كشف مؤلف كتاب «الملاذات الضريبية والرجال الذين سرقوا العالم» نيكولاس شاكسون عن دور كبير تلعبه العاصمة البريطانية لندن في إخفاء ثروات العصابات والسياسيين الفاسدين.
وتظهر مقتطفات من الكتاب نشرتها صحيفة «الغارديان» البريطانية أن شاكسون استند إلى مصرفيين سابقين منها المسؤولة في قطاع الخدمات المصرفية الخاصة لإدارة استثمارات الأثرياء بيث كرال للاطلاع على خفايا تهريب الأموال إلى جزر الباهاما، التي شكلت مركزا مهما «أوفشور» منذ العصر الذهبي للجريمة المنظمة الأميركية.
وأشارت كرال إلى «shall banks» وهو مصطلح مالي يصف مؤسسات مالية لا وجود حقيقيا لها في أي دولة، ولا تملك أكثر من لوحة نحاسية تحمل اسمها وعنوانا مسجلا، وهي خصوصية تتميز بها مراكز الأفشور، وعادة ما تكون مدمجة ضمن مؤسسات مالية كبيرة، بحيث تتفادى الرقابة والإشراف من الأجهزة التنظيمية، مضيفة أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر شجعت الولايات المتحدة الأميركية على سن قوانين ضد البنوك والمؤسسات المالية التي لا وجود حقيقيا لها أو ما يسمى بـ «shall banks».
وينبغي على البنك الذي يعمل في جزر البهاما أن يعين حاليا مصرفيين كبارا وأن تبقى دفاتره وسجلاته سليمة قانونيا حتى يستمر في العمل.
عالم الأوفشور
ويصف جون كريستينسين، المستشار الاقتصادي السابق من جزيرة جيرسي الذي تحول إلى منشق، مواجهة المواقف اليمينية المتطرفة في الأوفشور عندما عاد إلى جزيرته الأم في 1986، بعد أن عمل في الخارج كاقتصادي متخصص في التنمية، وشكلت تلك السنة مرحلة تخفيف النظم وتحريرها في حال المال والأعمال في لندن بصورة كبيرة، وعثر على «الجنة الضريبية» في خضم طفرة مذهلة، وتم هدم المنازل القديمة ومتاجر الهدايا للسياح ومحال التجار في سانت هيلير والاستعاضة عنها بالبنوك ومجمعات المكاتب والحانات.
ويرى شاكسون أن عالم الأوفشور في كل مكان حولنا، أكثر من نصف تجارة العالم تمر، أقله على الورق، من خلال الملاذات الضريبية، وأكثر من نصف جميع الأصول المصرفية وثلث الاستثمارات الأجنبية التي تضخها الشركات المتعددة الجنسيات يتم توجهها من خلال الأوفشور.
وقد تم خلق انطباع لدى وسائل الإعلام بأنه قد تم تفكيك نظام الأوفشور أو في أقل تقدير ترويضه واخضاعه. ولكن ما حدث في الواقع هو العكس تماما، فنظام الأوفشور في صحة قوية وينمو بوتيرة سريعة.
ووفقا للمقتطفات التي نشرتها احدى الصحف، فإن لندن، التي كانت يوما عاصمة أعظم إمبراطورية عرفها العالم، تعتبر مركز الجزء الأهم من نظام الأوفشور العالمي.
شبكة العنكبوت
وتتكون شبكة الأوفشور لحي المال من ثلاثة أجزاء: حلقتين داخليتين، وهي الجزر التابعة للتاج البريطاني وتضم جيرسي وجبل طارق وجزيرة مان، والأراضي الخارجية، مثل جزر الكايمان التي تخضع لسيطرة بريطانية كبيرة عن طريق الجمع بين التمويل الخارجي المستقبلي وسياسات القرون الوسطى.
وتتألف الحلقة الخارجية من مجموعة أكثر تنوعا من الملاذات مثل هونغ كونغ التي تقع خارج السيطرة البريطانية المباشرة لكن تربطها بها علاقات قوية.
وتقوم الشبكة بأمور عدة، وهي تمنح حي المال في لندن امتدادا عالميا، فالملاذات البريطانية تنتشر في جميع أنحاء المناطق الزمنية للعالم وتلتقط وتجذب الأموال العالمية المتنقلة تماما كما تلتقط شبكة العنكبوت الحشرات المارة، وتصب الكثير من الأموال التي تستقطب من خلال تلك الأماكن، والأعمال التي تدير وتولد تلك الأموال في لندن.
هذه الشبكة العنكبوتية البريطانية تتيح أيضا لحي المال المشاركة والانخراط في أعمال قد تكون محظورة في بريطانيا، والكثير من الأنشطة المالية «وليس جميعها» التي تحتضنها تلك الأماكن تنتهك القوانين وتتفادى الخضوع لرقابة الأجهزة التنظيمية في أماكن أخرى.
وهناك امتدادات لحي المال للجزر الثلاث التابعة للتاج البريطاني في الحلقة الداخلية تخضع لرقابة ودعم بريطاني كبير، لكنها تملك من الاستقلالية ما يكفي للسماح لبريطانيا بان تقول «ليس هناك شيء يمكننا عمله» عندما تشكو البلدان الأخرى.
وهي توجه كميات كبيرة من التمويل إلى حي المال في لندن، ففي الربع الثاني من عام 2009، تلقت بريطانيا تمويلا صافيا قدره 332.5 مليار دولار من ثلاث تبعيات للتاج البريطاني فقط، والأدبيات الترويجية لمؤسسة jeresy finance التي تروج للجزيرة بصفتها مركزا ماليا عالميا، توضح هذا الأمر، إذ تقول: «تمثل جيرسي امتدادا لحي المال في لندن».
الأراضي الأربع عشرة الخارجية، وهي الحلقة المقبلة في شبكة العنكبوت، هي آخر ما بقي من البؤر الاستيطانية في الامبراطورية البريطانية، وهي تشمل السلطات القضائية البالغة السرية التالية: جزر الكايمان وبرمودا وجزر العذراء البريطانية وجزر تركس وكايكوس وجبل طارق.
ومثلها مثل الجزر التابعة للتاج البريطاني، تتمتع الأراضي الخارجية بعلاقات سياسية وثيقة، ولكن غامضة مع بريطانيا، وفي جزر الكايمان، يعين الحاكم وهو الرجل الأقوى في الجزر من قبل الملكة، وتعتبر جزر الكايمان خامس اكبر مركز مالي في العالم، وتحتضن 80 ألف شركة مسجلة، وأكثر من ثلاثة أرباع صناديق التحوط الموجودة في العالم، كما انها معقل ودائع قيمتها 1.9 تريليون دولار، أي 4 مرات أكثر، ما هو موجود في بنوك نيويورك، والحلقة الثالثة في شبكة العنكبوت البريطانية تضم هونغ كونغ وسنغافورة وجزر الباهاما ودبي وايرلندا، وهي بلدان مستقلة بالكامل، على الرغم من ارتباطها العميق بحي المالي في لندن.
وتعود جذور جزر الكاريبي، نظام الاوفشور الحديث إلى فترة الجريمة المنظمة في الولايات المتحدة وسعيها للالتفاف على قانون الضرائب الأميركي.
وتحكي السجلات والمحفوظات قصة متسقة حول كيف تنمو الملاذات الضريبية: تبدأ شركات القطاع الخاص العاملة في منطقة تتمتع بحرية مفرطة، بممارسة السلطة وسط معارضة بسيطة من بريطانيا ومبعوثيها ذوي الخبرة، وتقدم مذكرة مختومة بختم سري من بنك إنجلترا المركزي مؤرخة في 11 ابريل 1969 معنى أفضل للقوى التي تقود التغييرات في الكاريبي.
وتقول المذكرة «نحن بحاجة إلى ان نتأكد تماما من ان احتمال انتشار وتكاثر شركات الائتمان والبنوك، التي في معظم الحالات ليست سوى تلاعب بالأصول لشركات غير موجودة، خارج الجزر، لن يخرج عن نطاق السيطرة، وبالطبع لا يوجد أي اعتراض في تقديمهم لتلك الفرص انهم لا يعملون على نقل رؤوس أموال بريطانيا الى مناطق غير منطقة الإسترليني وخارج حدود القوانين البريطانية»، وكان القلق الأساسي لبنك إنجلترا المركزي في ذلك الوقت هو ان جزر الكاريبي الجديدة كانت تشكل نقاط ضعف وتشكل مصادر لتسرب الأموال إلى خارج منطقة الإسترليني، لذلك قلصت بريطانيا في 1972 المنطقة وقصرتها على بريطانيا وايرلندا والجزر التابعة للتاج، واستثنت الملاذات الجديدة، وفي السنة التي تقلصت فيها منطقة الإسترليني، اختفى عمل المسؤولين البريطانيين ضد الملاذات الضريبية من ملفات الأرشيف.
الأجانب والعقارات الفاخرة
يشكل المستثمرون الأجانب 60% من مشتري المنازل الفاخرة في وسط لندن، مقارنة بحوالي 40% في 2009، ويمثل الروس المجموعة الكبرى ضمن المشترين للعقارات بنسبة بلغت 20% من جميع صفقات الشراء، وارتفعت العقارات السكنية الرئيسية في المدينة بنسبة بلغت حوالي 5% في العام الماضي، بينما تراجع متوسط القيم للمنازل في أنحاء بريطانيا بنسبة 3.4%، وفق مؤشر صادر عن هاليفاكس، ذراع الإقراض العقارية في مجموعة لويدز المصرفية في 10 يناير.
وذكر تقرير لبلومبيرغ، نقلا عن وكالة سافيلس العقارية، أن المنازل الفاخرة في لندن هي بمنزلة الملاذ للثروات أكثر من أي فئة أخرى من العقارات، وأن لديها الكثير من القواسم المشتركة مع الذهب.
ويظهر التقرير كيف أن عدد مبيعات المنازل في وسط لندن، التي يزيد ثمن الواحد منها على خمسة ملايين جنيه إسترليني (8 ملايين دولار)، يتبع نمطا ممثلا لنسبة التغير في أسعار الذهب خلال ثلاثة أشهر.