شريف حمدي ـ محمود فاروق ـ أحمد يوسف ـ أحمد مغربي
القت الاحداث السياسية التي تشهدها المنطقة بظلالها الثقيلة على اسواق المال العربية والخليجية. ولعل انتقال عدوى الاحداث الى بعض دول الخليج كان له الأثر الأكبر على الاسواق الخليجية التي غطاها اللون الاحمر بشكل لافت خلال جلسات التداول الاخيرة، ويبدو أن بورصة الكويت دخلت على خط التراجعات الحادة منذ عودتها للتداول في اعقاب عطلة الاعياد الوطنية، حيث فقد السوق على مدار الجلستين 323 نقطة. وعند الحديث عن اسباب التراجعات الحادة للبورصة الكويتية، فإنه لا يمكن اغفال العوامل الداخلية التي تضافرت مع العوامل الخارجية وادت الى تعزيز هذا التوجه وأبرزها على الاطلاق فشل صفقة «زين ـ اتصالات»، اذ أن فشل الصفقة يعد من العوامل التي ساهمت في تفاقم الوضع الراهن في السوق المحلية، حيث أن هذه الصفقة تحديدا طالما عول عليها السوق كثيرا للانطلاق نحو مستويات قياسية، لكن مع اسدال الستار على الصفقة المليارية سادت حالة نفسية سلبية بين جموع المتداولين مما ساهم في اتجاه السوق نحو هذا التراجع القسري. «الأنباء» استطلعت آراء عدد من الفعاليات الاقتصادية حول اسباب التراجعات الحالية للبورصة الكويتية وكذلك ما هي الآليات او التدابير التي يجب اتخاذها لوقف نزيف الخسائر، حيث اجمعوا على أن الاوضاع السياسية الراهنة تأتي في مقدمة الاسباب يليها فشل صفقة زين،
وفيما يلي التفاصيل:
في البداية، قال رئيس مجلس الادارة والعضو المنتدب في مجموعة الأوراق المالية علي الموسى أن انخفاض البورصة وانحدارها أمس وأول من أمس لمستويات متدنية هو نتيجة مباشرة للاضطرابات السياسية في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام وتأثير هذه الأحداث على نفسية المتداولين في البورصة، مبينا أن الكويت لها العديد من الاستثمارات الخارجية الكبيرة للغاية في العديد من الدول العربية والاحداث المضطربة تؤثر على السوق والمتداولين.
واستبعد الموسى أن يكون فشل صفقة «زين ـ اتصالات» السبب في هذا التراجع الحاد، مشيرا الى أن فشل الصفقة عاد بالسلب على سهم زين والأسهم المرتبطة بها، مبينا أن الانخفاض الذي شهده السوق أمس شامل لجميع قطاعات السوق.
وزاد الموسى قائلا «أسواق المنطقة فيها انخفاضات حادة وهذا أمر طبيعي نتيجة الاحتقان السياسي وعلينا أن نتماسك في وجه هذه الانخفاضات لاسيما وان السوق مر بأصعب من ذلك خلال فترة الازمة المالية العالمية، لذلك ينبغي أن نتماسك ولا ندع حالة الهلع تؤثر على نفسية المتداولين».
وعن الدعوات التي نادى بها بعض الاقتصاديين عن ضرورة التدخل الحكومي لانقاذ البورصة من الانخفاضات، اوضح الموسى انه لا ينبغي أن نتحدث عن هذا الأمر، متسائلا: هل يعقل أن تشتري الحكومة جميع قطاعات السوق لانتشاله من الركود؟ هذه فترة استثنائية وينبغي أن يصمد السوق فيها لأنها خارجة عن إرادة الكويت.
وشدد على أن البورصة لن تتعافى بسرعة من هذه الانخفاضات، لاسيما ان المستثمرين يأخذون ردود فعل سريعة وعنيفة في عمليات بيع عشوائية، متوقعا أن يستمر هذا الوضع كثيرا في ظل الاضطرابات السياسية والاحتجاجات الشعبية في المنطقة.
«زين ـ اتصالات»
من جانبه، عزا نائب رئيس مجلس الادارة والعضو المنتدب في شركة الاستشارات المالية الدولية (ايفا) صالح السلمي الهبوط الحاد الذي شهده سوق الكويت للاوراق المالية الى الاوضاع والاضطرابات السياسية الجارية في الشرق الاوسط، لاسيما منطقة الخليج.
وقال السلمي ان هناك كثيرا من العوامل التي تأثر بها السوق، منها التصريحات الخاصة بصعوبة اتمام صفقة «زين ـ اتصالات» والتي انتظرها الكثيرون، حيث كان من المتوقع ان تحدث رواجا وانتعاشا لدى كثير من الشركات والمؤسسات والمحافظ، لافتا الى ان هذا الامر أثر سلبا على عمليات التداول.
واكد ان الفترة الراهنة لم تشهد اي محفزات يمكن من خلالها ان يتفاعل السوق معها ايجابيا.
وأكد على ان الفترة الراهنة لم تشهد اي محفزات يمكن من خلالها ان يتفاعل السوق معها ايجابيا.
وعن التوقعات باستمرار هبوط السوق قال السلمي «اذا كانت الاضطرابات السياسة في المنطقة هي السبب الرئيسي في الهبوط، فانه من البديهي ان زوال هذه الأسباب سيحد كثيرا من عمليات النزول».
ضعف الصمود
أما رئيس مجلس ادارة شركة هيرمس ـ ايفا للوساطة المالية خالد الصالح فقال ان هبوط مؤشرات الأسواق الخليجية وفشل صفقة زين وازدياد التوتر السياسي في البلاد العربية جميعها عوامل سلبية كان لها أثر سلبي بالغ على المتداولين مما دفعهم إلى إجراء المزيد من عمليات البيع، مبينا أن السوق مازال يفتقد القدرة على الصمود امام اي ازمة قد تحدث سواء بالداخل او الخارج على الرغم من تغيير العاملين فيه.
ورأى أن أسباب المعالجة تتمحور في التدخل الحكومي السريع من خلال ضخ اموال جديدة عبر المحافظ والصناديق المالية أو بإصدار قرارات اقتصادية من شأنها دعم السوق، لافتا إلى أن إعلانات الشركات عن السنة المالية 2010 قد تزيد من الأوضاع الحالية نظرا للخسائر المتوقعة لبعضها وتراجع أرباحها مقارنة بالأعوام الماضية، في إشارة منه إلى أن السوق يحتاج إلى أخبار إيجابية من العقود والصفقات لمعاودة الصعود بشكل تأسيسي مرة أخرى.
من جهته، اوضح رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب في شركة أبيار للتطوير العقاري مرزوق الرشدان ان النزول الحاد الذي يشهده السوق حاليا نتيجة للاضطرابات السياسة الحادثة في المنطقة.
وأكد على ان استجابة مؤشر السوق للهبوط امس لأكثر من 163 نقطة مبالغ فيه، حيث لم يشهد السوق نزولا بهذه الحدة منذ الازمة المالية العالمية.
وأشار الى ان أسواق المنطقة قد تفاعلت مع الأوضاع السياسية، لكن ليس بنفس الدرجة والحدة التي تفاعل معها السوق الكويتي، مشيرا الى ان هذه الأسواق سرعان ما صححت من أوضاعها ولم تستمر في تفاعلها مع الهبوط مثلما كان الحال بالنسبة للسوق الكويتي.
وعن دخول المحفظة الوطنية وإمكانية دعمها للسوق، قال الرشدان «ان كل دول العالم تتدخل لحماية أسواقها المالية عندما تتعرض لهبوط حاد مثلما يحدث في الكويت، الا اننا لم نر أي تدخل يذكر من جانب الحكومة لدعم السوق او من جانب المحفظة الوطنية».
التلويح بالتدخل العسكري
فيما قال المستشار في شركة بيت الأوراق المالية محمد الثامر ان الأسباب السياسية ألقت بظلالها الثقيلة على جميع الأسواق الخليجية والعالمية على حد سواء، مشيرا الى أن التلويح بالتدخل العسكري في ليبيا يعد من اخطر الامور التي شهدتها الساحة السياسية العربية في الآونة الأخيرة، مؤكدا أن الحديث عن تحرك قوات اجنبية لإقصاء النظام الليبي سيؤزم من أوضاع جميع البورصات العربية دون استثناء.
