قد يتوقف نجاح الإنقاذ الوشيك للنظام المالي الأميركي على البنوك المركزية في الصين والشرق الأوسط بقدر اعتماده على الكونغرس الأميركي والاحتياطي الفيدرالي.
إن الولايات المتحدة تلجأ إلى الحكومات الأجنبية وغيرها من المستثمرين من خارج البلاد بغية شراء مبالغ كبيرة في دين الخزينة الذي تصل قيمته إلى 700 مليار دولار والذي سيباع من أجل تمويل الإنقاذ المالي.
كما يطلب أيضا من المستثمرين الأجانب دعم رأسمال المؤسسات المالية المستنفد في البلاد، كما هو جلي من خطة «ميتسوبيشي يو إف جي فايننشال غروب» في اليابان لشراء حصة كبيرة في «مورغان ستانلي»، الذي يتعرض للضغوط جراء الديون الهالكة وانعدام الثقة في السوق.
إنها لحظة حلوة ومرة في تاريخ الاقتصاد الأميركي، بمعنى أن الأهمية المتزايدة للسيولة الأجنبية تمثل نجاح محاولة أميركية دامت نصف قرن للترويج لنظام مالي عالمي تتدفق فيه الأموال ممن يملكها إلى من يحتاج إليها، بغض النظر عن الحدود ولكنها في الوقت نفسه مؤشر واضح وجلي على التراجع الاقتصادي الأميركي.
إن النظام المالي العالمي الذي صممته الولايات المتحدة توقع أن تكون المصارف والمؤسسات المالية الأميركية هي المنقذة المالية للعالم، والآن تبدو هذه المؤسسات كالسباحين المنهكين الذين تفصلهم خطوة أو اثنتاين عن الغرق.
وتظهر الأزمة المالية بوضوح إلى أي حد أصبحت مصالح المصارف المقرضة الأجنبية تحتل أولوية الاهتمامات في واشنطن.
وفي هذا السياق، يقول مسؤولون ماليون أميركيون إن السبب الأبرز الذي دفع بالاحتياطي الفيدرالي والخزانة إلى الإسراع في إنقاذ عملاقي الرهن العقاري «فاني ماي» و«فريدي ماك» هو طمأنة الصين التي تملك تقريبا 1 تريليون دولار من سندات الدين الأميركية، بأن الأوراق المالية الأميركية سالمة.
ومن جهته، يقول وزير الخزانة الأميركي السابق لورانس سامرز: «إن القوى العظمى لا تطلب عادة من ديبلوماسييها طمأنة الأمم الأخرى فيما يتعلق بمسألة الملاءة المالية».
بعد عشر سنوات على إشراف الولايات المتحدة على الإنقاذ المالي لدول آسيوية، تواجه اليوم خطر أن تصبح أكبر مقترض عالي المخاطر في العالم.
لقد كان من الصعب استيعاب هذا التحول في القدر من الناحية السياسية.
وفي خطابه التلفزيوني يوم الخميس، عزا الرئيس الأميركي جورج بوش الابن الأزمة المالية الحالية إلى «المبالغ الطائلة من الأموال التي تدفقت إلى الولايات المتحدة من المستثمرين الأجانب»، أكثر منه إلى القرارات الجشعة للمقرضين والمقترضين بموجب الرهن العقاري في الولايات المتحدة.
لقد كانت الأمم القوية تعتمد قبلا بشكل مفرط على رأس المال الأجنبي.
وأشار المحلل الاقتصادي في «مجلس العلاقات الأجنبية» براد سيستر إلى أن بريطانيا أرغمت على وضع حد لسيطرتها على قناة السويس في العام 1956 بسبب المعارضة الأميركية.
وكان سلاح واشنطن الرئيسي: تهديدها بتخفيض الدعم المالي عن لندن التي تضرر اقتصادها من الحرب العالمية الثانية.
وتجدر الإشارة إلى أن حالة الولايات المتحدة لا تبدو بالسوء الذي كانت عليه بريطانيا بعد الحرب.
فهي لاتزال الدولة العظمى الوحيدة من الناحية العسكرية في العالم ولاتزال العملة الأميركية هي السائدة.
وتشكل هذه الأخيرة أهمية لأنه وإن ازداد حجم الديون الأميركية التي يملكها الأجانب، وهو الأمر المرجح، فإن الولايات المتحدة هي الوحيدة التي تصدر الدولارات الضرورية لدفع هذه الديون.
ولكن مع ذلك، يتمتع المقرضون الأجانب بقدر كبير من التأثير في السوق.
فإذا كانوا سيتخلون عن الدين الحكومي الأميركي – أو لا يرغبون في شراء المزيد – فسترتفع معدلات الفائدة الضرورية لجذب مشتري سندات الخزينة.
وعندها، سيكون على الاقتصاد الأميركي الهش حاليا استيعاب ضربة أخرى.
إلى ذلك، فان من غير المرجح أن تتخذ الصين والسعودية وغيرهما من كبار حملة سندات الدين الأجانب تدابير مضادة للدولار خاصة وأنها تملك الكثير من أوراق الدين الأميركية.
وإلى المدى الذي يتراجع فيه الدولار كذلك ستفعل قيمة مشاركة هذه الدول.
إشارة إلى أن السيد سامرز يطلق على هذه الحالة تسمية «ميزان الرعب المالي».
إلا أنه من السذاجة الافتراض أن هذا «الميزان» سيحمي المصالح الأميركية إلى ما لا نهاية.
فقد أعرب كبار المحللين الاقتصاديين الصينيين عن ازدياد القلق من آفاق الدولار كما قد يدفع إدخال دين إضافي بقيمة 700 مليار دولار بقيمة العملة إلى التراجع أكثر أقله في المدى القريب.
وفي هذا السياق، يقول أندي كزاي، محلل اقتصادي مستقل في شنغهاي: «أعتقد أن الحكومة الأميركية كانت تخدع الأجانب».
من جهة أخرى، جلست صناديق الثروات السيادية – وهي صناديق استثمار حكومية كبيرة – مكتوفة الأيدي بدلا من شراء المزيد من الحصص في المؤسسات المالية الأميركية.
على سبيل المثال، كانت شركة «تشاينا انفستمنت» حذرة في زيادة استثمارها في «مورغان ستانلي» بعد أن انتقدت بشدة في الصين على خلفية شراء حصص استثمار في شركات مالية أميركية سجلت تراجعا حادا.
وفي الشرق الأوسط أيضا، تذكر صناديق الاستثمار الحكومية في الكويت وقطر وأبوظبي أنها لا تخطط للإسراع إلى نجدة المصارف المضطربة في «وول ستريت».
وفي مؤشر مشجع وحيد للولايات المتحدة، تبحث بعض الصناديق الحكومية الصغيرة مسألة الشراء بأسعار رخيصة في قطاع العقارات والمال والتأمين.
وعليه، قال الرئيس التنفيذي للصندوق البحريني «ممتلكات» طلال الزين، الذي تبلغ قيمته 10 مليارات دولار: «بالنسبة إلى المستثمرين الذين لديهم سيولة ورأسمال قادر على تحمل الصعوبات، يمكنني أن أرى فرصا جيدة».
هذا وقد تمكن الاقتصاد الأميركي من النمو في السنوات الأخيرة على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تدخر الكثير وفي ظل مواجهة الحكومة حالات عجز كبيرة بسبب استمرار الأجانب على الإقراض.
وكانت هذه هي الحال في الثمانينيات.
واليوم، تحتاج الولايات المتحدة إلى أن تستمر رؤوس الأموال الأجنبية في الإقراض.
ويقول مدير «معهد بيترسون للاقتصاديات الدولية» فريد برغستن، وهو مركز دراسات وبحوث في واشنطن، إن الخزانة سيكون عليها تنظيم «عروض ترويجية» من أجل شرح خطة الإنقاذ المالي إلى المقرضين الأجانب الذين قد يكونون يفكرون في الاستثمار باليورو بدلا من الدولار.
محليا، إن الاعتماد على المال الأجنبي يعني خسارة السياسة النقدية الذاتية التي سيكون على الأميركيين ببساطة الاعتياد عليها.
إشارة إلى أن جزءا من التكيف قد بدأ بالفعل.
كما انعكس الجدل بشأن استثمارات صناديق الثروات السيادية.
ففي العام الفائت، انتاب القلق المشرعين من أن تكتسب الصناديق تأثيرا سياسيا من خلال الاستثمار في الشركات الأميركية، واليوم هم قلقون من عدم شراء هذه الصناديق حصصا جديدة.
هذا وقد تخسر الجهود لوضع قيود على التجارة الأجنبية أيضا زخمها.
إن الولايات المتحدة بحاجة إلى الأموال العالمية أكثر مما اعتقدت ولن ترغب في استفزاز المقرضين المحتملين.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )