يرخي ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية بثقله على الاقتصاد العالمي، وتتوقع التقارير ان تشهد هذه الأسعار في العقد المقبل ارتفاعا يفوق معدل المستويات المسجلة خلال السنوات الـ 10 الماضية، حتى وان تراجعت على مستوياتها القياسية الراهنة، ما يعني ان ملايين آخرين سيواجهون الجوع أو صعوبات في الحصول على الغذاء.
وفي وقت تصيب فيه الأزمة الغذائية البلدان الأكثر فقرا على وجه الكوكب في الصميم، وتثير اضطرابات في افريقيا ومنطقة الكاريبي وآسيا، يتوقف الخبراء عند عوامل قصيرة المدى مثل الجفاف في بعض المناطق المنتجة للحبوب، وأنشطة المضاربة، ولكن بمجرد ان تفقد هذه العوامل تأثيرها فإن الأسعار ستنخفض.
لكن عوامل أخرى ستتسبب في ابقاء الأسعار أعلى من متوسط معدلاتها في السنوات العشر الماضية، ومن بينها:
- النمو المطرد في الطلب وتغير الأنظمة الغذائية في دول الاقتصادات الناشئة، خاصة الصين والهند، اذ للمرة الأولى منذ 25 سنة يوجد حافز أساسي هو ارتفاع أسعار السلع الغذائية لتشجيع القطاع الزراعي.
ويشدد الخبراء على الحكومات والمنظمات الدولية زيادة الاستثمارات العامة في مجالات تعرضت طويلا للاهمال مثل البنية الأساسية والأبحاث الزراعية وايجاد بيئة مشجعة على الاستثمارات الخاصة.
الأمر الثاني: المضاربات في أسواق السلع الغذائية وبورصاتها، وتراجع العرض في بعض البلدان المتقدمة لأسباب سياسية، اضافة الى سياسة بعض الدول المتقدمة في تحويل الزراعات الخاصة بالاستهلاك الغذائي البشري الى استخدامها في انتاج الطاقة البيولوجية البديلة للطاقة النفطية الملوثة، ما أدى الى مزيد من الضغوط في اتجاه الارتفاع.
هذا مع عدم اغفال الزيادة في عدد السكان على المستوى العالمي ووتيرة النمو في الدول الناشئة.
كذلك سعي الغرب لمواجهة مخاطر ظاهرة الاحتباس الحراري بالاتجاه لانتاج وقود عضوي غير ملوث، ما فاقم أزمة الغذاء العالمية.
أما الوقود الحيوي فمتهم بدوره بالاسهام في ارتفاع الأسعار، وكذلك مسألة السياسات التجارية مثل الدعم العالمي للقطاع الزراعي والقيود على الصادرات التي يعتقد انها تفاقم الأزمة.
وتقول التقارير ان الطلب على الوقود الحيوي عامل رئيسي يدعم ارتفاع أسعار السلع الزراعية.
ويعزو الاقتصاديون خطورة ظاهرة التضخم التي بدأت تتشكل منذ العامين 2003 و2004 مع بداية الفورة النفطية الى ارتفاع سعر الغذاء بداية في الولايات المتحدة قبل عامين عندما باشرت دعم انتاج الذرة المخصص لتصنيع الإيثانول (الوقود الحيوي).
وأدى ارتفاع قيمة انتاج الذرة الى التوسع في زرعها واهمال زراعات أساسية مثل القمح والصويا، فتقلص العرض في مواجهة الطلب، وشكلت الحبوب الأساسية للغذاء محطة الدفع الأولى نحو صعود الأسعار.
وساهم ارتفاع أسعار النفط أيضا في رفع معدلات التضخم.
فالزراعة تعتمد على الوقود الأحفوري بشكل كبير، سواء في عملية الزرع والحصاد والخزن وغيرها، الى ناحية التسميد ومكافحة الأضرار.
ومن المتوقع ان تتجاوز فاتورة استيراد الغذاء هذا العام للدول النامية 169 مليار دولار بزيادة 40% عن العام الفائت.
لذلك يعترف الخبراء الاقتصاديون بان الوضع الدراماتيكي الحالي للغذاء يذكر بهشاشة التوازن بين امدادات الغذاء العالمي وحاجة سكان العالم، وحقيقة التعهدات السابقة بتكثيف الجهود نحو القضاء على الجوع الذي لم يتم الوفاء بها.
وفي العديد من الدول محدودة الدخل يبلغ الانفاق على الغذاء في المتوسط ما يزيد على 50% من الدخل، وارتفاع الأسعار الذي تشير اليه التوقعات سيدفع المزيد من الناس الى سوء التغذية (قد يرتفع عدد من يكابدون الجوع بواقع 100 مليون، بالاضافة الى 850 مليونا يعانون من الجوع بالفعل).
الأمر الأخير الذي ساهم في ارتفاع اسعار الغذاء هو تأثر البلاد العربية، حيث تلاحظ دراسة لاتحاد الغرف العربي: وجود ثغرات انتاجية كبيرة في المنطقة العربية أدت الى الاعتماد على الاستيراد، ايضا محدودية اهتمام القطاع الخاص بالاستثمار في الزراعة والتصنيع الغذائي، كذلك اتساع الفجوة الغذائية في دول مجلس التعاون الخليجي بين 2001 و2006 لترتفع من 8.985 مليارات دولار في 2001 الى 12.231 مليارا في 2006.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )