تتميز العلاقات العراقية ـ السورية بأهمية خاصة بسبب ثقل البلدين السياسي والاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وبسبب التأثير المتبادل لكل منهما في الواقع السياسي للآخر، إلا أن تلك العلاقات وعلى مدى عقود طويلة مرت أيضا بثلاث مراحل من الجفاء والوصال والتقارب والتباعد طالما كانت عناوينها السياسية والاقتصاد أو كليهما.
أول تلك المراحل امتدت من ستينيات القرن الماضي وحتى نهاية سبعينياتها، وبدت تارة في وصال البعث بشقيه يمين العراق ويسار سورية أو بخصام الجناحين وتأثير كل منهما على الآخر حتى وصل المقبور صدام حسين الى رأس السلطة في بغداد «متوجا خصاما مع سورية بقرار إعدامه قياديين كبارا في حزب البعث جناح العراق أو جناح اليمين كما اصطلح على تسميته متهما سورية بالتآمر معهم للإطاحة بنظامه».
وبعد تسلم المقبور صدام زمام الامور رسميا في العراق عام 1979 واندلاع الحرب مع إيران في عام 1980، اختارت سورية الوقوف الى جانب طهران في الحرب، مما أدى الى قطع العلاقات الديبلوماسية بين البلدين في العاشر من اكتوبر عام 1982 وذلك احتجاجا على تسليم سورية اسلحة الى ايران التي كانت تخوض حربا ضد العراق.
وظلت العلاقات بين البلدين متوترة طوال عقد من الزمان وزادت توترا بعد ان قررت الحكومة السورية المشاركة في القوات الدولية التي أخرجت القوات العراقية الغازية للكويت عام 1991.
لكن العلاقة تحسنت نسبيا وحصل تقارب بين النظامين الحاكمين في بغداد ودمشق ابان الفترة التي فرضت فيها العقوبات الدولية على العراق في مرحلة ثانية من العلاقة كان عنوانها التقارب من جديد بعد خصام عقدي الثمانينيات والتسعينيات.
وشهد عام 1997 انفتاحا كبيرا في العلاقات بين البلدين، ففي الثاني من شهر يونيو اعيد افتتاح مركز التنف الحدودي لرجال الاعمال من البلدين وفي الثامن منه تم توقيع اول اتفاقية تجارية بين البلدين، وفي الـ 13 منه شهدت بغداد زيارة اول وفد اقتصادي سوري منذ عام 1982.
ودفع الاقتصاد بالسياسة لأن تحزم حقائبها تجاه دمشق ليقوم نائب رئيس الوزراء في النظام البائد طارق عزيز بزيارة دمشق للمرة الاولى منذ عشرين عاما زيارة اعقبها في العشرين من اغسطس عام 1998 توقيع بغداد ودمشق مشروع اتفاق لاعادة تأهيل انبوب النفط العراقي السوري.
وفي الـ 11 من شهر اغسطس من ذلك العام، قام رئيس الوزراء السوري مصطفى ميرو بزيارة بغداد في اول زيارة على هذا المستوى منذ اكثر من عشرين عاما.
وقام رئيس الحكومة العراقية المؤقتة اياد علاوي بزيارة دمشق في 23 يوليو 2004 حيث اكد البلدان اهمية اعادة العلاقات الديبلوماسية في اسرع وقت ممكن.
ولم تمض هذه العلاقة باتجاهات ايجابية حتى توالت الاتهامات الأميركية لسورية بالتدخل في الشؤون العراقية الداخلية لتعلن دمشق رسميا في 16 ديسمبر نفيها اي تدخل لها في شؤون العراق.
وحذرت واشنطن في 17 سبتمبر دمشق بتحرك دولي ما لم تمنع الارهابيين من استخدام اراضيها كقاعدة انطلاق.
وشهد البلدان منذ ذلك التاريخ مرحلة التقارب من جديد، حيث قام رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بزيارة دمشق في 18 اغسطس 2009 تلبية لدعوة من نظيره السوري محمد العطري قبل ان يختزل زيارته التي كان مقررا ان تستمر ليومين في يوم واحد ليعود الى العراق.
وبعد يوم واحد وفي 19 اغسطس 2009، هزت تفجيرات عنيفة العاصمة بغداد واستهدفت وزارتي الخارجية والمالية وخلفت المئات من الضحايا بين قتيل وجريح لتدخل العلاقة مرحلة الجفاء من جديد بعد اتهام بغداد علنا دمشق بالتورط في هذه التفجيرات.
وعرضت بغداد في الـ 23 من شهر اغسطس عام 2009 اتهامات المتورط الرئيسي بالتفجيرات ويكشف انتماءه لحزب البعث جناح يونس الاحمد والتحاقه به في دمشق وان مسؤوله المباشر كان اسمه صطام فرحان.
واعلن المتحدث الرسمي علي الدباغ في الـ 25 اغسطس 2009 ان بلاده تستدعي سفيرها في سورية وتطالب دمشق بتسليمها قيادات بعثية في مقدمتهم محمد يونس الاحمد وصطام فرحان لدورهما المباشر في تفجيرات الاربعاء الدامي، في حين نفت دمشق وجود الاحمد في سورية مطالبة بادلة تؤكد استخدام اراضيها منطلقا لاعمال اجرامية داخل العراق.
وطالب نوري المالكي في 25 اغسطس 2009 مجلس الأمن بان يعتبر ما حصل جريمة حرب وتشكيل محكمة دولية بهذا الخصوص معلنا ان بلاده في حرب مفتوحة تقف في جانبها الآخر دول جوار موجها اتهاما ضمنيا الى سورية.
وتوج التحسن الكبير الذي شهدته العلاقات الثنائية خلال الاشهر الاخيرة بزيارة قام بها المالكي الى دمشق في اكتوبر الماضي طوى من خلالها صفحة خلافات استمرت سنة كاملة وتورط بعثيين في تنفيذ تفجيرات بغداد الدامية التي وقعت اغسطس من عام 2009.
واستضافت دمشق في نوفمبر الماضي اجتماعات اللجنة الوزارية المشتركة السورية ـ العراقية التي تم على هامشها اطلاق مجلس الاعمال السوري ـ العراقي المشترك وتوقيع خمس مذكرات تفاهم في مجالات التجارة والصناعة والصادرات والرياضة.