قال تقرير شركة الاستثمارات الوطنية ان سوق الكويت للأوراق المالية شهد تطورات عدة خلال الفترة الأخيرة فقد شهدت مؤشراته عملية تصحيحية عنيفة وبعد ذلك استكمل السوق سلسلة الانخفاضات التي استمرت على مدى ثلاثة أسابيع متتالية وازداد ذلك تعقيدا من الناحية النفسية حينما دخلت بالحسابات أزمة الأسواق المالية العالمية والتي أثرت بنسبة كبرى على الأسواق الخليجية، فكان السوق بين مطرقة اهتزاز الثقة وسندان أزمة الأسواق العالمية، وهو ما حدا بأن يبلغ السوق أدنى نقطة خلال هذا العام عند مستوى 12.360 نقطة أي ان نسبة تراجع السوق من أعلى نقطة 15.654 منتصف يونيو قد بلغت 21% علما أن قراءة مؤشر السوق السعري تعتبر مضللة وبشكل كبير عند احتساب نسبة ارتفاع الشركات حديثة الإدراج والتي حققت ارتفاعات كبيرة لا تعكس السعر الحقيقي لها.
واضاف التقرير ان التحول المفصلي بأداء السوق تحديدا منذ 10 سبتمبر عندما أصبح السوق ينزف نقاطه بشكل يومي دون توقف وبمستويات كبيرة لم يشهدها السوق من قبل مما أثار موجة ذعر هستيرية بالسوق تبخرت فيها مدخرات المستثمرين وفقد السوق من قيمته ما يتجاوز 12 مليار دينار.
لافتا الى ان السوق قد زخر خلال فترة النصف الأول بالعديد من الأنباء الإيجابية سواء فيما يتعلق بأرباح الشركات للنصف الأول ونخص بالذكر هنا الشركات القيادية المعروفة وهي موزعة على مختلف قطاعات السوق وتعتبر الدعامة الأساسية والأرضية الصلبة للسوق حتى خلال أصعب الفترات والمراحل المختلفة التي مرت على السوق من قبل، لذلك فإننا نعتقد بأن أزمة سوق الكويت للأوراق المالية لم تنشأ بسبب أزمة الأسواق العالمية (الا في الجزء النفسي والمعنوي منها) حيث لا يوجد في الكويت ازمة رهونات عقارية أو شركات تستثمر بالأدوات والمشتقات المالية المرتبطة بأسعار المساكن في القطاع العقاري هناك، ولا توجد لدينا مصارف مفلسة أو حتى مهددة بالإفلاس أو متعثرة كما أن مصارفنا المحلية غير مكشوفة على البنوك الأجنبية (حسب تصريحات المسؤولين) ومن ناحية أخرى الدينار الكويتي يرتبط بسلة عملات وليس بالدولار، وعامل آخر مهم وهو الأموال الساخنة والتي تؤثر عادة في حدة تذبذب السوق وذلك لسرعة دخول وخروج تلك السيولة، ومعلوم أن سوق الكويت للأوراق المالية تنشط فيه الاستثمارات المحلية بشكل رئيسي وأساسي دون أن يفسح المجال للاستثمارات الأجنبية بأن تؤثر بشكل جذري على مسار التداولات وهي حقيقة يدركها مراقبو السوق.
وأوضح التقرير ان مستوى أسعار الاسهم المدرجة مغرية من ناحية معدلات السعر الى الربحية والذي لا يتعدى مكرر 11.0 مرة كمتوسط عام للسوق.
ولذلك فإن ما يؤكد أن سلوك السوق الحالي لا يعبر عن حالة طبيعية أو اعتيادية هو أن سوق الكويت للأوراق المالية يعتبر سوق مؤسسات وليس سوق أفراد كما هو الحال بأسواق مجاورة، وبالتالي فليس من العدالة حتى مقارنة الأداء المؤسسي لسوق الكويت للأوراق المالية مع أداء الأسواق الخليجية التي يغلب عليها الأداء الفردي وليس أدل من ذلك ما حدث في عام 2006 عندما تراجعت الأسواق الخليجية بشكل كبير تراوح بين 40% و60% بينما بلغت نسبة التراجع بالسوق المحلي نحو 6% حسب المؤشر الموزون، ولهذا فإن ما يحصل حاليا يعطي إشارات خطيرة تهدد وضع السوق على الأمد القادم والمستقبل القريب.
وحصر التقرير أسباب التراجع حسب تأثيرها فيما يلي:
أولا: الخطة الخمسية للدولة وسياسات بنك الكويت المركزي النقدية، حيث إن انكماش السياسة النقدية والمالية للدولة في ظل انعدام أي مشاريع حيوية ومشاريع بنية تحتية والتي عادة ما تكون وفق نظام b.o.t حيث ظلت حبرا على ورق لسنوات ولم يتم تطبيق أي منها مثل بناء الجسور التي تربط بين المدن والجزر أو تشييد الموانئ أو المطارات أو إنشاء مدن سياحية جديدة وأخرى خاصة بالأعمال أو تطوير مستودعات جمركية أو إنشاء مناطق حرة والتي أصبحت بنهاية المطاف شعارات رنانة لا أكثر، وتزامن ذلك بقيام بنك الكويت المركزي بإصدار جملة من القرارات التي تهدف إلى تقييد تمويل البنوك وإمدادها بالسيولة اللازمة، جاءت تلك القرارات بنوايا سامية تهدف إلى كبح جماح التضخم الذي تشهده الدولة على مدى الأربع سنوات الماضية ونحن لا نعارض قيام البنك المركزي بواجباته نحو تنصيب الأمور ومعالجة أوجه الخلل، إلا أن تلك السياسات ومنذ تطبيقها بوقت قصير قد عملت على وقف أعمال البنوك المحلية من ناحية عدم قدرتها على تمويل حاجات الشركات المختلفة، أي تم إغلاق ذلك العصب الحيوي والأساسي بقرار واحد وفجأة دون توفير أي بدائل، مما ألقى بظلاله على السوق بشكل شرس حيث سوق الأوراق المالية مرآة ذات حساسية عالية ناحية أي متغيرات سلبية كانت أو إيجابية، فكانت النتيجة انهيارات متواصلة وخسائر جمة إنما نتوقع أن تطول حتى سلامة أوضاع البنوك والمصارف إلى نتيجة لا يحمد عقباها، فقد انعدمت السيولة المتوافرة لدى مختلف الفعاليات وهو الأمر الذي أدى إلى نتائج كارثية وبالتالي فإنه حريا ببنك الكويت المركزي أن يقوم بشكل فوري بالعمل يدا بيد مع مختلف أجهزة الدولة المعنية بانتشال السوق المالية وإنقاذها من هذه الأزمة ومعالجة أوضاع البنوك، على أن تعمل على إيجاد حلول وسط تكبح جماح التضخم ولكنها لا تؤدي إلى منع احدى الركائز التي تعتمد عليها الشركات والأعمال والتي تتمثل في التمويل الذي يعتبر العصب الأساسي لعمل الشركات، فهل يعقل أن تحول كل المشاريع الحيوية المحتملة وأعمال الشركات دون حصولها على التمويل المطلوب بوقت تنجز فيه الحكومة خطتها الخمسية وتنادي فيه بإلحاح الى المضي قدما نحو تحويل الكويت إلى مركز مالي؟ وفي ذلك تناقض، وتلك أزمة بعينها.
ثانيا: زيادة رؤوس أموال الشركات في ظل شح السيولة بسبب السياسات النقدية.
وكان من شأن توسع الشركات المحلية واختراقها أسواق المنطقة سواء على مستوى بعض المصارف أو شركات الاتصالات أو تلك العاملة في المجال اللوجستي وكذلك العاملة بمجال التطوير العقاري أو الاستثمار في البنى التحتية، حيث تميزت الشركات المحلية بذلك وبعضها نافس الشركات العالمية باقتناص الفرص فكان لابد أن تقابل تلك التوسعات زيادة الحاجة لزيادة رؤوس الأموال والتمويل على حد سواء وهو ما أدى إلى تدافع عدد من الشركات على إقرار زيادة رأسمالها خلال فترة قصيرة، وهو ما أدى إلى تفاقم فجوة السيولة بالسوق، حيث يتضح أن إجمالي المبالغ المستدعية من المساهمين هو 2.7 مليار دينار وهو مبلغ ضخم، هذا وقد أجبر العديد من المستثمرين على بيع اسهم بالسوق لهم للاكتتاب بزيادة رؤوس الأموال تلك، وعلى الأرجح فإن 50% من إجمالي المبالغ المستدعية أي 1.35 مليار دينار قد تم تسييلها من السوق والباقي يتم توفيره من حسابات خارج السوق خاصة فيما يخص المساهمين ذوي الملاءة مثل الأجهزة الحكومية الممثلة للدولة وبعض المستثمرين المقتدرين، علاوة على عامل مهم وهو أن تلك المبالغ المسيلة من السوق والتي تترجم عن طريق عمليات بيع قد تكون عشوائية يصاحبها خروج سيولة إضافية من خلال التدافع بالبيع من قبل مستثمرين لا يساهمون بالشركات الراغبة في الزيادة، وتقدر قيمة مبالغهم التي يتم بيعها بنسبة لا تقل عن 20% من المبالغ التي يتم تسييلها من أجل الاكتتاب بزيادات رؤوس الأموال.
ثالثا: التداول الآجل. لقد كان لعمليات التداول بالسوق الآجل وعدم تقنينها بشكل سليم أثر لا يستهان به في دفع السوق إلى التراجع بشكل كبير، فعندما تبدأ الأسواق بالتراجع بشكل كبير ومتسارع يقوم حملة الأسهم الآجلة في محاولة التخلص من أسهمهم بأسرع وقت ممكن وذلك بهدف الخروج بأقل الخسائر الممكنة وهو ما يساهم بشكل كبير في زيادة موجة الهلع والاضطراب بالسوق، وهو ما حدث تحديدا في الأزمة الحالية، ووفق اعتقادنا أن أحد الحلول الفنية الناجعة هي أن تقوم إدارة السوق بتوسيع ضوابط السوق الآجل والبيوع المستقبلية من خلال وضع حدود لا يمكن تعديها في التداول الآجل محسوبة من رأس مال كل شركة (مثلا 4%)، كذلك وجود ضمانات للسداد تفيد بقوة المركز المالي للمتداول، وتلك القرارات إنما تزيد من الثقة بالسوق وتساعد على حماية صغار المستثمرين.
رابعا: أزمة الرهونات العقارية وتدهور أوضاع المؤسسات المالية العالمية.فعلى الرغم من عدم ارتباط الشركات العاملة بالسوق المحلي بالأزمات العالمية الحالية بأي شكل من الأشكال، وإذا كان هناك أي ارتباط فإنه سيكون محدودا للغاية وذا تأثير محدود وتحديدا على البنوك المحلية فقط التي قد تكون تعاملت بهذه الأدوات. ولكن يتضح من تصريحات المسؤولين في البنك المركزي والبنوك المحلية عدم وجود أي تأثير لهذه الأزمة على أي بنك من البنوك المحلية، فإننا نستطيع أن نقول ونحن مطمئنون إن هذه الأزمة لا ترتبط بالسوق المحلي بأي شكل من الأشكال وإذا كان هناك أي تأثير فهو تأثير معنوي ونفسي، ونستطيع القول بأن هذه الأزمة قد ساهمت بنسبة بسيطة لا تتجاوز 10% في زيادة حالة الهلع والخوف والاضطرابات.
الحلول المقترحة
واقترح التقرير عدة حلول للأزمة الحالية منها ضخ مبلغ من المال يتم توزيعه على المحافظ المالية لأفضل عشر شركات استثمارية من ناحية الأداء على أن يكون المبلغ ما بين 1.0 إلى 1.5 مليار دينار ويتم استثماره من قبل تلك المحافظ وفق قواعد وأطر محددة مثل ضخ تلك المبالغ بشكل مبرمج على فترة زمنية تتراوح ما بين 3 إلى 6 شهور، بالإضافة إلى التركيز على أسهم ذات أداء تشغيلي بعينها وتكون موزعة على عدد من قطاعات السوق، حتى يكون هناك استقرار ونمو طبيعي في وتيرة سيولة السوق لتضفي بذلك توازنا أكبر على حركة السوق، وفي هذا الصدد نذكر إعلان البنك المركزي للإتحاد الأوربي قبل أيام عن ضخه مبلغ 30 مليار يورو توزع على أسواق الأسهم في الاتحاد فيما قام الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بضخ مبلغ 180 مليار دولار في الأسواق المالية الأميركية هذا بخلاف المبالغ التي تم ضخها لانتشال الشركات المتعثرة من أزمة الرهونات العقارية وغيرها والتي تجاوزت مبلغ 200 مليار دولار وهو بصدد أخذ الموافقات اللازمة لضخ 700 مليار دولار إضافية، مع العلم بأنه في الكويت لا توجد بنوك قد أفلست أو شركات تمت تصفيتها ولا يوجد عجز في موازنة الدولة ليخلق هذا الذعر في السوق المحلية، ومن أجل تلك الأزمة التي تطل برأسها على الاقتصاد العام بالكويت وتحديدا على قطاع المصارف والشركات المدرجة، فإننا ندعو الهيئة العامة للاستثمار الى أن تستثمر في سوق الكويت للأوراق المالية الذي يوفر فرصا غير مسبوقة بالوقت الحالي.
ونود الإشارة الى أن الهيئة العامة للاستثمار كانت قد استثمرت سابقا في الصناديق المحلية وبشكل أبرز في العام 2001 وبالرغم من أن الغالبية العظمى من مساهماتها هي مساهمات عينية (أي أسهم شركات مدرجة) حيث لم تشكل المساهمات النقدية سوى 20% من إجمالي مساهمتها والباقي أسهم عينية وهي حصص ببعض الشركات المدرجة والتي تم إيداعها بالصناديق الاستثمارية مخصومة بواقع 5% عن متوسط أسعار آخر 30 يوما لتداول تلك الأسهم، فقد حققت الهيئة أرباحا طائلة من تلك المساهمات تبلغ متوسط 58% على استثمارها كل عام من الأعوام الثمانية التي مضت منذ بداية استثمارها، علاوة على استلامها لأرباح نقدية تعادل ما نسبته 96% من المبلغ الذي تمت المساهمة به في تلك الصناديق (على الأقل في صندوق الوطنية الاستثماري)، ولهذا فعند حدوث انخفاض حاد في السيولة لابد من أن يكون للهيئة دور في إعادة استثمار جزء من سيولتها في السوق لإعادة الثقة فيه.
ثانيا: لا ينبغي علينا في نهاية الأمر أن نسلم بأن تلك الحلول المقترحة أعلاه هي الحلول الدائمة والوحيدة للمشكلة، بل على العكس فهي مؤقتة وذات أثر زمني محدد بقيمة محددة، نحن نعتقد بأنه لابد أن تتبع تلك الإجراءات قرارات مؤسسية تترجم إلى الواقع وتحاكي الخطاب السياسي المحلي بشأن تحويل الكويت إلى مركز مالي وذلك عن طريق تطبيق عدد من الإجراءات التي من شأنها أن تعمل على ترسيخ العمل المؤسسي الذي يفتقده السوق المحلي بشكل واضح، وهنا يكمن دور الهيئة العامة للاستثمار وهي أحد أكبر الأقطاب المالية والاستثمارية بالجهاز الحكومي وأكبر مستثمر في سوق الكويت للأوراق المالية، ومن هنا تتولد مسؤولية جسيمة على عاتق الهيئة في الضغط على الجهات المشرعة بالإسراع في إعطاء السوق الكويتي استقلاليته وأولى تلك الخطوات عن طريق العمل بأسرع وقت ممكن باستعجال إقرار قانون هيئة سوق المال (منشأة بجميع الدول الخليجية منذ فترة) تعنى بأمور سوق المال المحلية بكل مهنية واستقلالية بعيدا عن أية توجهات سياسية.
ثالثا: تقنين عمليات تأسيس الشركات وزيادة رؤوس أموالها من خلال جدول زمني بحيث لا يتم ذلك خلال فترات قصيرة تؤدي الى نقص حاد في السيولة (مثلما هو حاصل حاليا) ويكون ذلك من خلال هيئة سوق المال مستقلا أو وزارة التجارة والصناعة والبنك المركزي بالنسبة للمؤسسات المالية حسب الوضع الحالي التي يجب تنظر الى معدلات السيولة في السوق ومدى جدوى كل شركة يتم تأسيسها أو زيادة رأسمالها.
رابعا: الانتهاء من قانون الخصخصة والذي سيعطي أساسا بدء عملية الخصخصة الحقيقية لمرافق الدولة الأمر الذي سيعطي بعدا أكبر ناحية كفاءة القطاعات الخدمية الإنتاجية للبلاد ومن ثم انعكاس ذلك على سوق الكويت للأوراق المالية التى هي مرآة لمدى نجاح القطاعات الخاصة بالدولة، على أن تشمل تلك العملية خصخصة سوق الكويت للأوراق المالية باكتتاب عام بجزء لا يتعدى 20% منه للأفراد والباقي يتم توزيعه ما بين الهيئة العامة للاستثمار وبعض المؤسسات الحكومية مثل التأمينات الاجتماعية والأمانة العامة للأوقاف والهيئة العامة لشؤون القصر.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )