قال تقرير بنك الكويت الوطني في تقييم اقتصادي للآفاق المستقبلية لدول مجلس التعاون الخليجي ان وزراء مالية دول مجلس التعاون الخليجي أنهوا في مدينة جدة الأسبوع الماضي اجتماعهم الذي كان بمثابة حدث تاريخي هام بالموافقة على الإطار العام للاتحاد النقدي الخليجي، إلا أن موعد إطلاق العملة الموحدة بقي غير محدد.
وأوضح الوطني ان الاتفاقية أقرت الميثاق الأساسي الداعي إلى إنشاء مجلس نقدي سيشكل بدوره النواة الحقيقية للبنك المركزي في المستقبل، أما بالنسبة للمهام التي ستناط بهذه السلطة ودرجة الاستقلالية التي ستتمتع بها أو حتى موضوع المكان الذي سيكون مقر البنك المركزي، فيبدو أن هذه القرارات ستبقى معلقة إلى حين انعقاد القمة الخليجية المزمع عقدها في شهر نوفمبر المقبل، وبتزامن هذا الاجتماع مع أزمة الرهن العقاري التي تعصف بالمؤسسات المالية في الولايات المتحدة، قد تعمل هذه الأزمة على تسريع وتيرة الإعداد للوحدة النقدية بهدف تعزيز حصانة المنطقة ضد أي تقلبات عالمية قد تحدث في المستقبل.
وذكر الوطني ان هنالك تساؤلا يبقى عن درجة جاهزية دول مجلس التعاون الخليجي لتطبيق الاتحاد النقدي، وهنا يعتمد الجواب على درجة التكامل الاقتصادي بين دول المجلس، والذي بدوره يتحدد بدرجة التقارب الهيكلي والنقدي والمالي بين دول الخليج، وقد قامت وحدة البحوث الاقتصادية لدى بنك الكويت الوطني بدراسة لعدة مؤشرات اقتصادية بهدف إلقاء الضوء على درجة التقارب هذه وتشير دراسة الوطني إلى احتمال ظهور تحديين اقتصاديين عند تأسيس الاتحاد النقدي الخليجي، أولهما احتمالية أن يبدأ تنويع مصادر الدخل خلال السنوات المقبلة بالتأثير على درجة التشابه الهيكلية بين الدول الخليجية.
وأشار الوطني إلى ان العائق الثاني يتمثل في أن ارتفاع وتباين معدلات التضخم بين دول الخليج خلال السنوات الأخيرة سيعملان على الأقل على زيادة صعوبة أو حتى تأخير انطلاقة الاتحاد النقدي.
فقد ارتفع معـدل التضخم فــي دول الخليج مما متوسطه 0.4% خـلال الفترة 1997-2002 ليبلغ 6.9% خلال عام 2007، هذا إلى جانب تضاعف معدل الزيادة السنوية في التضخم ما بين عامي 2005 و2007 كما اتسع الفرق ما بين أعلى وأدنى معدل تضخم بين الدول الخليجية من 3% كما هو في عام 2003 ليصل في عام 2007 إلى 10.4%.
أما من ناحية التقارب المالي، فما دامت دول الخليج بقيت معتمدة على النفط، فقد لا يكون معيار السياسة المالية المقتبس من اتفاقية ماستريخت الأوروبية ملائما لها، حيث يتطلب تعديل هذا المعيار خاصة فيما لو تعرضت أسعار الطاقة لتراجع حاد.
التقارب الهيكلي
واشار الوطني إلى انه وعلى صعيد التقارب الهيكلي بداية فإن درجة التقارب الاقتصادي اللازمة لتحقيق الاتحاد النقدي ضمن دول مجلس التعاون الخليجي تعتبر متحققة بدرجة عالية.
وفعليا فإن الدول الخليجية قد نجحت في تحقيق تكامل اقتصادي فيما بينها يتجاوز ما تتمتع به حاليا الدول الأوروبية الأعضاء في منطقة اليورو والتي عملت لما يزيد عن نصف قرن من الزمن لتحقيق مثل هذا التكامل.
وأشار التقرير إلى ان هناك احتمالية أن يبدأ تنويع مصادر الدخل خلال السنوات المقبلة بالتأثير على درجة التشابه الهيكلية بين الدول الخليجية، وخاصة في ضوء التباين الواضح بين الدول في حجم ثرواتها من النفط والغاز، إضافة إلى ذلك، فإن الدول ذات الثروات النفطية الكبيرة قد تتباين مع بقية الدول في سرعة ونطاق تحقيق هذا التنوع الاقتصادي.
فعلى سبيل المثال، وفي ضوء محدودية احتياطياتهم النفطية، فإنه من الواضح أن حاجة كل من البحرين وعمان إلى تنويع اقتصاديهما بعيدا عن النفط تعتبر في غاية الأهمية بالنسبة لهاتين الدولتين.
وذكر الوطني ان العامل الرئيسي المؤثر على مسيرة التنوع الاقتصادي وسرعتها في أي دولة، فسيتمثل في المعدل النسبي لدرجة نضوب احتياطيات الطاقة خلال السنوات المقبلة.
ومما لا شك فيه أن التأثير طويل الأجل للتنوع الاقتصادي على الاتحاد النقدي يبدو واضحا، فتركيبة الاقتصادات الخليجية ستصبح أكثر تباينا واختلافا في العقود المقبلة، مما سيساعد على تنمية وتعزيز التجارة الإقليمية البينية، إلا أنه في الوقت ذاته قد تجعل دول المنطقة عرضة لصدمات اقتصادية متباينة، الأمر الذي قد يفرض على كل دولة تبني سياسات مالية ونقدية مختلفة عن جاراتها للتصدي لمثل هذه الصدمات.
وبين الوطني انه على صعيد النمو الاقتصادي، يلاحظ خلال السنوات الثلاثين الماضية تراجعا ملحوظا في درجة التباين بين دول الخليج في معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة.
وبمعزل عن أي عوامل أخرى، فان هذا التقارب في معدلات النمو سييسر من دخول الاتحاد النقدي حيز التنفيذ ويضمن قابلية استمراره، فكما هو معلوم، فإن تشابه معدلات النمو طويلة الأجل بين الدول الأعضاء يتطلب سياسات نقدية متماثلة بدرجة كبيرة على خلاف الدول التي تتباعد فيما بينها في معدلات النمو الاقتصادي.
وبخصوص مستويات الدخل أوضح الوطني أن درجة التباين في الدخل بين دول الخليج (باستثناء قطر) يعتبر معتدلا نسبيا وفقا لمقياس حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ففي عام 2007، جاءت أدنى معدلات دخل للفرد الواحد في السعودية وعمان وبحدود 15500 دولار، وهو ما يوازي تقريبا 20% من مستواه السائد في دولة قطر، غير أن الفجوات الكبيرة في متوسط الدخل الفردي لا تمثل بالضرورة مشكلة بالنسبة إلى اتحاد نقدي يعمل بطريقة جيدة.
وفي الوقت الحاضر فإن هذه الفجوة في الدخل بين دول الخليج ربما لا تقف عائقا أمام مشروع الاتحاد النقدي، وذلك في ضوء تمتع جميع الدول الأعضاء بمستويات معيشة مرتفعة نسبيا.
على أن المشاكل قد تبدأ بالظهور حتما إذا ما استمرت فجوة الدخل بين الدول ذات الدخل الأعلى والدول ذات الدخل الأدنى بالاتساع بنفس وتيرتها الحالية، وبالمحصلة، يمكن القول ان التباين بين دول الخليج في حجم احتياطياتها من النفط والغاز وفي درجة تنوعها اقتصاديا خلال السنوات المقبلة قد يؤدي بسهولة إلى حدوث تغير في مسارات النمو الاقتصادي طويل الأجل بين دول الخليج.
أما على صعيد القوى العاملة، فمن المميزات الظاهرة لأسواق العمل في دول الخليج أن العمالة الأجنبية تمثل جانبا كبيرا من عدد العاملين وذلك منذ الطفرة النفطية الأولى في مطلع ومنتصف سبعينيات القرن الماضي، وهذا قد منح أسواق العمل في دول المنطقة درجة كبيرة غير مألوفة من المرونة الا أن أساسيات توطين العمالة قد يكون لها تأثير مزدوج أو بمنزلة سلاح ذي حدين، لأنه من جهة سيرفع من حجم المصروفات على الرواتب والتعويضات، في حين سيخفض في الوقت ذاته من الإنتاجية ما لم يتم تطوير المهارات اللازمة لدى المواطنين.
وبمرور الوقت، فإن ذلك قد يؤدي إلى تغيير في البنية الهيكلية لأسواق العمل الخليجية ويقلص درجة المرونة التي تتمتع بها سياسات الأجور.
وعلى صعيد التقارب النقدي، فإن العقبة الاقتصادية الثانية التي تعترض إقامة وإدارة اتحاد نقدي بطريقة جيدة تتمثل في الطبيعة الدورية التي تتميز بها اقتصادات دول الخليج، فالطفرة الاقتصادية التي بدأت في عام 2003 والمتزامنة مع ارتفاع أسعار النفط قد رفعت من معدلات التضخم بصورة ملحوظة فـي جميع دول المنطقة، في حين ينص معيار التقارب الخاص بالتضخم على أن معدل التضخم لأي دولــة عضو يجب ألا يتجاوز المتوسط المرجح للتضخم فــي كـل دول المنطقة بأكثر مــن 2%.
وكان معدل التضخم في دول الخليج قد ارتفع مما متوسطه 0.4% خلال الفترة الممتدة بين عامي 1997 و2002 إلى 6.9% في عام 2007، هذا إلى جانب تضاعف معدل الزيادة السنوية في التضخم بين عامي 2005 و2007، وعليه، وبعد أن كان الفرق بين أعلى وأدنى معدل تضخم بين دول الخليج يبلغ 3% كما هو في عام 2003، فإن هذا الفرق قد اتسع ليصل في عام 2007 إلى 10.4%.
ويتوقع لمعدلات التضخم في دول الخليج أن تكون أعلى خلال عام 2008، وتشير أحدث البيانات الشهرية عن معدل التضخم المسجل في كل دول الخليج (باستثناء عمان) إلى تجاوزه حاجز 10% على أساس سنوي.
وقد يؤدي هذا الارتفاع في معدلات التضخم، إلى جانب التباين في معدلات التضخم بين دول الخليج، على الأقل إلى تأخير دخول الاتحاد النقدي حيز التنفيذ إلى أن يأتي الوقت الذي تنعكس فيه هذه الاتجاهات.
بخصوص التقارب المالي قال الوطني إن الإيرادات والمصروفات وصافي الميزانيات العامة في دول الخليج تظهر درجة عالية من التشابه في مسارها في ضوء الاعتماد الكبير على عوائد الطاقة.
فقد تراوحت حصة الإيرادات النفطية ضمن مجمل إيرادات الحكومة المركزية في دول الخليج في عام 2007 بين 76% في كل من البحرين وقطر والإمارات و94% في الكويت.
وقد أدى ذلك إلى بقاء السياسات المالية لدول الخليج متناغمة بعضها مع بعض بصورة طبيعية ولفترة زمنية طويلة، الأمر الذي يوفر دفعة إيجابية لإطلاق الاتحاد النقدي.
وقال الوطني انه في حال تراجعت أسعار النفط بشكل ملحوظ، فان معظم دول الخليج ستواجه صعوبة بالغة في المحافظة على تحقق فوائض مالية في ميزانياتها.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )