-
السعدون: هناك من يحاول القفز على عناوين التنمية ويريد نسبتها لنفسه
أحمد يوسف
قال وزير المالية الأسبق بدر الحميضي ان الموازنة العامة في الكويت قد حققت زيادة كبيرة وتضاعفت عدة مرات منذ عام 1938 والتي كانت نحو 250 ألف دينار إلى الان والتي تبلغ نحو 19 مليار دينار.
وحمل الحميضي بندي الأجور والدعم مسؤولية تضخم الموازنة العامة للدولة، مؤكدا على أن بند الأجور بالأبواب الملحقة به يصل إلى 7.5 مليارات دينار ولو زدنا عليه قيمة الدعم فسيصل مجموع البندين في الموازنة العامة للدولة ما قيمته أكثر من 70% من الموازنة بينما نسبة ما يتم رصده للعملية التنموية ومشاريعها ما قيمته 14% فقط من الميزانية وذلك شيء يدعو إلى القلق بالطبع.
جاء ذلك أول من أمس خلال استضافة الصالون الإعلامي لندوة بعنوان «استشراف المستقبل الاقتصادي للكويت» والذي تحدث فيها أيضا رئيس مجلس إدارة شركة الشال لاستشارات جاسم السعدون، وبحضور نخبة من رجال الأعمال والمهتمين بالشأن الاقتصادي في الكويت والإعلاميين.
وأشار الحميضي إلى أنه لو استمرت الأوضاع بهذا الشكل وبهذه الزيادة المطردة في زيادات الرواتب فإنه من المتوقع أن يصل بند الرواتب في عام 2025 إلى 25 مليار دينار الأمر الذي يسبب إرهاقا كبيرا لموازنة الدولة.
وتساءل الحميضي: هل يعلم أعضاء مجلس الأمة وأعضاء الحكومة ما تبعات ذلك وما يترتب عليه؟
وأضاف أن القضية الأساسية هي المستقبل، اننا نعتمد على عنصر واحد للدخل يمثل ما قيمته 94% من إجمالي موارد الدخل القومي في الكويت وهو النفط، مشيرا إلى أن النفط عنصر ناضب وما يحدث الآن من ارتفاع للأسعار مرده في الحقيقة إلى القلق وليس زيادة الطلب على النفط.
القطاع الخاص
وأشار إلى أن هناك تحديا آخر يؤثر على الاقتصاد الكويتي بشكل مباشر وهو مسألة القطاع الخاص ودوره في تقوية الاقتصاد الكويتي وتحسين أدائه، مؤكدا على أن هناك عزوفا من المواطنين الكويتيين عن العمل في القطاع الخاص بسبب تحجيم دور القطاع الخاص والمزايا المبالغ فيها في القطاع الحكومي، وبالتالي فان السؤال الذي يطرح نفسه الآن: إلى أين نحن ذاهبون؟
وفند الحميضي عددا من التحديات التي وصفها بالكبرى تواجه الاقتصاد الكويتي والتي حصرها في الاعتماد الكلي على النفط كمصدر للدخل، الحاجة لخلق فرص العمل تفاديا للمشاكل الاجتماعية الناتجة عن البطالة، وكذلك معالجة التضخم الحاصل في الميزانية بسبب الرواتب والدعم الحكومي، مؤكدا في نفس الوقت على ضرورة مواجهة الفساد ومحاربته وما يسببه من أذى بالغ للاقتصاد القومي الكويتي.
من جانبه، تناول رئيس مجلس إدارة شركة الشال للاستشارات جاسم السعدون الوضع الاقتصادي الكويتي من زاوية ما تشهده المنطقة العربية من ثورات وفوران سياسي، مؤكدا على أن ما يحدث الآن في العالم العربي هو حدث جلل سيكون له تأثيره المباشر على الكويت وعلى دول الخليج بصفة عامة، وأن التعامل مع هذه الأحداث يستلزم قرارات إستراتيجية سليمة وسريعة.
