رشيد سنو
قال خبراء الاقتصاد ان الاقتصاد اللبناني عانى على مر السنين الماضية، ولايزال، من أوضاع صعبة تتمثل في التحولات المختلفة التي أضعفته وأفقدته القدرة التنافسية.
وأكدوا أن هناك تعقيدات وتشنجات في الوضع الاقتصادي تجب مجابهتها كلها باجراء الترابط بين الأوجه المختلفة للأزمات المتعددة مع الأخذ بعين الاعتبار ان التحديات كبيرة ولا بد من استنفار القدرات اللبنانية في عملية الاصلاح الاقتصادي.
وذكروا أن لبنان على مدى ربع القرن الأخير عندما دخل في حالة عدم الاستقرار في بداية السبعينيات، انعزل تدريجيا عن التطورات العالمية ثم دخل في سنوات مرة من الحرب، توقفت فيها الادارات العامة، فيما قام القطاع الخاص بجهود خلال الحرب للاستمرار على قيد الحياة والحفاظ على المؤسسات الانتاجية.
وقالوا ان لبنان اليوم في مرحلة انتقالية بين اقتصاديات الحرب واقتصاديات الاعمار، وفي مرحلة انتقالية لا يمكن الغاء كل ما حصل خلال السنوات الماضية من معوقات تنموية وانحرافات بنيوية في الاقتصاد اللبناني، وكان لها وطأة كبيرة على الاقتصاد وعلى التصرفات الاقتصادية والمالية.
لا شك في ان الأزمة المالية جزء من الأزمة الاقتصادية لأن ما حصل من تخمة مالية في البلاد سواء في المالية العامة أو في المالية الخاصة، عاق النمو الاقتصادي، فحجم الاقتصاد اللبناني انتفخ خلال السنوات الماضية، ما يؤكد ان الأزمة المالية العامة تعوق التنمية الاقتصادية وتعرقل العودة الى معدلات نمو مرتفعة.
ويتوقف الخبراء الاقتصاديون عند عوامل لم تعط الأهمية الكافية بالنسبة الى الوضع اللبناني أهمها: اقتصاد ما بعد الحرب، حيث ان لبنان تحمل حالات حربية مدمرة، ولكن لم ينظر عقب انتهاء الحرب المتعددة الى تجارب وممارسات الدول الأخرى التي عانت من حروب في معالجة مخلفات الحروب الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وتكمن في هذا المجال وسيلتان لمعالجة وضع الاقتصاديات الخارجة من الحروب، مكافحة التضخم عبر وسائل الضريبة او اجراء اصلاح نقدي، والمسح الشامل الفوري للأضرار ووضع آليات عادلة للتعويض عن الأضرار.
كما أن المعالجة بالصدمة عبر التعديل البنيوي كما يرتئيه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لكل الدول المدينة او التي أوقعت نفسها في حالة مديونية مفرطة والتي خفت الانتاجية فيها وفقدت القدرة الكافية على التصدير لتحقيق التوازن في حساباتها الخارجية، ومن أبرز هذه المعالجات خفض العملة، وزيادة حادة للضرائب والغاء الحمايات الجمركية وتجميد الأجور في القطاع العام، وقد تجنبت الحكومات المتعاقبة مثل هذه المعالجات باعتبارها سيئة وتقع وطأتها على الفئات الاجتماعية الضعيفة.
وأضافوا أن اقتصاد العولمة وتأثيرها على لبنان يعمل على ازالة كل الحمايات أمام التدفقات في الخدمات والسلع وحركة الرساميل، ان لبنان سيخضع للعولمة لأن اقتصاده مفتوح، والقضية هنا ليست سياسة حكومة بل هذه ظاهرة عالمية، ان لبنان أضعف من ان يصمد لأنه يعاني أزمة المديونية، ومايزال في طور الخروج من الحروب والتهميش، واقتصاده غير مترابط حيث تفكك خلال الحرب وبفعل السياسات الاقتصادية والمالية المتبعة.
وأشاروا إلى أن مقارنة الوضع او البيئة الاقتصادية الحالية بما كانت عليه قبل الحرب تظهر ان الاقتصاد مفكك بدليل وجود قطاعات مهمشة مثل الزراعة وحتى القطاع الصناعي - نظام ضريبي غير فاعل وغير عادل يرخي بثقله على القطاعات الانتاجية - ادارة مترهلة أمام التطورات العالمية رغم الجهود التي بذلت والدراسات التي وضعت والهبات من الدول الاوروبية لاجراء الاصلاح الاداري.
ويرى الخبراء الاقتصاديون أمام هذا الوضع ان منهج المعالجة يجب ان يكون متعدد الطرق، ومترابطا مع الهدف الأساسي والجوهري المتمثل في التصحيح المالي، باعتبار ان الأزمة المالية هي جزء أساسي من أزمة الاقتصاد وأزمة الانتاجية والقدرة التنافسية، فمن دون معالجة الخلل المالي الذي يصيب البلاد بشكل عام لا تمكن العودة الى حالة انتاجية ومن ثم الى معدلات نمو عالية.
كما أنه لا مفر من وجود مؤسسات صناعية وزراعية وخدماتية لها قدرة المنافسة على الصعيدين الاقليمي والدولي، كما لا يمكن ان يبقى القطاع الخاص متمتعا ببعض الامتيازات التي تقدمها له الدولة، لأنه دون نهضة استثمارية كبيرة في القطاع الخاص لا يمكن تحقيق النهضة التنموية، كما ان المراهنة على ان الاستثمارات العربية والأجنبية يمكنها ان تنقذ الوضع في غياب الاستثمارات اللبنانية خاطئة، فهناك علاقة بين جلب الاستثمارات الخارجية الى لبنان وتحرك الرأسمال المحلي ومبادرته الى القيام بمشاريع استثمارية تشجع على مجيء هذه الاستثمارات.
وأخيرا فان القلق السائد لدى الاوساط الاقتصادية هو من المسار الذي ستسلكه البلاد واقتصادها في المرحلة المقبلة في ظل الانعكاسات المستمرة لواقع الانقسام السياسي على القطاعات الاقتصادية، بحيث تنعدم معه الفرص أمام لبنان لتحقيق نمو ايجابي هذا العام بعدما كانت التقديرات السابقة تراهن على تحقيق نمو يصل الى 3% بما يعيد الناتج الاجمالي الى مستواه ويعوض التراجع المسجل خلال العامين الأخيرين.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )