قال تقرير متخصص صادر عن شركة مشاريع الكويت الاستثمارية لإدارة الأصول (كامكو) ان دول مجلس التعاون الخليجي حذت في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008، حذو الدول المتقدمة وبدأت تطبيق سلة من سياسات التحفيز الاقتصادي والإنفاق على المشاريع الإنمائية التي تهدف بالأساس إلى التخفيف من الآثار السلبية لانخفاض أسعار النفط حيث تعتبر إيرادات النفط والغاز العمود الفقري لاقتصاد تلك الدول.
وأشار التقرير الى انه بعد الأزمة المالية العالمية التي بدأت في سبتمبر من عام 2008 والتي كانت لها تداعيات سلبية على اقتصادات الدول المتقدمة والنامية حيث نتج عنها أزمة اقتصادية عميقة وتهاوٍ في أسعار الأصول، بدأت الدول المتطورة باتباع سياسات التحفيز الاقتصادي للتخفيف من تداعيات الأزمة والعودة باقتصاداتها إلى النمو الإيجابي.
وأوضح التقرير أن تلك السياسة ارتكزت على التوجه نحو الإنفاق على مشاريع البنى التحتية غير النفطية وزيادة الطاقة الإنتاجية للكهرباء والمياه، بالإضافة إلى تطوير القطاعات الحيوية التي تعتبر الأساس في التنمية الاقتصادية المستدامة مثل قطاعات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية.
وفي هذا السياق، لفت التقرير الى الخطة الخمسية للتنمية في المملكة العربية السعودية لعام 2009 والتي جاءت بقيمة 400 مليار دولار ومثلها في الكويت بقيمة 100 مليار دولار وكذلك في قطر والإمارات حيث رصدت المليارات للمشاريع الإنمائية والعمرانية.
ذكر التقرير أن زيادة حصة القطاع الخاص من النشاط الاقتصادي الإجمالي في دول الخليج والذي يعتمد اقتصادها على إيرادات النفط والقطاع العام، تعتبر الوسيلة الاقتصادية الوحيدة والناجحة لتحصين دعائم الاقتصاد من تقلبات أسعار النفط والرقي بالاقتصاد إلى مستويات جيدة من النمو الحقيقي والمستدام في المدى البعيد.
ولفت التقرير الى ما استنتجت مؤخرا دراسة احصائية لصندوق النقد الدولي عن مدى فاعلية سياسة التحفيز الاقتصادي في دول الخليج ومساهمتها في التقليل من الآثار السلبية لتذبذب اسعار النفط والواردات من السلع الاساسية، حيث تعتبر دول الخليج من اكثر الدول اعتمادا على اليد العاملة الأجنبية واستيراد السلع، استنتجت إلى اعتبار سياسات التحفيز الاقتصادي وزيادة الانفاق الرأسمالي على مشاريع التنمية الوسيلة المتاحة والناجحة لزيادة دور القطاع الخاص في الاقتصاد وذلك عن طريق إشراكه في تمويل وتنفيذ مشاريع البنى التحتية ورفع ثقة المستثمر والمستهلك في الوقت نفسه.
فعلى سبيل المثال، أشارت الدراسة إلى أن زيادة الإنفاق الحكومي في المملكة العربية السعودية بنسبة 15% قد ينتج عنه زيادة في الناتج المحلي غير النفطي بنسبة 2% في المدى القصير و5% خلال ثلاث سنوات في حال استمر الانفاق عند معدلاته التاريخية.
وبين التقرير أن النتائج الايجابية لأي زيادة في المصروفات الجارية (رواتب وغيرها) على النمو الاقتصادي تعتبر ضعيفة جدا مقارنة بالانفاق الرأسمالي المنتج الذي بدوره يستطيع دفع النمو الاقتصادي وهذا ما شهدته في المملكة العربية السعودية خلال مرحلة الازمة المالية حيث استطاعت من خلال التدخل في الوقت المناسب في دفع النمو في القطاع غير النفطي وذلك عن طريق الإنفاق الضخم على مشاريع البنى التحتية والخدمات الاجتماعية والصحية والتعليم.
وذكر التقرير انه في ظل اقتصاد خليجي يعتمد بالأساس على إيرادات النفط، تعتبر سياسة الانفاق الحكومي الوسيلة الاقتصادية المتاحة والفعالة للتقليل من تبعات انخفاض أسعار النفط وتنويع الاقتصاد ومصادر الدخل شرط أن تتوجه تلك السياسة نحو الإنفاق الرأسمالي على المشاريع المنتجة والتي تؤمن النمو والرخاء الاقتصادي على المدى البعيد.
وبلغ إجمالي إيرادات النفط للكويت خلال فترة الـ 11 سنة مالية الأخيرة (2000 ـ 2010) حوالي 130 مليار دينار (453 مليار دولار) بينما بلغت الإيرادات غير النفطية خلال الفترة نفسها فقط 10.4 مليارات دينار (36 مليار دولار) حيث شكلت إيرادات النفط معدل 93% م 1إجمالي الإيرادات خلال الفترة نفسها وهي النسبة الأعلى في دول الخليج، حيث بلغت تلك النسبة 87% في السعودية و78% في سلطنة عمان و77% في دولة الإمارات.
أما بالنسبة للمصروفات العامة للكويت خلال الفترة نفسها (2000-2010) فقد بلغت 91.9 مليار دينار (320 مليار دولار)، حيث بلغت المصروفات الجارية والتي تضمن المرتبات والمستلزمات السلعية والخدماتية والمصروفات المختلفة حوالي 82 مليار دينار (286 مليار دولار) أو ما يعادل 89% من المصروفات العامة، بينما بلغت حصة الإنفاق الرأسمالي فقط 9.7 مليار دينارات (33.8 مليار دولار) أو ما يعادل نحو 11% من إجمالي المصروفات العامة خلال الفترة (2000-2010).
ويتبين من تلك الأرقام بقاء هيكل الميزانية العامة للكويت على حاله خلال فترة الـ 11 سنة مالية الأخيرة، حيث لاتزال تشكل الإيرادات النفطية المصدر الرئيسي للإيرادات العامة وفي نفس الوقت يتوجه القسم الأكبر من تلك الإيرادات إلى الإنفاق الجاري وبقاء الإنفاق الرأسمالي عند مستويات متدنية لا تساهم في تحفيز النمو الاقتصادي والقطاع الخاص.
أما بالنسبة للفائض المالي، فقد حققت الميزانية العامة للكويت فائضا ماليا متراكما قبل احتساب حصة الـ 10% لاحتياطي الأجيال منذ السنة المالية 2000/2001 وحتى السنة المالية 2010/2011 حوالي 48.7 مليار دينار (169 مليار دولار) مما يشير إلى الوضع المالي الجيد للدولة وقدرتها على مضاعفة إنفاقها الرأسمالي وفي الوقت نفسه الحد من الزيادة في المصروفات الجارية (خاصة المرتبات) التي ارتفعت بنسبة 270% خلال فترة الـ 11 سنة مالية الأخيرة من 2.95 مليار دينار خلال السنة المالية 2000/2001 إلى 10.9 مليارات دينار خلال السنة المالية 2010/2011 (معدل نمو سنوي متراكم يساوي 14%) مما يشير إلى توجه حوالي 58% من إجمالي الإيرادات إلى دفع المصروفات الجارية خلال الفترة نفسها والذي بدوره يثقل الميزانية العامة بأعباء مالية ولا يؤسس لمرحلة من النمو الاقتصادي المستدام والمبني على الإنفاق على المشاريع الحيوية والبنى التحتية التي تعتبر قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، والإنفاق الرأسمالي (الاستثماري) للدولة يجب أن يكون باتجاه تطوير القطاع الخاص وبالتالي التأكد من فعاليته وقدرته على تحقيق العائد المرجو منه في تطوير وتنويع الاقتصاد.
وقد بلغ إجمالي إيرادات المملكة العربية السعودية خلال الـ 11 سنة الأخيرة حوالي 5.61 تريليونات ريال سعودي (1.5 تريليون دولار) حيث شكلت عائدات النفط حوالي 87% من الإيرادات أو ما يعادل 1.3 تريليون دولار1.
وقد بلغ إجمالي الفائض المتراكم في الميزانية العامة للمملكة خلال الفترة نفسها نحو 1.4 تريليون ريال سعودي (372 مليار دولار) مما يضعها في وضع مالي جيد تستطيع من خلاله تنفيذ خطة التحفيز الاقتصادي التي وضعتها في عام 2009.
ولاحظ التقرير خلال فترة الست سنوات الماضية 2005-2010 التوجه الجديد في السياسة الاقتصادية للمملكة حيث ارتفعت النفقات الرأسمالية من 62 مليار ريال للسنة المالية 2005 إلى نحو 200 مليار ريال خلال عام 2010، وهذا التوجه يأتي لدعم القطاع الخاص والقطاعات غير النفطية ولدعم النمو الاقتصادي، حيث ارتفع حجم القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي من 347 مليار ريال سعودي خلال عام 2005 إلى 481 مليار ريال سعودي خلال عام 2010 ليشكل نحو 30% من حجم الاقتصاد.
واستحوذت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات على حصة الأسد من تلك المشاريع بقيمة 664 مليار دولار للأولى و643 مليار دولار للثانية.
أما في الكويت فقد بلغت قيمة المشاريع نحو 157 مليار دولار متخلفة عن السعودية والإمارات وقطر وهي بمعظمها مشاريع قيد التخطيط وقد يتعذر تنفيذها.
وخلص التقرير الى أنه في ضوء تحليل خصائص اقتصادات دول الخليج، خصوصا فيما يتعلق بالميزانية العامة خلال الفترة (2000-2010) يتبين أن جمعيها تعتمد بشكل أساسي على إيرادات النفط والغاز حيث بلغت تلك الإيرادات نحو 2.44 تريليون دولار خلال الـ 11 سنة الأخيرة أو ما يعادل 83% من إجمالي الإيرادات المحصلة خلال الفترة نفسها.
وتعتمد الكويت في ميزانيتها بشكل أساسي على إيرادات النفط حيث بلغ معدل إيرادات النفط إلى إجمالي إيرادات الدولة نحو 93% خلال فترة 2000-2010 وهي الأعلى خليجيا مقارنة مع 87% للسعودية و77% للإمارات ومعدل 83% لدول الخليج.
أما بالنسبة للإنفاق الرأسمالي على المشاريع، فإنه الأقل في الكويت حيث شكل الإنفاق الرأسمالي خلال الـ 11 سنة الأخيرة معدل 11% من إجمالي المصروفات مقارنة مع معدل 21% لدول الخليج و22% للسعودية و31% لقطر و36% لسلطنة عمان.