وأضاف الثامر أن هناك عاملا آخر مساعدا يضاف الى الأحداث السياسية فيما يتعلق بالأوضاع في الكويت وهو تعثر صفقة زين، مؤكدا أن هذا الأمر ألقى بظلال نفسية على المتداولين بشكل كبير، كما أن كسر المؤشر للقاع الذي وصلت اليه البورصة الكويتية إبان الأزمة وهو 6300 نقطة أدى الى مزيد من السقوط نظرا لتخوف المستثمرين الى حد دفعهم الى البيع العشوائي بشكل جماعي.
وذكر أن الأوضاع الراهنة تنذر بوضع صعب بالنسبة للشركات الكويتية مع اقفالات الربع الأول من العام الحالي خاصة اذا ما قورن مع ذات الفترة من 2010، مشيرا الى أنه في حال عدم ظهور عوامل ايجابية خلال المرحلة المقبلة فإن الأوضاع قد تستمر على المنوال الحالي، معربا عن أمله في أن تشهد الفترة المقبلة تحسنا ملموسا على المستوى السياسي في المنطقة لتعود مؤشرات أسواق المنطقة في التعافي او التماسك على اقل تقدير.
المستثمر طويل الأجل
من جانبه، قال رئيس مجلس ادارة شركة الاستثمارات الصناعية د.طالب احمد علي أنه لا يمكن في أي حال من الأحوال أن نغفل تأثير ما يحدث من تطورات على الساحة السياسية في كثير من دول المنطقة منذ هبوب عاصفة التغيير عليها، لافتا الى أن عدم وضوح الرؤية بالنسبة للمستقبل القصير للأسواق المالية العربية والخليجية يدفع كثيرا من المتداولين للتخلص من أسهم مملوكة خشية من حدوث مزيد من انخفاض قيم هذه الأسهم في حال ساءت الأوضاع أكثر مما هي عليه.
ولفت الى أن المستثمر طويل الأجل سيكون هو المستفيد من الاوضاع الراهنة في سوق الكويت المالي خاصة ان الاسعار الآن باتت مشجعة الى حد كبير بعد الهبوط القسري الذي شهدته البورصة الكويتية على مدار اليومين الماضيين.
واوضح أن هناك مستثمرين استراتيجيين يرون أن الاوضاع الراهنة لن تدوم اكثر من اسابيع، وبالتالي فإن الفرصة سانحة الآن للشراء الانتقائي سواء للأسهم القيادية او الرخيصة المضاربية.
وتطرق الى الآليات التي يجب وضعها من قبل ادارة السوق لوقف النزيف قائلا ان ادارة السوق ليس في مقدورها اتخاذ قرارات إلا في اطار القانون المعمول به، لافتا الى أن ضبط ايقاع السوق واعادة التوازن اليه مجددا قد يكون من قبل المحافظ والصناديق التي تمتلك فيها الدولة ومنها المحفظة الوطنية، لافتا الى انه من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تدخلا محسوبا لهذه المحفظة على اعتبار انها مستثمر في السوق ترغب في الربح وليس في الشراء من اجل الشراء.
وحول تأثير صفقة زين قال ان السوق كان مستعدا للاعلان عن فشل الصفقة وبالتالي فإن السوق امتص التأثير السلبي للصفقة قبل عدة جلسات، مشيرا الى أن السوق قد يشهد تحسنا نسبيا في جلسة اليوم من خلال تراجع حجم الخسائر بعد موجة البيع القوية التي شهدتها البورصة في الجلستين الاخيرتين.
أجواء ملتهبة
من جهته قال نائب الرئيس التنفيذي لادارة الأصول في شركة كاب كورب للاستثمار الكويتية فوزي الشايع أن الاجواء السياسية الملتهبة في المنطقة العربية تعتبر العنصر الاساسي الضاغط على سوق الكويت للاوراق المالية، لافتا الى أن تأثير تداعيات هذه الاحداث ادى الى التراجعات بهذه المعدلات العالية في الجلستين الاخيرتين.
واضاف الشايع أنه لا توجد عوامل داخلية مؤثرة على السوق المحلي، لافتا الى أن فشل صفقة زين يعتبر عنصر سلبي ايضا ولكنه قد يكون ذا تأثير محدود نظرا لكثرة التكهنات التي اثيرت في الآونة الاخيرة والتي كان مفادها أن الصفقة في طريقها للفشل وبالتالي كان هناك استعدادات لتقبل الخبر الرسمي الذي اعلن رسميا أول من امس.
ولفت الشايع الى أنه لا توجد آليات يمكن اتباعها من قبل الجهات القائمة على ادارة البورصة لوقف النزيف الحاد التي تشهده البورصة الكويتية، مشيرا الى أن السوق الكويتي للاوراق المالية سوق حر وبالتالي لا يمكن اتخاذ خطوة كالإيقاف على سبيل المثال او الغاء التداول.
وتوقع أن تشهد جلسة اليوم (الخميس) هدوءا الى حد كبير نظرا لأن من قام بالبيع قد تخلص فعليا من اغلب اسهمه التي يتخوف من تراجعها بشكل كبير، لافتا الى أن جلسة اليوم قد تجنح للهدوء النسبي المشوب بالحذر مع عمليات شراء انتقائية نظرا لتوافر العديد من الفرص المغرية نظرا للتراجعات الكبيرة في اسعار كثير من الاسهم، مبينا أن عمليات الشراء المؤسسي لن تكون قاصرة على المحافظ والصناديق بل ستمتد لتشمل افراد ايضا.
الحالة النفسية
من جانبه أكد المحلل المالي والخبير الاقتصادي نايف العنزي أن انخفاض مؤشرات السوق يعبر عن الحالة التي يعيشها السوق حاليا من انحسار السيولة وغياب المبادرات من المجاميع الاستثمارية وأيضا لحالة تراجع الأسواق الخليجية إلى جانب سوء الأوضاع السياسية في الدول العربية التي مازالت تشهد حالة من عدم الاستقرار وسط توقعات بأن تصل إلى العديد من الدول سواء الخليجية او العربية خلال الأيام المقبلة.
وقال العنزي يجب ان نضع في اعتبارنا الحالة النفسية للمتداولين الذين يتأثرون بما يشاع من أخبار ومن تحليلات سياسية تؤثر على قراراتهم في الاستثمار خاصة وان السوق الكويتي مازال هشا، وأما عن آليات المعالجة فقد أشار الى ضرورة اتخاذ قرارات حكومية سريعة تتمثل في ضخ أموال حكومية او بتدخل الهيئة العامة للاستثمار من خلال مساهماتها في عدد من الصناديق الاستثمارية لكبح جماح انهيار المؤشر السعري الذي بات يفقد المئات من النقاط يوميا.
وأضاف أن غياب الإعلانات الرسمية أو شبه الرسمية خلال الايام الماضية عن نية ضخ أموال تعيد للسوق توازنه المفقود سيزيد ذلك الأمر من تكبد المتداولين المزيد من الخسائر خلال الفترة المقبلة.
وعن مستقبل السوق قال ان هذا الانخفاض في الاسعار ووجود شركات قليلة حققت أرباحا مميزة واخرى متراجعة فضلا عن انخفاض مضاعف السعر الى الربحية للسوق واستمرار تدهور الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط سيفاقم الخسائر السوقية على مستوى الأسواق الخليجية والعربية.
من جانبه قال المدير العام لشركة الاتحاد للوساطة المالية فهد الشريعان ان لهبوط مؤشرات السوق مؤثرات خارجية وداخلية، أما الخارجية فهي ظلال الأوضاع السياسية المتدهورة في الشرق الأوسط وتأثر جميع الأسواق الخليجية بذلك الأمر مما جعلها تسجل خسائر بالغة خلال اليومين الماضيين، وعن المؤثرات الداخلية أشار إلى فشل صفقة زين التي ساهمت في تراجع المؤشرات العامة للسوق.
وتوقع الشريعان أن تستمر البورصة في تراجع مؤشراتها مع استمرار تدهور الأوضاع السياسية في البلاد العربية وتأثر الأسواق الخليجية بها، مشددا على ضرورة التدخل الحكومي بأي شكل حتى تستطيع البورصة الصمود امام العوامل السلبية التي تؤثر عليها بشكل يومي.