جمال عبدالحكيم
خسرت العملة الاميركية ما يعادل اكثر من 40% من قيمتها أمام اليورو منذ عام 2002 كما هوت الى ادنى مستوياتها أمام الجنيه الاسترليني في اكثر من ربع قرن وهناك سلسلة من العوامل التي عادة ما يشار إليها بوصفها اسبابا لهبوط الدولار منها تعاظم حجم العجز في الميزانية الاميركية الذي وصل في عهد الرئيس الاميركي جورج بوش الى اعلى مستوى له على الاطلاق وهو المستوى البالغ اكثر من اربعمائة مليار دولار العجز الضخم في الميزان التجاري الاميركي وهو العجز الذي تصل قيمته في الشهر الواحد الى ستين مليار دولارا تضخم الديون المستحقة على الولايات المتحدة لتصبح اكبر دولة مدينة في العالم بإجمالي ديون بلغت مائتين وخمسين تريليون دولار.
ما يعني ان كل مواطن أميركي مدين للعالم بنحو مليون دولار كما نالت الحرب في العراق وافغانستان والازمة النووية الايرانية بشدة من نصيب الدولار في اسواق المال العالمية في ضوء العلاقة الطردية بين هبوط نجم القوة العسكرية الاميركية وتهاوي الدولار، غير ان ذلك لا يعني من وجهة نظر البعض امكانية انهيار العملة الاميركية.
حيث يذكر هذا التقرير الذي بين ايدينا والذي اعدته احدى الفضائيات العربية، ان ثمة عوامل موضوعية تحول دون هذا الانهيار، فرغم كون اميركا هي الدولة الوحيدة في العالم التي تستطيع ان تطبع ما تشاء من اوراق نقدية بلا رقيب أو حسيب صارم، إلا ان هناك عوامل اقتصادية تعمل دوما على تعزيز هيمنة الدولار الاقتصادي على العالم ومنها النفط.
حيث ان السواد الاعظم من المبيعات النفطية تتم بالدولار كما ان 60% من احتياطيات البنوك المركزية العالمية هي بالدولار اضافة الى ذلك فإن اغلب المبادلات التجارية الدولية تتم ايضا بالدولار لكن التطورات الاخيرة التي شهدها مسرح العملات العالمي بدأت تدق اجراس انذار بشأن الوضع النقدي الدولي وبدأت اصوات تتعالى على خلفية هبوط الدولار مطالبة بنظام نقدي عالمي جديد يتحرر فيه العالم من هيمنة العملة الواحدة والقطبية النقدية ليحل محلها نظام نقدي متعدد الاقطاب تبزغ فيه نجوم صاعدة مثل اليورو وحتى اليوان الصيني او الروبية الهندية.
احد الخبراء الماليين يرى ان اي بلد فيه عجز في الموازنة وفي الميزان الجاري سيكون معرضا لانخفاض قيمة عملتها عاجلا أو آجلا.
وفي حالة أميركا فإننا نرى ان هناك انفلاتا ماليا يتمثل في صرف سيولة زائدة، وكأن التاريخ يعيد نفسه فالذي يحدث الآن من تراجع في قيمة الدولار هو نفسه ما حدث عقب مشروع مارشال لإعادة تعمير أوروبا، وهو أيضا ما حدث اثناء الحرب الڤيتنامية في عقد الستينيات من القرن الماضي.
ويرى الخبير: ان الحديث عن تدهور الدولار غير وارد اطلاقا فالاقتصاد الاميركي اكبر اقتصاد لديه قدرة استيعابية ولو حولت الفوائض الضخمة من الدولار الى عملة أخرى كالين أو اليورو، فإنهما لن يستطيعا استيعاب هذه الفوائض، فالاقتصاد الاميركي يمثل ثلث الاقتصاد العالمي.
وحول الآثار المتوقعة من هذا التراجع في قيمة الدولار، يرى احد المدراء الماليين التنفيذيين ان كل من يصدر بالدولار ويستورد بعملة غير الدولار يتضرر مباشرة من جراء انخفاض سعر صرف الدولار مقابل معظم العملات الدولية، وهو يرى ان المشكلة الاساسية التي تواجه اميركا هي في شرق اسـيـــا، ولهذا فالسياســـة الاميركية تتجه مباشرة الى بكين وتحــــاول الضغط بكل القوة لتعديـــل سعر الصرف حتى تسمــح للمنتجات الاميركية بالدخـــول الى الصين لأنها تعلم انهــــا سوق استهلاكيـــة ضخمــــة وهائلة وبالتالي يبدأ الميزان التجاري في التحول تدريجيا او ترفع قليـــلا من الضغط على الميـــزان التجاري الذي يرضخ تحت ضغوط هائلـــة بفضـــل نفــــاذ المنتجات الآسيوية الى الاســـواق الاميركيــة.
وحول السبب في إبقاء دول الخليج العربي على الربط بين عملاتها والدولار رغم التراجع المتواصل في قيمته، يرجع المدير التنفيذي ذلك الى رغبة الدول الخليجية في تحقيق الوحدة النقدية في عام 2010 وهي ترى ان ارتباطها بعملة الدولار ربما يمهد الطريق لهذه الوحدة، وان كانت هذه الاخيرة بدأت تواجه الكثير من العقبات وصلت الى حد اعلان عدد من الدول عن تخليها عن الفكرة.
ويرد الخبير المالي على هذه النقطة فيقول: ان البعد الاقتصادي ليس هو الاساس في موضوع الوحدة النقدية، وهذه الاخيرة ليست هدفا بحد ذاته فحجم التبادل التجاري بين دول الخليج لا يتجاوز الـ 10%، وهذا ما يجعلني ارجح العامل السياسي في الموضوع، وان كان من الانصاف القول ان معدل التضخم غير ناتج عن تراجع قيمة الدولار فقط، فهذا ايضا له اسباب كثيرة منها، ارتفاع تكلفة عوامل الانتاج من الارض والعمل ورأس المال.
وعلى الرغم من اعتراف المدير التنفيذي بأثر التضخم الناتج عن الصادرات والواردات لدول الخليج وهي الدول الريعية التي تعتمد كثيرا على الصادرات والواردات إلا انه يؤكد ان مستويات التضخم في معظم الدول الخليجية مازالت منطقية، ولا يمثل ارتباط عملاتها بالدولار مشكلة من ناحية التضخم في الوقت الحالي، غير انه يستدرك.
قائلا: ان السياسة النقدية بشكل عام عندما ترتبط بسعر ثابت للدولار تكون شبه مشلولة والهامش الذي تتحرك فيه يكون محدودا جدا، والدول الخليجية التي تعيش ازهى عصورها من حيث الفوائض المالية المتراكمة من ارتفاع اسعار النفط لا يمكنها ان تبقى الى مالا نهاية في ربط عملاتها بالدولار، وعليه فكل الاحتمالات واردة ومنها فك الارتباط بالدولار، وهي الخطوة التي اتخذتها الكويت في وقت سابق.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )