفاصيل قبل أن يقدم على الشراء مؤكدا أنه بصدد فرصة استثمارية طالما حلم بها للدخول في عالم الاستثمار رغم امتلاكه لمبلغ متواضع من المال على حد قوله.
وطلال العنزي ليس حالة فريدة لكنه واحد من آلاف المواطنين العاديين الذين يسعون لشراء عقارات وأراض في الخارج بأثمان تعتبر رخيصة مقارنة بالمبالغ الطائلة التي يتطلبها شراء أي عقار أو قطعة أرض في الكويت التي تعاني ندرة شديدة في الأراضي وارتفاعا كبيرا في أسعار العقارات.
وقال اقتصاديون وخبراء لـ «رويترز» إن ارتفاع أسعار الأراضي ومواد البناء في الكويت من أهم الأسباب التي تدفع الكويتيين للبحث عن فرص استثمارية رخيصة في الخارج.
وأضافوا انه خلال السنوات السبع الأخيرة أي منذ عام 2003 تضاعفت أسعار الأراضي في الكويت بسبب ارتفاع عدد السكان وإقبال كثير من الشركات والمستثمرين على شراء الأراضي وتشييد العقارات بمختلف أنواعها السكنية والاستثمارية والإدارية والتجارية.
وأضافوا ان هذه الطفرة في بناء العقارات قد تواكبت مع درجة نسبية من الانفتاح الاقتصادي أبدتها الحكومة الكويتية بهدف التحول إلى مركز مالي وتجاري في المنطقة بعد زوال التهديد الذي مثله نظام صدام حسين على الكويت طوال عقد التسعينيات وأوائل الألفية الجديدة.
وقال مدير عام شركة آنة جروب مساعد الحداد لتنظيم المعارض والمؤتمرات إن الكويت بلد صغير ومساحة الأراضي المتاحة فيه للبناء محدودة للغاية وهو ما يؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار هذه الأراضي. وأضاف الحداد «العقبة الكبيرة في الكويت هي الأرض».
وأوضح أن شراء قطعة أرض مساحتها 400 متر في المناطق السكنية البعيدة نسبيا يكلف 180 ألف دينار (638.8 ألف دولار) بينما الأسعار في الدول الأخرى أقل من ذلك بكثير وهو ما يدفع صغار المستثمرين والمواطنين العاديين للبحث عن فرصة استثمارية صغيرة تتناسب مع مدخراتهم.
وأشار الحداد إلى أن شركته طرحت في أحد المعارض التي أقامتها في الكويت أرضا في الأردن تقل قيمتها عن ألف دينار كويتي وقد لقيت إقبالا كبيرا من المواطنين الذين كان كثير منهم يسجلونها بأسماء أبنائهم لتكون سندا لهم في المستقبل.
وقال إن المواطن كان يقبل خلال سنوات الطفرة العقارية قبل 2008 على الشراء في دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل كبير خصوصا إمارات الشارقة والفجيرة ورأس الخيمة بالإضافة إلى الدول الأخرى المعروفة تقليديا بأنها جاذبة للكويتيين مثل مصر والسعودية وخصوصا منطقة الخفجي ولبنان والأردن وسورية وغيرها من الدول.
وفي لبنان قال مدير مبيعات في مؤسسة نور الدولية القابضة لبيع العقارات محمد مشموشي يوجد طلب على شراء العقارات من السعوديين والكويتيين ولكن هناك بعض الجمود الآن لأن موضوع الشراء والبيع مرتبط بموسم السياحة والوضع السياسي.
وأضاف قائلا لـ «رويترز»: «نحن لدينا مشروع في حاريصا في شمال شرق بيروت سعر الشقة 326 مترا بمليون دولار».
وقالت المستشارة العقارية ندى فتوح إن العام الماضي شهد طلبا من الكويتيين والسعوديين على شراء العقارات في المناطق الجبلية بهدف قضاء فترة الصيف في جبال لبنان. ويتراوح سعر متر البناء في لبنان عموما بين 1500 دولار و5000 دولار بحسب المنطقة وهناك مناطق أغلى مثل وسط بيروت. ويصل سعر المتر المربع الواحد إلى 12000 دولار في أغلى أبنية بيروت وهي أبراج البلاتينيوم.
وقال عماد عيسى مدير المبيعات في شركة إسكان المشتركة الكويتية إن غالبية المواطنين الكويتيين يسألون في المعارض العقارية عن أسعار الأراضي في الخارج بغرض اقتنائها نظرا لتدني أسعارها مقارنة بأسعار الأراضي الكويتية مشيرا إلى أن سعر قطعة الأرض المناسبة لبناء فيلا أو عمارة في الكويت قد يصل إلى 450 ألف دينار وهو مبلغ لا يمتلكه كثير من المواطنين.
وقال رئيس اتحاد سماسرة العقار في الكويت محمد الهاجري لرويترز إن سعر الفيلا التي تبلغ مساحتها 1000 متر مربع في منطقة راقية كمنطقة عبدالله السالم يصل إلى 1.5 مليون دينار أو أكثر حسب موقع الفيلا وتجهيزاتها أما في مناطق أقل قليلا مثل الخالدية فيتراوح سعر نفس العقار بين 800 ألف ومليون دينار.
وقال المواطن الكويتي سالم العجمي إنه تفاوض على شراء شقة في الكويت تطل على شارع المغرب السريع مكونة من غرفتين وصالة وتصل مساحتها إلى 150 مترا مربعا بسعر 80 ألف دينار لكنه عدل عن الشراء بسبب ارتفاع السعر.
وذكر أن والده اشترى في بداية التسعينيات قطعة أرض في منطقة الذيد جنوبي مدينة الشارقة بدولة الامارات العربية المتحدة بمبلغ أربعة آلاف دينار كويتي وباعها في عام 2000 بمبلغ 25 ألف دينار مشيرا إلى أنه لو انتظر مزيدا من الوقت لكان باعها بمبلغ 70 ألف دينار كويتي في 2010.
وفي مصر قال نهاد عادل المدير العام ونائب العضو المنتدب لشركة كولد ويل بانكر للتسويق العقاري «الخليجيون بمصر يتجهون لنوعية معينة من الفيلات تتماشى مع طبيعتهم وطبيعة بلادهم. هم يحبون الخصوصية لذا تجدهم يتجهون في مصر مثلا إلى الريف الأوروبي على الطريق الصحراوي».
وأضاف «تتراوح أسعار الفيلات التي يشتريها الخليجيون بمصر ما بين 1.6 مليون و3.5 مليون جنيه (275 ألف دولار و603 آلاف دولار).
وقال محمد منير مدكور منظم سلسلة معارض «عمار يا مصر» التي تقام سنويا في الكويت إن الكويت سوق خصب ويثلج الصدور مبينا أن الإقبال على العقارات المصرية يكون عادة من قبل المصريين المقيمين في الكويت أو الكويتيين الراغبين في اقتناء عقار في مصر.
وذكر أن 40% ممن يقبلون على المعارض المصرية التي تقام في الكويت هم كويتيون وهي نسبة كبيرة مقارنة بدول أخرى مثل قطر التي تكون فيها نسبة اقبال المواطنين القطريين على المعارض المصرية المقامة هناك 20% فقط ونسبة مماثلة في السعودية.
وأكد مدكور أن الكويتيين يقتنون العقارات في الخارج بهدفين الأول استخدامها في السكن والإقامة لاسيما في الاجازات الصيفية والهدف الثاني هو الاستثمار.
وقال محمود بوشهري نائب رئيس مجلس إدارة شركة ليان العقارية التابعة لشركة منازل القابضة الكويتية إن المواطنين الكويتيين يفضلون شراء الفيلات والشقق التي تستخدم للسكن والزيارات الصيفية ثم يقومون بتأجيرها في الفترات التي لا يحتاجونها فيها ويحققون منها عائدا مناسبا لاسيما في ظل وجود شركات متخصصة تدير هذه المشاريع من حيث الصيانة والحراسة والتسجيل وغيرها.
وأكد د.خضر البارون أستاذ علم النفس في كلية العلوم الاجتماعية في جامعة الكويت إن الهدف من شراء العقارات في الخارج هو تحقيق مزيد من الاستقرار والاطمئنان على المستقبل.
وقال «دائما العقار يساوي الثبات والاستقرار وهو اطمئنان للأولاد والمستقبل وفيه كثير من الراحة النفسية».
وأشار إلى أن المواطن الكويتي الذي يشتري عقارات في الخارج يسعى عادة إلى تنويع استثماراته ليقلل حجم الخطر الواقع عليه مشيرا إلى تزايد اهتمام المواطنين الكويتيين بشراء عقارات في الخارج بعد الغزو العراقي للكويت في عام 1990.
وقال البارون «أزمة احتلال الكويت أعطت الدرس لكثير من الناس أن يكون عنده بيت في مكان آخر إذ لا قدر الله حدث شيء معين للكويت يكون لديه بيت يسكن فيه في الخارج». مبينا أن هذه الموجة وإن هدأت نسبيا مؤخرا لكنها مازالت موجودة. وأضاف أن المواطنين الكويتيين يسعون للشراء في دول مستقرة سياسيا مثل دول أوروبا والسعودية ومصر والأردن مبينا أن التركيز يكون دائما على البلدان العربية والخليجية بشكل خاص لأن الإنسان يسعى للتواجد بين أناس يتشابه معهم في العادات والتقاليد واللغة.
وقال إن الكويتيين يسعون دائما للشراء في مناطق بعينها في بعض الدول مثل مناطق الجبل في لبنان ومنها مناطق بحمدون وحمانة وقردايل التي ربما يساوي فيه عدد الكويتيين في الصيف عدد اللبنانيين مشيرا إلى أنهم عادة ما يتزاورون هناك ويقضون أوقاتهم معا ويتبادلون الأطعمة والهدايا كما أن بقاءهم قريبين من بعضهم يعطيهم شعورا أكبر بالأمان.