وضع كوريا
واستشهد السعدون بوضع كوريا في الستينيات والذي كان في نفس مرتبة مصر ولكن الآن كوريا تقدمت وظلت مصر في مكانها لا تتحرك بل رجعت إلى الوراء، وأرجع ذلك إلى ما أسماه «التحول الإرادي من دول أرادت أن تكون لها مكانة مرموقة بين الدول المتقدمة».
وقال: «ان المنطقة العربية في حقيقتها مشروع حكم وليس مشروع دولة، ومشروع الحكم بالضرورة يستلزم وجود بيئة من الفساد تحيط به وتدافع عنه كظاهرة تصاحب التأسيس لمشروع الحكم على حساب مشروع الدولة، والآن فالمنطقة العربية متجهة نحو تحقيق مشروع الدولة».
وأكد على أن عملية التنمية تتناقض مع مشروع الحكم، بل تستلزم تحقيق مشروع الدولة والتداول السلمي للسلطة لأن التنمية ومشاريعها تحتاج إلى دولة مؤسسات واستقرار، ودولة لا تنهار بزوال السلطة ولكنها تبقى ببقاء مؤسساتها.
وأشار إلى أن التحديات في الكويت تكمن في مشكلة إدارة وأن مجلس الوزراء الحالي لا يستطيع أن يعطينا ذلك ولا يستطيع أيضا أن ينتقل بالدولة من مشروع الحكم إلى مشروع الدولة مع تأصيل قيم المواطنة.
وفيما يتصل بعملية التنمية في الكويت، قال السعدون: «ان هناك من يريد أن يقفز على عناوين مشاريع التنمية محاولا أن ينسب لنفسه هذه العناوين دون تحقيق شيء ملموس على الأرض يستفيد منه المجتمع والاقتصاد على حد سواء».
وأكد أن خطة التنمية لابد أن تسير في اتجاهين متعاقبين كي تتمكن من تحقيق أهدافها، الأول هو معالجة الآثار السلبية في المحاولات التنموية السابقة، والثاني هو العمل على تحقيق عدة مكاسب حقيقة وهي مساهمة القطاع الخاص في العملية الاقتصادية بشكل مباشر وفعال، وإيجاد فرص عمل حقيقية لأن القطاع الحكومي يخلق ما يعرف بالبطالة المقنعة التي يعاني منها الاقتصاد، مع العمل على فرض ضرائب تصاعدية على القطاع الخاص من أجل المساهمة في موارد الدولة.
السخاء الحكومي
وعلق الحميضي على ما أسماه بالسخاء الحكومي والبرلماني بأنه من الممكن أن يتسبب في أننا نسمع من يقول يوما «الشعب يريد إسقاط القروض» وساعتها ستكون هنالك كارثة اجتماعية وسياسية في نفس الوقت، مضيفا أن قضية إسقاط القروض هذه لا أصل لها من الأساس سوى أنها مجرد دعاية انتخابية مارسها البعض وتشبث بها بعض الناس.
وتطرق السعدون إلى ما أطلق عليه مشروع «مارشال العرب» وهو – على حد وصفه – مشروع على غرار ما تم العمل به تجاه أوروبا عقب خروجها من الحرب العالمية الثانية، مشيرا إلى أنه عندما تم العمل بهذا المشروع الذي كان يهدف إلى المساهمة في المشاركة في البنية التحتية وإنعاش الاقتصاد كانت أوروبا وقتها خارجة من حرب مدمرة أما الوضع العربي الآن فليس كذلك، وهي ثورات تصحيح وتطهير من الفساد الذي أثر بالسلب على اقتصاد هذه الدول، مع العلم أن هذه الدول تمتلك الموارد وتحصل كذلك على مساعدات من البنك الدولي وكذلك تحظى باستثمارات خارجية واسعة.
المستقبل الاقتصادي
وقد شهدت الندوة عددا من المداخلات كانت في مجملها محاولة لاستشراف القادم، حيث اعتبر المؤرخ فرحان الفرحان أن ما تحدث به الضيفان يعد ناقوس خطر يدق من أجل المستقبل ومن أجل أن نفكر لمستقبل الكويت الاقتصادي بشكل أكثر واقعية، مشيرا إلى أنه هناك من الرؤساء ورؤساء الوزارات والوزراء من مات ولم يجد مالا ليدفن.
من ناحيتها علقت المحامية والناشطة السياسية نجلاء النقي على ما يشهده الواقع الاقتصادي الكويتي والمشهد بصفة عامة على الفساد، معتبرة أن سبب العرقلة هو وجود الفساد، وأن الفساد يتعارض دائما وأبدا مع عملية التطوير والتنمية، مؤكدة على ضرورة العمل على تطوير مؤسسات الدولة بدلا من تقديم الاستقالات.
وأكدت عدم موافقتها على إسقاط القروض، لكنها أشارت إلى أن الفوائد هي الطامة الكبرى والتي يجب أن تتم معالجتها.
أما الكاتب الصحافي أحمد المليفي فقد أشار إلى أنه رغم كل ما يحدث ورغم هذا الزخم السياسي الذي تشهده الكويت بين فترة وأخرى إلا أن الحكومة مازالت تسير في نفس الاتجاه وعلى نفس الدرب غير عابئة بما يجري ولا بالمستقبل، كما أشار إلى أهمية القطاع الخاص مستغربا من ان هذا القطاع بالرغم من أهميته في دفع عجلة الاقتصاد لا يبحث إلا عن المصلحة فقط.
وفي تعليقه على ما سبق من مداخلات، أشار الحميضي إلى أن مسألة الفوائد ليست البنوك هي من تتحكم فيها ولا البنك المركزي كذلك لأن الفائدة مرتبطة بسعر الدولار وبالنظام المالي العالمي. أما فيما يتصل بالقطاع الخاص فقد أكد على أن القطاع الخاص الكويتي من أنشط القطاعات في عموم الدول التي يستثمر فيها عربيا وأجنبيا وله العديد من المساهمات والأنشطة التأسيسية في الكويت قبل الاستقلال وبعده، مشيرا إلى أن هناك من يعمل على سن القوانين التي تعطل عمل القطاع الخاص في الكويت وتضيق الخناق عليه لصالح البعض.
مشروع الدولة
أما السعدون فقد أكد على ضرورة تقديم الأداء على الولاء وأن هذا هو الذي يجعل الأمور كلها بخير وتسير في الاتجاه الصحيح مشيرا إلى أن هذه المسألة مرتبطة بما أسماه مشروع الدولة، مؤكدا على أنه هناك الكثير من الدول التي قدمت الأداء على الولاء وبالتالي تقدمت سريعا واستطاعت أن تحقق نموا اقتصاديا كبيرا جعلها في مصاف الدول المتقدمة، رافضا عدم تصنيف الناس تحت مسميات معينة ولكن يجب أن يكون الاحتكام والمعيار هو الأداء والكفاءة في الإدارة فقط. وان هناك ثلاث مدارس اقتصادية، الأولى مدرسة تؤمن بالقطاع العام وحده، والأخرى تؤمن بالقطاع الخاص وحده، والثالثة تؤمن بضرورة المزج بين القطاعين وهذه الأخيرة هي الأنجح والأقوى والأكثر استمرارية.
كما أشار إلى أن الموازنة العامة للكويت يمولها النفط بنسبة 94% وذلك يعكس خلالا أكيدا، فينبغي الاعتماد على موارد أخرى كالضريبة التصاعدية على القطاع الخاص مثلا، وذلك بالضرورة يستلزم وجود قطاع خاص ناشط يستطيع أن يساهم في الميزانية العامة للدولة.
أما رئيس مجلس ادارة شركة الملا للصرافة عبدالله نجيب الملا فقد أكد في مداخلته على أنه لا يمكن لأحد أن ينكر دور القطاع الخاص في الكويت وفي أي مجتمع، مضيفا بأن القطاع الخاص دائما يحاول استقطاب العمالة الكويتية ولكنه لا يستطيع ذلك بسبب عدم قدرته على أن يجاري المميزات الأخرى التي يقدمها القطاع الحكومي للمواطن الكويتي، إضافة إلى أن الكويتي عموما لا يقبل بأي وظائف وهذه مشكلة أخرى، فدائما ما يفضلون الوظائف الإدارية غير الحرفية وغير الفنية وهذه مشكلة أخرى يقابلها القطاع الخاص في توظيف العمالة الكويتية، وكذلك هيمنة الحكومة على الاقتصاد وهذا أمر سلبي جدا على القطاع الخاص.
الفساد في المجتمع
من جانبه أكد الإعلامي قيس الشطي في مداخلته على أنه لا يجب الحديث عن الفساد بمعزل عن الممارسات العادية التي تحدث بين الناس على مستويات أقل، مشيرا الى أن عدم احترام قوانين المرور مثلا هو فساد، والواسطة فساد وغيرها من الأمور والممارسات على المستويات الصغرى قبل الكبرى، كما تطرق إلى مسألة تكافؤ الفرص في العمل والتوظيف معتبرها من أهم العناصر التي تساهم في تطور الدولة أو تخلفها وأنه يجب العمل على خلق شعب مبادر وخلاق يستطيع أن يساهم ويشارك في التنمية بشكل مباشر. كذلك أكد على أهمية التعليم معتبرها قضية جوهرية تتطلب إصلاحا شاملا حتى تتناسب مخرجات التعليم مع احتياجات السوق. وأيضا أشار الى الحكومة وطريقة تعاملها مع عملية التنمية قائلا «عقلية الحكومة لا تتناسب مع أهداف التنمية لأنها تتعامل على أساس أنها تمتلك كل شيء وذلك أمر يؤثر سلبا على الاقتصاد ويضر بعملية التنمية وبالخطط المستقبلية».
كما تساءلت الإعلامية نظيرة العوضي عن مستقبل الكويت بعد عام 2025؟
واختتمت المداخلات بمداخلة اعتبر من خلالها الإعلامي عبدالله زمان أن أساس المشكلة يكمن بالدرجة الأولى في مستوي الثقافة ووعي الفرد، وافتقاد المثل الأعلى، مؤكدا على ضرورة إعادة النظر في قضية ثقافة الفرد والمجتمع.
أبو العيون: العامل البشري أساس التنمية
أشار الرئيس التنفيذي لبنك الكويت الدولي ومحافظ البنك المركزي المصري الأسبق د.محمود أبوالعيون بمداخلة لفت فيها إلى أن العامل البشري هو الأرضية المشتركة في أي عمل تنموي، وإذا لم ينتبه الاقتصاد أو القائمون عليه إلى ذلك فسوف يكون الأمر أمرا سلبيا جدا وسطحيا كذلك، فالبشر هم الأصول الذين ينبغي أن تعود التنمية عليهم بالنفع المباشر، فهل استهدفت الخطة التنموية في الكويت العامل البشري من حيث استيعاب طلب السوق على العمالة؟ مضيفا أن ذلك معيار نجاح أي خطة تنموية ومبتغاها، وفي الكويت ما نسبته 50% تحت العشرين فأين وظائف هؤلاء وهل هم مدرجون في حسابات الخطة؟
وأشار إلى نقطة أخرى وهي ضرورة ارتباط نتائج التنمية بالعدالة الاجتماعية، وأن ما حدث في مصر دليل على ذلك حيث كان هناك نمو اقتصادي ترتب عليه ثروات وفجوات، مشيرا إلى أن هذا الأمر يعد مصدرا من مصادر القلق الاجتماعي الذي يؤثر على الدولة ككل وليس على الاقتصاد فقط. كما أشار إلى مصطلح الفساد مؤكدا على أن هناك شقين له وهما عملية الفساد والمفسد، فهما طرفان لعملية الفساد والمسالة في كيفية القضاء على تلك العلاقة بين الفساد والمفسد حتى نصل إلى عدالة في توزيع الثروة وخلق فرص عمل حقيقية، فتحسين مستوى البشر يساعد على تحقيق العدالة الاجتماعية والارتقاء بمستوى الأداء.
وأشار أبو العيون إلى ما أسماه بعملية التكامل الاقتصادي بين الدول العربية، حيث أشار إلى مبادرة صاحب السمو الأمير في القمة الاقتصادية العربية الأخيرة التي استضافتها الكويت ولكنها – حسب قوله - ضاعت في دهاليز الجامعة العربية.