قال تقرير مركز الجمان للاستشارات الاقتصادية عن موجة الهبوط الأخيرة التي شهدها سوق الكويت للأوراق المالية ان المؤشر الوزني لسوق الكويت للأوراق المالية تراجع بمعدل 13% منذ بداية العام حيث وصل إلى مستوى 622 نقطة في 15 الجاري بالمقارنة مع 715 نقطة افتتاح العام الحالي.
وأوضح التقرير:
وكنا قد توقعنا انخفاض أداء البورصة بمعدل 20% من مستوى أعلى نقطة وصلها المؤشر الوزني خلال العام 2007، والتي كانت عند مستوى 768 نقطة بتاريخ 21/10/2007، أي ما يقارب مستوى 610 نقاط، وذلك خلال العام 2008، وذلك كما ورد في تقريرنا الصادر بتاريخ 25/12/ 2007، حيث تراجع مؤشر السوق إلى مستوى توقعنا بدرجة كبيرة جدا، فقد كان الفارق 12 نقطة فقط بانحراف قدره 2%، ولاشك في أننا وضعنا عدة مبررات لتوقعنا بانخفاض البورصة، والتي يمكن الرجوع إليها في تقريرنا المشار إليه والتقارير الأخرى السابقة له.
وأشار التقرير إلى أن نزيف الأسعار في البورصة قد توقف يوم الثلاثاء الماضي عندما أعلنت الهيئة العامة للاستثمار تدخلها في سوق المال، وذلك عن طريق ضخها لسيولة في الصناديق التي تساهم بها، والمدارة من جانب بعض الشركات الاستثمارية، وذلك تحسبا لتفاقم أزمة الرهن العقاري الأميركية، واحتمال امتدادها «النفسي» لسوق المال الكويتي.
ويبدو أن هذا ما حدث فعلا، حيث تفاقمت أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة، مما أدى إلى سقوط أكثر من مؤسسة عملاقة معنية بهذه الأزمة، وبالتالي، تأثرت أسواق المال المدرجة بها تلك المؤسسات، كما امتد أثرها إلى معظم أسواق المال في العالم، ومنها أسواق المال الخليجية، والتي شهدت سحبا سريعا للسيولة الأجنبية المتداولة فيها خاصة في أسواق الإمارات وقطر، كما تزايد القلق من احتمال ظهور أزمة عقارية كبرى في دبي، ناهيك عن الإعلان عن اكتشاف عدة قضايا فساد في بعض الشركات الكبرى هناك.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل سوق المال الكويتي معني بأزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة أو ما يدور في أسواق الخليج؟
لاشك في أن الإجابة هي النفي بما يتعلق بأزمة الرهن العقاري، حيث لا يوجد أدنى ارتباط مباشر ما بين الشركات المدرجة في البورصة الكويتية وتلك الأزمة، وربما يكون الارتباط في حال بعض الشركات الاستثمارية التي لديها استثمارات مالية خارجية، قد تكون تضررت من تراجع أسواق المال العالمية، والذي نعتقد أنه ذو أثر هامشي على الشركات المعنية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن أثر المتغيرات السلبية في دبي على الشركات الكويتية التي تنشط هناك ربما يكون ملموسا، وذلك إذا ما حدثت أزمة جدية هناك، لكن الشركات الكويتية التي ستتأثر سلبا يمكن عدها على أصابع اليد الواحدة بالمقارنة مع وجود أكثر من 200 شركة مدرجة، وبالتالي، فإن تأثر البورصة الكويتية بهذا الموضوع بشكل سلبي وملحوظ، أمر مستبعد من الناحية المنطقية.
وبالرغم من هامشية أثر المتغيرات العالمية والإقليمية على البورصة الكويتية، إلا إنه لا يمكن تجاهل العامل النفسي المصاحب لتلك الأزمات، مما يضرب بقوة أحيانا أسواق مال أخرى غير معنية، وهذا ما نشهده حاليا، وبما أنه عامل نفسي وليس أساسيا، فإن أثره سرعان ما يتلاشى، وهذا ما يجب أن يدركه المتداولون في سوق المال الكويتي، وذلك من حيث خطورة الانجراف مع المؤثرات النفسية، وإهمال المعطيات الأساسية التي قد تكون مشجعة في الوقت الراهن.
