ايهاب عثمان
في خضم الهجوم الاعلامي على الدول العربية المنتجة للنفط وتوجيه الاتهام اليها بأنها المتسبب الرئيسي في ارتفاع اسعار النفط والضغط عليها لزيادة انتاج النفط للحد من ارتفاع الاسعار العالمية لما لذلك من تأثير على الاقتصاد العالمي.
في نفس الوقت بدأ الاقتصاديون يحذرون من «المستقبل المظلم» للاقتصاد العالمي فيما لو تحقق السيناريو الذي يتوقع معاودة أسعار النفط الارتفاع فوق حاجز الـ 100 دولار خلال العام الحالي.
على اثر ذلك قامت الولايات المتحدة الأميركية بزيادة تعاونها مع دول غرب افريقيا، خاصة نيجيريا وأنجولا، كما قامت بزيادة دعمها لدول آسيا الوسطى، وهي خيارات طبيعية، خاصة بعد فشل الادارة الاميركية في فتح محمية «آلاسكا» البرية أمام الشركات العالمية للتنقيب عن النفط، ونظرا لوجود كميات قليلة من النفط في غرب افريقيا وذهاب أغلب نفط دول وسط آسيا الى أوروبا، فان الولايات المتحدة ستضطر الى الاستيراد من الشرق الأوسط على كل حال.
وهنا تفتقت أذهان الاقتصاديين الاميركيين عن معادلة عجيبة وطالبوا الولايات المتحدة بالتخلي عن النفط العربي واستيراد النفط الروسي!
وبدأت منذ الربع الاول من العام الماضي دورة جديدة من حمى اعلامية هدفها ابراز محاسن استيراد النفط الروسي ومساوئ النفط العربي. وأصر هؤلاء على أن روسيا «بوتين» غير روسيا «بريجينيف»، خاصة أن بوتين أثبت صداقته بعد أحداث سبتمبر وانضم الى الولايات المتحدة في كثير من الشؤون الدولية.
وعلى الرغم من قيام شركة «يوكوس»، ثانية كبريات شركات النفط الروسية بارسال 3 حاملات من النفط الى الولايات المتحدة خلال فصل الصيف الماضي، الا أنه صدر تقريران مؤخرا يشككان في نجاح الخطط الروسية الرامية الى تصدير كميات كبيرة من النفط الى الولايات المتحدة، كما يشككان في امكانية قيام الولايات المتحدة باستيراد النفط من روسيا بسبب ارتفاع تكاليف الشحن.
واشار التقرير الاول الذي نشرته مجلة «واشنطن بوست» الى رغبة شركات النفط الروسية في انشاء ميناء نفطي ضخم في وسط البحر مقابل مدينة «مورمانك» القريبة من القطب الشمالي لشحن النفط باستخدام ناقلات النفط الضخمة الى الولايات المتحدة، ويعود بناء الميناء في وسط البحر الى ضحالة المياه في المنطقة التي لا يمكن لناقلات النفط الضخمة أن تبحر فيها.
وركز التقرير على الفوائد التي يوفرها النفط الروسي للولايات المتحدة حيث انه سيؤدي الى تنويع مصادر الطاقة وتخفيض اعتماد الولايات المتحدة على النفط العربي. وتحقيق هاتين الفائدتين سيعطي الادارة الاميركية مرونة في الخيارات للتعامل مع المشكلات الأخرى المتعلقة بالشرق الأوسط.
وقام التقرير بشرح التطورات التاريخية الحديثة التي أدت الى تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا بعد أحداث سبتمبر.
كما اشتمل التقرير على مقابلات مع بعض المحللين النفطيين الأميركيين الذين أكدوا أنه لا يمكن بيع النفط الروسي في الولايات المتحدة بسبب ارتفاع تكاليف النقل. وفي مقابلة مع رئيس شركة «تيومن أويل» سيمون كوركس ثالث أكبر شركة في روسيا بعد «لوك» و«يوكوس» أكد أنه ليس لدى الشركات الروسية القدرة على تصدير مليون برميل يوميا الى الولايات المتحدة خلال سنة كما تدعي شركة «يوكوس»، وأشار الى أن أمرا كهذا قد يحتاج الى 5 سنوات على الأقل.
وفي النهاية يستخلص التقرير أنه على الرغم من النمو المدهش في انتاج روسيا من النفط في فترة التسعينيات وصولا الى 491 مليون طن في 2007 بنسبة نمو 2.1% عن عام 2006 الا أن لدى السعودية طاقة انتاجية اضافية تقدر بـ 3 ملايين برميل يوميا، الأمر الذي يجعلها أكبر لاعب في أسواق النفط العالمية.
ونظرا لعدم وجود بنية تحتية كافية فان هناك عوائق كبيرة في وجه صناعة النفط الروسية والتي توجد أغلب حقولها في مناطق نائية عن مراكز التجمع السكاني في العالم.
وذكر التقرير أن شركة «ترانس نفط» الحكومية تعارض بناء ميناء «مورمانك» البحري لتصدير النفط الى الولايات المتحدة، حيث تفضل الشركة بناء أنابيب نفط تصل الى المحيط الهادي ومن ثم شحنه من هناك بناقلات النفط الى كاليفورنيا.
اما التقرير الاخر والذي نشرته ميدل ايست اكونوميك، فأكد وجوب قيام الولايات المتحدة بزيادة اعتمادها على واردات النفط من السعودية بدلا من روسيا لأسباب عدة أهمها أن تكاليف انتاج النفط في السعودية أقل من تكاليف الانتاج في روسيا.
وأشار التقرير الى أن كمية الاحتياطيات الروسية صغيرة اذا ما قورنت باحتياطيات النفط في دول الخليج. وهذا يعني نضوب النفط الروسي قبل النفط السعودي، خاصة أن كمية الانتاج الروسي أكبر من كميات الاحتياطي المضافة كل سنة. فبيانات الاحتياطي والانتاج الحالية تشير الى أن النفط السعودي سيستمر مدة اكثر من 88 سنة تقريبا بينما سيستمر النفط الروسي لمدة 20 سنة فقط (على فرض عدم وجود أي اكتشافات جديدة) وان الانتاج المستقبلي يساوي الانتاج الحالي.
وبناء على التقرير فان روسيا تحتل المركز السابع من حيث الاحتياطيات بعد كل من السعودية والعراق وايران والكويت والامارات وڤنزويلا، وجميعهم أعضاء في أوپيك، كما أكد التقرير أن انتاج السعودية كبير مقارنة باستهلاكها، الأمر الذي يسمح بتصدير كميات كبيرة من النفط، على عكس روسيا التي تستهلك كميات كبيرة من النفط، كما يتوقع زيادة استهلاكها في المستقبل.
وذكرأن جزءا من المشكلات التي يعاني منها قطاع النفط الروسي يعود الى مرحلة اعادة الهيكلة والتخصيص التي بدأت منذ سنوات ولا يتوقع أن تنتهي قريبا. وقد أدى ذلك الى اختلاف مصالح الحكومة عن الشركات وتناقض سياسات الحكومة في محاولة لمراعاة مصالح الشركات.
أما دول الخليج بشكل عام، والسعودية بشكل خاص، فانها لا تعاني من هذه المشكلة حيث باستطاعة الحكومة التحكم المباشر بالانتاج. وتمكن هذه الميزة السعودية من التعاون والتنسيق مع الولايات المتحدة بشكل أفضل من روسيا.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )