يحتاج الفلسطينيون الذين يسعون للاستثمار في القدس إلى مزيد من الوقت والصبر ومحام جيد، ويسعى عدد قليل وإن كان متزايدا منهم إلى أن يثبت أنه على قدر مواجهة التحدي باستغلال الفرصة من أجل تحقيق عائد معقول وفي نفس الوقت المساعدة في احياء الاقتصاد الفلسطيني المتراجع في المدينة.
ويقول فلسطينيون إن رجال الأعمال المحليين ترددوا لفترة طويلة إزاء الاستثمار في القدس الشرقية العربية التي ضمتها إسرائيل بعد حرب 1967 في اجراء لم يحظ باعتراف دولي.
والمعوقات تتضمن الغموض السياسي الذي يكتنف مدينة في قلب صراع الشرق الأوسط والسياسات الإسرائيلية التي تعقد الحياة الفلسطينية بالقدس.
ورغم أن هذه العوامل لم تتغير، إلا أن الفلسطينيين الذين يسعون للاستثمار في المدينة يرون أن هناك رغبة أكبر في البحث عن فرص في سوق يرون أنه جرى تجاهلها لسنوات.
ورجل الأعمال الفلسطيني مازن سنقرط الذي ساعد العام الماضي في تأسيس شركة قابضة بترخيص في إسرائيل لكي تستثمر في المدينة يقول إنه من خلال قراءاته الاقتصادية يرى أن السوق في القدس الشرقية سوق عذراء والفرص هائلة.
وبالنسبة لكثيرين كان من الأسهل الاستثمار في مدينة رام الله بالضفة الغربية التي تديرها السلطة الفلسطينية، وتساعد الضرائب الأقل والعمالة الأرخص في ازدهار الأعمال هناك، ورام الله تنتعش بفضل دعم المانحين الغربيين.
وعلى العكس فإن الحياة الاقتصادية في القدس الشرقية والأحياء العربية المجاورة والتي يقطنها نحو 350 ألف فلسطيني مختنقة نتيجة للجدار العازل الذي تقيمه إسرائيل منذ الانتفاضة الفلسطينية الأخيرة. وقطع الجدار العازل القدس الشرقية عن الضفة الغربية مما حرم التجار من الوصول إلى سوقهم المحلية الرئيسية.
ولهذا اختار رجل الأعمال الفلسطيني أسامة صلاح الاستثمار في قطاع السياحة، وقال «هذه هي الفرصة الوحيدة لدينا».
وأضاف «هناك قدس واحدة»، مشيرا إلى أنها منجم ذهب فيما يتعلق بقطاع السياحة لا يستغله الفلسطينيون وانما الإسرائيليون.
واستثمر صلاح في فندق على بعد خمس دقائق سيرا بالأقدام عن الحي القديم الذي تجذب مزاراته المقدسة المسلمة والمسيحية واليهودية الزوار من شتى أنحاء العالم.
وبعد أربعة أعوام من التجديد أعاد صلاح افتتاح فندق ناشونال في سبتمبر. وفي الوقت ذاته، أعيد افتتاح فندق آخر بنهاية الشارع. وعند التقاطع يرمم عمال البناء فندقا آخر سيكون مستعدا للعمل في وقت لاحق من هذا العام. ويقول محمد نسيبة إنه من المقرر أيضا أن ينتهي العمل هذا العام بمجمع قريب يضم مركزا تجاريا ومكاتب وفندقا. ويستثمر نسيبة في هذا المشروع سبعة ملايين دولار.
وواجه صلاح 14 دعوى قضائية منفصلة مرتبطة بمشروعه لمحاربة مزاعم ملكية تقدم بها فلسطينيون آخرون وكانت هناك أيضا مواجهات بينه وبين بلدية القدس بشأن أمور متعلقة بالتخطيط، وقال إنه جرى حل المشاكل الآن.
ويقدر أن الفندق المؤلف من 100 غرفة والذي استثمر فيه عشرة ملايين دولار قيمته الآن تصل إلى 25 مليون دولار، وبعد أن وفر 60 وظيفة جديدة أصبح الفندق مثالا لما يمكن تحقيقه.
وينصح صلاح رجال أعمال فلسطينيين وعربا آخرين بألا يجعلوا الاحتلال الإسرائيلي شماعة يعلقون عليها كل مشاكلهم ويضيف «إذا أردتم الاستثمار يمكنكم ذلك».
وقال عدنان الحسيني محافظ القدس المعين من السلطة الفلسطينية إن المزيد من الاستثمارات أمر مهم لتقوية الحياة الفلسطينية في القدس الشرقية ومحاربة الجهود الإسرائيلية لتعميق سيطرتها على المدينة. وأضاف أن القدس يجب ألا تكون فقط موضوعا للأغاني والشعر بل مجال للعمل، ودعا الناس الذين يريدون حماية القدس إلى العمل فيها، مشيرا إلى أن إسرائيل تستثمر المليارات ويتحتم على الأمة العربية أن تنفق المزيد. وتابع أن الأموال التي تنفق على الفنادق والمراكز الثقافية تعني أن الوضع يتحسن في القدس الشرقية مقارنة «ببلدة الأشباح» التي كانت عليها قبل بضع سنوات.
وأوضح أن التقدم سيكون ظاهرا بشكل أكبر خلال العام الحالي ولكن هناك حاجة إلى بذل المزيد.
ويريد الفلسطينيون أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية التي يريدون اقامتها مستقبلا في الضفة الغربية وقطاع غزة، أما إسرائيل فتقول إن القدس الشرقية جزء مما تصفها بعاصمتها الموحدة والأبدية. وفي تقرير سري جرى تسريبه في الآونة الأخيرة أشار رؤساء بعثات أوروبية إلى أن الاستثمارات غير الكافية هي من بين العوامل التي تقوض الوجود الفلسطيني في القدس الشرقية.
ومن بين هذه العوامل أيضا التوسع الاستيطاني الإسرائيلي وطرد عائلات فلسطينية وهدم مبان فلسطينية أقيمت دون الحصول على تراخيص بناء إسرائيلية ـ يصعب الحصول عليها ـ والقيود الصارمة التي تضعها بلدية القدس على التخطيط العمراني.
ويرأس سمير حليلة شركة انتظرت عشر سنوات للحصول على ترخيص إسرائيلي ببناء 166 منزلا جديدا في منطقة سكنية بالقدس يغلب على سكانها الفلسطينيون.
والآن يشعر حليلة بالثقة في أن الربع الأول من عام 2011 سيسفر عن صدور ترخيص لبدء العمل الميداني في مشروع اسكاني تكلفته 33 مليون دولار في بيت صفافا.
وأضاف حليلة الرئيس التنفيذي لشركة فلسطين للتنمية والاستثمار المحدودة «باديكو» وهي شركة قابضة مدرجة في البورصة الفلسطينية «إنه ليس عملا خيريا، ليست سياسة. علينا أولا أن نحقق ربحا»، يجب أن تتحلى بالصبر وتضيف تكلفة المشروع وتكلفة الانتظار. هذا يقلص هامش الربح. لكن هناك احتمالات دائما، فرصة الاستثمار في القدس أكبر بكثير من الاستثمار في الضفة الغربية. في القدس أنت بمفردك».
وباديكو هي المستثمر وراء ترميم فندق سان جورج الواقع قرب الحي القديم.
وسيعاد افتتاح الفندق وبه 144 غرفة في يوليو أو أغسطس. والشركة أيضا وراء تجديد قصر الحمراء القريب الذي يضم قاعات أفراح ومطاعم.
وقال حليلة ان مشروعي تجديد آخرين مدرجان بجدول أعمال الشركة بالرغم من أن استثماراتها في القدس لا تذكر مقارنة بمشاريعها في الأراضي الفلسطينية. وأضاف «تجاوز الناس الحاجز النفسي، يمكنهم القيام بشيء تجاه الاستثمار في القدس وعليهم عدم انتظار الآخرين، لا السلطة الفلسطينية ولا العالم العربي».