ومن هذا المنطلق، فإننا نعتقد أن سوق الكويت للأوراق المالية قد وصل إلى القاع أو اصبح قريبا منه على الأقل، مما لا يستدعي البيع العشوائي والانفعالي للأسهم، والذي قد لا ينفي الحاجة إلى غربلة المحافظ من حيث التخلص من الأسهم الرديئة وإقتناء الأسهم الجيدة، حيث ظهرت فرص كثيرة حاليا لاقتناء أسهم ممتازة بأسعار مشجعة للغاية، وعلى الرغم من ذلك، إلا أن هناك مجموعة من الأسهم الرديئة لم تبلغ مداها في الهبوط، رغم تراجعها بشكل حاد مؤخرا.
أما فيما يتردد عن عقود الآجل وأثرها الكبير في تدهور البورصة، فإن ذلك غير صحيح، حيث إنها تشكل أقل من 2% من القيمة الرأسمالية للسوق، مما يؤكد أثرها الهامشي، كما أن سعر الفسخ يقل عن سعر التعاقد بنسبة 40%، ولم تصل معظم الأسهم إلى ذلك المستوى من الانخفاض، إلا أن حالة الهلع وتدافع المتداولين إلى البيع سواء في الفوري أو الآجل، أديا إلى التراجع الحاد في أسعار الأسهم، وليس الفسخ الجبري لعقود الآجل.
وقال التقرير ان بنك الكويت المركزي قام بخطوات استباقية حكيمة لضمان عدم امتداد أزمة الرهن العقاري إلى البلاد، والذي من شأنه تخفيض المخاطر المرتبطة بالإقراض بشكل عام، وهو ما يستحق التقدير والتشجيع، وذلك بالرغم من بعض التبعات السلبية - والتي نعتقد أنها في الحدود الضيقة - لإجراءات تقييد القروض، والتي تهدف إلى تخفيض النمو في أرصدتها إلى ما بين 15 و20%، بعد أن كانت معدلات النمو مرتفعة للغاية، حيث وصلت إلى أكثر من 35% في السنوات الأخيرة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن السيولة الناجمة عن الاقتراض غالبا ما يتم توجيهها إلى المضاربة في العقار والأسهم، مما يرفع معدلات التضخم في البلاد دون مبرر، كما يخالف بعض عملاء البنوك شروط استخدام تلك القروض التي يجب إنفاقها على مشروعات تنموية، وليس المضاربة بالأسهم كما هو مطبق حاليا، حيث تكون وقودا للتلاعب من حيث التأثير الوهمي على الأسعار ومعدلات التداول في البورصة.
وفيما يتعلق بتدخل الدولة لدعم البورصة، فربما يكون منطقيا في وقت الكوارث الكبرى، وليس عند الهبوط التصحيحي والفني، كما حدث مؤخرا، والذي طال انتظاره، حيث نعتقد أن تدخل الدولة على شكل ضخ سيولة في البورصة سيفيد المتلاعبين أكثر من عموم المتداولين، حيث ستعوم السيولة الجديدة المتلاعبين، كما ستحول دون انكشاف ألاعيبهم، والتي لا تظهر إلا في حالات التصحيح الجذرية، مما سيساعدهم على تكرار ممارساتهم السلبية، وبالمقابل، سقوط المزيد من الضحايا الأبرياء مستقبلا، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن آلية ضخ الأموال العامة في البورصة تكون عادة من خلال الصناديق، والتي لإداراتها أولويات خاصة بها في الغالب، حيث أثبتت التجارب أن بعض مديري الصناديق ليسوا أهلا للثقة في إدارة الأموال الخاصة.... فما بالك بالعامة،كما أنه لا يستبعد اهتمام بعض مديري الصناديق بشريحة من الأسهم تخدم مصالحهم الضيقة، حيث لا يتم اختيار الأسهم للشراء وفقا لمعايير مهنية وموضوعية، كما أنه توجد محاذير أخرى متعلقة بزيادة حصة هيئة الاستثمار بالصناديق، منها ما هو مرتبط بنسبة مساهمتها فيها، والتي يجب ألا تتجاوز حدودا معينة، وغيرها من القيود والمحاذير، ناهيك من أن التدخل في آلية السوق (العرض والطلب) يترتب عليه تداعيات سلبية جسيمة مستقبلا.
وربما يؤدي تدخل الأموال العامة في البورصة إلى منع التراجع والتدهور ولكن مؤقتا، حيث إنها تعتبر بمنزلة المسكنات للأمراض الخطيرة التي يعاني منها سوق المال، كما أن تدخل الأموال العامة في سوق المال بات مكلفا للغاية نظرا لكبر حجمه، حيث تضاعف عدة مرات خلال السنوات الأخيرة، ولاشك في أن من الأولى استخدام الأموال الموجهة للبورصة إلى مشاريع تنموية عملاقة يعم خيرها على عموم المواطنين، والتي تشكل قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، وتحل الكثير من المشاكل الكبيرة والهيكلية.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )