ذكر عدد من الاقتصاديين في وزارة الزراعة الأميركية أن الأسعار العالمية للوقود والسلع الغذائية مرتبطة بعضها البعض بصورة وثيقة وأن هناك ستة عوامل توجد «الظروف المثالية» التي تهيئ لارتفاع الاسعار على نطاق العالم بكامله.
ورأى مدير دائرة الزراعة الخارجية وكبير اقتصادييها مايكل دواير، ودانيال وايتلي نائب مدير الدائرة، وهوي جيانغ، احد الاقتصاديين الزراعيين في الوزارة.
أن النظام الدولي يتسم بقدر كاف من الديناميكية بحيث يمكنه مجابهة واحدة او اثنتين من الصدمات المتزامنة، الا أن عدد العوامل المتفاعلة هذا اليوم «اكتسح الى حد بعيد قدرة النظام على معالجتها وبالتالي بدأت الأسعار تقفز قفزا حادا».
وحدد دواير وزملاؤه ستة عوامل سببت هذه الظاهرة:
أولا، أفضت أسعار الطاقة المرتفعة الى ارتفاع كلفة المواد التي تدخل في إنتاج المبيدات والأسمدة ومبيدات الأعشاب وهي مواد أولية مشتقة من البترول، هذا الى جانب ارتفاع نفقات التصنيع والنقل وهو ما يؤثر بصورة مباشرة على تكاليف الأغذية التي تشحن الى الخارج.
وحاليا، كما شرح الاقتصاديون، فان «طن الذرة المصدر من ميناء نيو اورلينز الأميركي الى آسيا يكلف حوالي 130 دولارا» عاكسا زيادة دراماتيكية عما كانت تكلفته قبل فترة ليست ببعيدة.
«وحينما يضطر المزارعون لدفع مبالغ أكبر لأسمدتهم وغير ذلك من مواد إنتاج ضرورية فان ذلك يعني ان أسعار الأغذية المرتفعة لا تعني أرباحا صافية بالكامل بالنسبة للمنتج لأن تكاليفه ارتفعت كذلك».
واشار دواير الى انه من الخطأ وضع اللوم لارتفاع أسعار الوقود على سياسة الوقود الإحيائي الراهنة في الولايات المتحدة، وهي السياسة التي تشجع تحويل بعض غلال الذرة الى وقود إحيائي عن طريق الإيثانول.
ومضى قائلا: قطاع كبير من الصحافة الدولية يتطرق الى هذه القضية في الوقت الراهن، ولعلها المسألة التي تتصدر الصحف حول العالم.
لكن للأسف فان العديد من الصحف في العالم وصف سياسة الوقود الإحيائي الأميركية، وعلى غير وجه حق، بأنها المحرك وراء ارتفاع أسعار الذرة والسلع الغذائية عموما ارتفاعا حادا في الأشهر ال18 الماضية.
وقال الاقتصاديون: «نحن لا نطعن في حقيقة ان للإيثانول (المصنع من الذرة) دورا لكن ما نقوله ان الموضوع هو أكثر تعقيدا من ذلك.
فإنتاج الإيثانول في أميركا في توسع اذ يتوقع ان يخصص ثلث محصول الذرة لإنتاج الإيثانول ونحن لا ننكر ان لهذا أثرا».
اما العامل الثاني، طبقا لدواير، فهو ازدياد الطلب على الغذاء، لا سيما من جانب الصين والهند وجنوب شرق آسيا وأميركا اللاتينية وافريقيا والشرق الأوسط.
فقد واكب تنامي الطبقات الوسطى في هذه المناطق ارتفاع الطلب على الطعام وجميع هذه المناطق بدأت تدخل السوق الدولية بصورة متزامنة.
ومضى دواير قائلا: «حينما تجني الطبقة الوسطى الحديثة العهد مداخيل جديدة فإنها تريد ان تنفقها على الغذاء تماما كما يفعل معظم الناس في العالم النامي، وبالتالي فان اشتداد الطلب على الغذاء هو في اتجاه سريع في الوقت الحالي».
ثالثا: انخفضت قيمة الدولار الحقيقية الى أدنى حد لها خلال 30 عاما.
وقال دواير انه في كل وقت تنخفض فيه القيمة الحقيقية للدولار فان أي سلعة يهيمن الدولار على تسعيرها يميل سعرها للارتفاع.
وشأن النفط، فان غالبية السلع الغذائية الاساسية في العالم أجمع تتداول بالدولار والدولار الموهن يفضي الى حصول ضغوط باتجاه أسعار أعلى.
رابعا: اسهمت رداءة الطقس في خفض إمدادات الغذاء العالمية، لاسيما القمح من أستراليا.
وقد تراجعت كميات القمح في كندا وأوروبا الشرقية وبلدان الاتحاد الأوروبي في السنتين الأخيرتين، وما حدث هو ان حصول هذا النمو القوي في الطلب وما واكبه من صدمة «شحة» المعروض، اديا الى خفض المخزونات او الاحتياطي لسد الفجوة بين الطلب والعرض.
وحينما تنخفض المخزونات الى حد متدن جدا تقفز الأسعار بصورة متزامنة او متطابقة.
وقال الخبراء ان العامل الخامس هو ما أقدم عليه عدد من البلدان التي إما قيدت الصادرات او اوقفتها تماما، لاسيما صادرات الأرز، وذلك للمحافظة على اسعار منخفضة محليا.
وتقدر وزارة الزراعة الأميركية ان هناك ما يكفي من أرز في العالم لتلبية الطلب.
لكن للأسف، والكلام لدواير، فان الحظر على صادرات الأرز دفع الى نشوب مشاكل لوجيستية وذعر في الأسعار.
فالبلدان التي كانت لديها هذه المادة في الأصل لم ترغب في بيعها الى البلدان التي تحتاجها شعوبها فانتابها هلع وعرضت سعرا مرتفعا خياليا، وشدد دواير على أن الولايات المتحدة لم توقف أيا من صادراتها الغذائية.
اما آخر تلك العوامل الستة فهو تزايد اهتمام المستثمرين بالنفط والسلع.
ففي اسواق النفط وحدها فان نسبة 70% من العقود الآجلة يحتفظ بها مستثمرون لا نية لهم بتسلمها وتمثل هذه زيادة بنسبة 30% عما كانت عليه في العادة.
وقال دواير: «لا أرقام لدينا مقارنة بالسلع الزراعية لكن كثيرا من صناديق المؤشرات تشتري جميع السلع فيما بدأ المستثمرون ممارسة دور أكبر بكثير في أسواق السلع».
اذن ما يثير القلق هو أن المستثمرين ربما يمارسون سطوة في غير محلها على الأسعار وذلك من خلال دخولهم هذه الأسواق.
وتشير أسس الطلب والعرض انها استلزمت أن تكون الأسعار أعلى مما كانت عليه.
وكما اشار دواير، السؤال هو ما اذا كانت هذه بحاجة لأن تبلغ 15 دولارا لمكيال البوشل (32 لترا) من فول الصويا او السعر المعهود وهو 6 دولارات.
ونفس الشيء ينطبق على سعر القمح والذرة؟
واضاف الاقتصادي وايتلي ان عمليات زراعية على نطاق كبير تسهم كثيرا في توفر المحاصيل المباعة في أسواق العالم، تعتمد اعتمادا كبيرا على الطاقة مثل المنتجات المشتقة من البترول مثل وقود الجرارات ومعدات الحصاد في الحقول او الاسمدة ومبيدات الأعشاب الضارة.
وقال غيانغ ان ما يزيد الطين بلة ان الاقتصاديات الناشئة، بدأت ترفع من طلبها على النفط والغاز والطاقة الكهربائية.
وكما ذكر في قمة الغذاء الأخيرة بروما التي رعتها الأمم المتحدة، فان الولايات المتحدة، كما أفاد وايتلي، تعمل على نهج ذي ثلاث شعب للمساعدة في كبح جماح أزمة الغذاء عالميا.
وتتمثل الخطوة الأولى في توفير مساعدات إنسانية آنية، قصيرة وطويلة الأجل، للجياع بسبب ارتفاع اسعار الأغذية.
ثانيا، ستواصل الولايات المتحدة السعي لاستكمال ناجح لجولة الدوحة من محادثات التجارة في منظمة التجارة العالمية.
وتسعى هذه المحادثات الى اصدار نظم حول قيود صادرات الغذاء وخفض التعرفات على المنتجات الزراعية ما يتيح للمنتجين ان يدخلوا أسواقا اضافية.
ثالثا، ستواصل الولايات المتحدة جهودها للمساعدات الفنية للعالم النامي والترويج لتكنولوجيات تزيد الإنتاج الزراعي بصورة مأمونة.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )