عكس ارتفاع معدل التضخم النقدي والبالغ 7.3% خلال الأشهر الـ 9 الأخيرة الذي أعلن عنه أخيرا ردود فعل قلقة لدى الأوساط الاقتصادية، حيث بلغ مستوى قياسيا، لاسيما وأن السياسات المالية الحالية مازالت وحدها غير قادرة على كبح جماح ارتفاع الأسعار المحمومة التي شهدها اقتصاد الكويت منذ أكثر من عامين.
وبالرغم من أن حجم ارتفاع التضخم جاء من القطاع العقاري في الكويت الذي ارتفع بنسبة 12.5% والخدمات التعليمية والصحية بنسبة 12.3% فإن سلعا أخرى أسهمت في دفع حدة التضخم الى الأعلى من بينها المشروبات والتبغ وذلك بنسبة 9.6% والنقل والمواصلات 7.3% والمواد الغذائية 4.8% والتي تأتي وفق معايير المؤشر القياسي لأسعار المستهلك التي تعتمدها الادارة المركزية للاحصاء الرسمية.
ووفقا لهذه الأرقام الرسمية فإن عملية ارتفاع الأسعار يبدو وعلى الأرجح تسير نحو الصعود ما لم تتبين الجهات الرسمية آلية جديدة للعمل لمواجهة هذا الارتفاع المحموم. ومازالت عناصر الدفع الى الأعلى مثل ارتفاع مستوى الأسعار قائمة كاستمرار ارتفاع أسعار النفط في الأسواق الدولية وان تأرجحت قليلا، وهي تؤثر على كلفة السلع المصنعة في الدول الصناعية الكبرى التي تعاني ارتفاع أسعار المواد الخام الأخرى ناهيك عن ارتفاع بعض مواد البناء والحبوب وغيرها في الأسواق الدولية بسبب ندرة المعروض والمخزون العالمي منها.
ويرى خبراء اقتصاديون أن القرار التاريخي الذي اتخذه بنك الكويت المركزي يوم الـ 19 من شهر مايو الماضي بالتخلي عن ربط الدينار بالدولار الأميركي وتعويضه بسلة من العملات الأجنبية لتفادي تراجع سعر صرف الدولار في الأسواق العالمية التي أسهمت بزيادة حدة التضخم في الكويت قد يكون من القرارات الايجابية، ولكنها تحتاج الى فترة طويلة لكي يتسنى للاقتصاد الوطني التعود على تنويع المخاطر التي ينتهجها في سلة العملات في ضوء تقلبات أسعار الصرف في الأسواق الدولية. ولا تكمن خطورة الوضع في عدم وضع حد لمعدلات التضخم النقدي بل في أن يتجه الاقتصاد نحو الانكماش اذ ان عملية التضخم السعري التي تكون عادة مصاحبة لعملية النمو الاقتصادي قد تنعكس على سير الاقتصاد الوطني خلال المرحلة المقبلة من خلال تباطئه وانكماشه بسبب شح السيولة لدى المستهلكين للسلع والخدمات في الأسواق، وبسبب ارتفاع الأسعار مما سيلقي بظلاله على أداء الاقتصاد الوطني خلال الدورة الاقتصادية المقبلة.وفي الاطار نفسه فإن بعض الجهات الشعبية الى جانب عدد من نواب مجلس الأمة يجدون في عملية تبني أنظمة كوادر رواتب جديدة في بعض المؤسسات الرسمية ورفع مستوى الأجور والرواتب لجميع العاملين وتشمل المتقاعدين في مؤسسات الدولة كافة أحد الحلول المناسبة لرفع مستوى معيشة الفرد أمام موجة ارتفاع الأسعار في أسواق الكويت.
ويرى بعض المراقبين أن رفع مستوى معيشة الفرد الكويتي عن طريق رفع مستوى أجره بحاجة الى اعادة النظر، لاسيما أنه لم يخضع منذ تأسيس الدولة الى معايير ارتفاع الغلاء المعمول بها في الدول المتقدمة، وأن عملية الارتفاع كانت تخضع لاجتهادات من هنا وهناك مما خلق فجوة بين الرواتب سواء بين سلم كوادر الوظائف الفنية والنادرة والوظائف الأخرى في المؤسسة الواحدة او المؤسسات الرسمية فيما بينها. ولكن بالرغم من أهمية الموضوع فإن الجهات الرسمية من خلال مؤسسة الخدمة المدنية تدرس الأمر حاليا ضمن فريق مشترك مع البنك الدولي لوضع تصور مشترك يتم على أساسه تبني آلية واضحة لاعادة النظر في سلم الرواتب المعمول به منذ أكثر من 40 عاما ووفق مبدأي العدالة والمساواة الذي ينص عليهما الدستور الكويتي.
كما يرى بعض نواب المجلس أن يكون الحل عن طريق اسقاط القروض اذ طالبوا الجهات الرسمية العمل على اسقاط القروض الاستهلاكية والقروض المقسطة أو فوائدها لتخفيف الضغط على دخول الأفراد الذين باتوا متعثرين في دفع مستحقاتهم المالية. وبالرغم من أن هذه الحلول قد تكون من الناحية النظرية سهلة أمام دولة تمتلك استثمارات مالية خارجية قد تصل الى أكثر من 150 مليار دولار أميركي فإنها حلول قد يجدها بعض الاقتصاديين مكلفة على الدولة وتؤثر على رفاهية الأجيال المقبلة وان اسقاطها عملية غير واقعية ومبالغ فيها. ووفقا لبيانات رسمية حكومية فإن عدد المقترضين يصل الى نحو 450 ألف شخص منهم عشرة آلاف متعثر فقط أي أن نسبتهم تكاد تبلغ 2% وتعد هذه النسبة قياسيا هي الأدنى وفق المفهوم المالي اذ تصل النسبة في الدول الصناعية الى نحو 6% وان قيمة الأموال المتعثرة أي التي لا يسددهها المتعثرون تبلغ نسبتها 1.5% من القيمة الاجمالية البالغة نحو 4 مليارات دينار كويتي. لذا يرى الاقتصاديون الأكثر تحفظا أن تبني حلول أخرى مثل البحث عن وسيلة لادارة الفوائض المالية في مشاريع تنموية تنفع الأجيال الحالية والمقبلة قد يكون أفضل من استثمار المال العام في قضايا استهلاكية غير مجدية. كما أن تكلفة اسقاط فوائد القروض واعادة جدولتها تبلغ نحو 3 مليارات دينار كويتي وهي تكلفة عالية على الميزانية العامة، لاسيما ان الكويت تعتمد على اقتصاد ريعي، وعليه فيجب عليها أن تحتاط لمستقبل الأجيال المقبلة الذين ينتظرون من الجيل الحالي الادخار للمستقبل، وليس استنزاف خيرات البلاد من خلال الانفاق الاستهلاكي.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )