زكي عثمان
لم يكن أحد يتصور أن يتراجع مؤشر سوق الكويت للأوراق المالية بهذا الشكل «الحاد» خلال تداولات الأسبوعين الماضيين ليفقد أكثر من 2000 نقطة، مما انعكس بشكل كبير على وقوع خسائر كبيرة بالسوق وتحديدا بين صغار المستثمرين ممن اعتادوا على الشراء بنظام «الآجل» وما بين هذا التراجع الكبير الذي كاد ان يحدث «أزمة» ثقة في البورصة والصعود من جديد مع آخر 3 جلسات للتداول مع نهاية الأسبوع الماضي بفضل دخول «أموال هيئة الاستثمار» هناك محطات كثيرة يجب الوقوف أمامها.
هذه المحطات قامت «الأنباء» برصدها مع عدد من الاقتصاديين للوقوف على حقيقة ما دار بالسوق خلال الأسبوعين الماضيين وهو الذي أفقد السوق كثيرا من مكاسبه المحققة منذ بداية العام الحالي.
المحطة الأولى
أولى هذه المحطات وأهمها من وجهة نظر المشاركين في هذا التحليل السريع كانت وجود «مؤشرات أولية» على احتمالات دخول السوق لمرحلة تصحيح عنيفة خلال شهر أغسطس الماضي أو سبتمبر الجاري.
هذه المؤشرات كانت معلومة لعدد كبير من كبار المضاربين بالسوق منذ شهر يونيو الماضي، اي قبل شهرين تقريبا او 3 أشهر، وهو الأمر الذي يضع اكثر من علامة استفهام حول آلية التداول في السوق ومن يتحكم فيها.
وهذا التساؤل الذي يدور في أذهان الكثيرين مفاده أن بورصة الكويت من قديم الأزل وهي تخضع لسيطرة المجموعات الاستثمارية الكبيرة، بالاضافة الى الصناديق والمحافظ الاستثمارية وبالتالي فإن المتحكم الأكبر في السوق لم يعد آلية التداول الطبيعية والمعروفة بـ «العرض والطلب» القائم على اداء الشركات المدرجة والناتجة عن الأداء التشغيلي لها والمتحقق من ارباح فعلية من أنشطتها الرئيسية، بعيدا عن التصعيد المفتعل لأسهمها.
أضف الى ما سبق ان المضاربات اليومية والسريعة من صغار المتداولين وزيادة حجم عقود الآجلا ساهمتا في ارتفاع وتيرة التداولات بشكل مبالغ فيه وهو ما انعكس على أسعار العديد من الأسهم وبالتالي تضخم أسعارها بشكل لافت للنظر.
وبالعودة من جديد للموعد المحدد بـ «عملية التصحيح» كما يصورها البعض، سنجد ان المعرفة المسبقة بتاريخ تلك العملية تضع أصابع الاتهام أمام المتحكمين في السوق كما ذكرنا ان المجاميع الاستثمارية الكبيرة والصناديق والمحافظ التي تتحرك وقتما تشاء وتتوقف عندما تشاء، دون الالتفات الى ما قد يخلفه ذلك من خسائر كبيرة لصغار المستثمرين والمعروفين بأنهم «وقود السوق» حيث ان أموالهم السريعة هي التي تحرك التداول اليومي وتشعله التهابا عندما يكون السوق مرتفعا وتزداد اشتعالا عندما يتراجع السوق حيث يسعى كل مستثمر الى سرعة استرداد أمواله خوفا من «تفاقم» حجم الخسائر.
وباستنتاج بسيط، سنجد ان المشكلة التي حدثت مؤخرا قد اظهرت للجميع ان «التراجع الحاد» وغياب الرغبة في «الشراء» كان متعمدا بهدف «تهدئة» السوق من الارتفاع الكبير الذي شهده ودفع بمؤشر السوق ليتجاوز حاجز الـ 13 ألف نقطة لأول مرة في تاريخه، فضلا عن الرغبة في تحجيم بعض الأسهم التي قفزت اسعارها لمستويات غير مسبوقة.
وكان من الطبيعي ان يخلف ذلك «شحا» واضحا بحجم السيولة في السوق الذي تزامن مع عدد من الاكتتابات لمجموعة من كبريات الشركات المدرجة، والتي منها «زين» و«الصناعات الوطنية»، وكذلك الشركة الجديدة للاتصالات.
المحطة الثانية
ثانية المحطات التي يمكن رصدها حسب المشاركين في هذا التحليل هو غياب «صانع السوق»، حيث أصبحت المجاميع الاستثمارية تقوم بدعم أسهمها فقط بعيدا عن أي مصلحة اقتصادية عامة، بل ان الصناديق والمحافظ الاستثمارية لم تعد قادرة على تحمل المبادرة في العودة للشراء بعد ان أصبح هذا الموقف أكبر من قدراتها وهو ما أكده أحد المسؤولين في شركة كبرى عندما قال «الوضع الحالي أكبر من قدرة المحافظ والصناديق»، كما أكد ان أي تحرك لهذه المحافظ والصنادق قد أصبح متوقفا بشكل مؤقت حتى يتلقوا تعليمات جديدة بالتحرك من جديد، خصوصا ان عدم دخول هيئة الاستثمار وفي هذا التوقيت كان سيضاعف من حجم الخسائر وهو ما لا تقدر المحافظ والصناديق على تحمله أمام مالكي أموال هذه الاستثمارات سواء كبار الملاك أو المستثمرون ممن وضع أمواله في تلك المحافظ والصناديق.
المحطة الثالثة
أما ثالثة المحطات، فيتمثل في تأخر «هيئة الاستثمار» في التحرك لانقاذ السوق على الرغم من تأكدها التام ان الفرص المتاحة حاليا هي فرص مغرية للغاية وهذا ما أكدته في البيان الصادر منها.
ولا شك ان هذا التأخير ينظر اليه البعض على انه أمر طبيعي نظرا لأن السوق اعتاد عند وقوع أي مشكلة ان ينظر لأموال الهيئة على انها «المنقذ الأول» وهو أمر يجب التوقف عنده قليلا لان الهيئة تحدد اتجاهاتها الاستثمارية بشكل طويل الأجل وليس قصير الأجل، كما يتصور البعض، وبالتالي فان توقيت دخولها وخروجها تحدده توجهات استثمارية بحتة، وبعيدة عن العواطف.
المحطة الرابعة
اما المحطة الرابعة فهي مرتبطة بالسابقة، حيث ان قرار الاستثمار في البورصة من خلال ضخ اموال جديدة من الهيئة قرار استراتيجي أكثر منه قرارا استثماريا نظرا لأن ما وصلت اليه الأمور من تراجع وخسائر، ما يفرض على هذه الجهة ان تتدخل، شأنها في ذلك شأن البنوك المركزية في كل من أميركا واليابان وأوروبا ولندن، التي تدخلت عبر ضخ أكثر من 250 مليار دولار في أقل من يومين لوقف نزيف خسائر بورصات تلك الدول عقب قرار افلاس بنك «ليمان»، وهو أمر طبيعي لان تلك البنوك تنظر الى البورصات على أنها عصب الاقتصاد والمحرك الأول له، وعليه فان تركه بلا تدخل في مثل تلك الازمات قد يساهم في تضاعف حجم الخسائر وأيضا في التأثير بشكل سلبي على الاقتصاد العالمي.
فتدخل الهيئة كان ضروريا ليتوازى في الوقت نفسه مع المحاولات التي قامت بها البنوك المركزية الكبرى لدعم أسواقها المالية، وهو بالفعل ما تحقق وان كان متأخرا وبعد نحو أسبوعين من التراجع، وبالتالي ينطبق القول «الدخول متأخرا افضل من التجاهل التام لما حدث».
المحطة الخامسة
خامسة المحطات التي سنتوقف عندها هي «العامل النفسي» للسوق وهو العامل الاكبر في تحديد لون المؤشر العام للسوق، بمعنى أن نفسية المتداولين وثقتهم في السوق تحدد أوامر الشراء والبيع فعندما ترتفع النفسية والحالة «المزاجية» الممزوجة بعنصر الثقة في السوق فإن لون المؤشر يكون «اخضر» والعكس صحيح فعندما يكون اللون «احمر» فإن ذلك دليل على التخوف من السوق وحالة الزعر والهلع من المؤشرات السلبية للسوق، ومما لا شك فيه ان دخول «الهيئة» وقرارها بضخ السيولة المالية في السوق شجع صغار المستثمرين على العودة من جديد للشراء والاستفادة من المستويات السعرية المغرية التي وصلت اليها معظم الاسهم المدرجة.
المحطة السادسة
آخر المحطات التي سنرصدها من خلال هذا التحليل هي مستقبل البورصة خلال المرحلة المقبلة وهو ما يؤرق عددا كبيرا من المستثمرين خوفا من احتمالات تكرار مسلسل التراجع الذي شهدته البورصة خلال الاسبوعين الماضيين، وباختصار شديد فإن هناك اجماعا على ان دخول «الهيئة» وفي هذا التوقيت قد أوقف نزيف الخسائر كما انه اعاد الثقة الى صغار المتداولين وايضا شجع الصناديق والمحافظ على العودة من جديد للشراء في ظل بلوغ الاسهم لمستويات سعرية مغرية جدا مما يبشر بنقلة نوعية لمستوى الاداء العام للسوق خلال الفترة المقبلة.
وللمحافظة على النسق الطبيعي للبورصة، لابد من سرعة بحث مشاكل البورصة القديمة والتي في مقدمتها قانون هيئة سوق المال والذي سيضمن الشفافية في التداولات والتدخل في الوقت المناسب وتحديدا في حال وجود تداولات وهمية او امور غير طبيعية على الاسهم، كما يجب العمل على استبعاد مجموعة من الاسهم «الورقية» التي لم تفد السوق، بل اقرت به، حيث ان رتفاع هذه الاسهم المبالغ فيه سبب مباشر في الازمة الاخيرة.
هذا ويجب التشديد على سرعة تدخل الحكومة ممثلة في الجهات الرقابية وايضا «هيئة الاستثمار» في دعم السوق عند الامور والمواقف الاستثنائية، خاصة ان هذا الدعم يمثل اهمية قصوى للحفاظ على النسق الطبيعي للسوق حتى لا تحدث «ازمات» كبيرة مثل «ازمة المناخ» والتي تسببت في انهيار السوق.
واخيرا على المتداولين التحلي بالصبر وعدم التسرع في قرارات البيع، فضلا عن التركيز على الاستثمار متوسط الاجل وليس قصير الاجل المعروف بـ «المضاربات اليومية» وعدم المضي قدما وراء «الاشاعات» التي تروج بالسوق وتكون سببا مباشرا وراء اتخاذ قرارات شراء خاطئة.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )