زكي عثمان
أكد وكيل وزارة التجارة والصناعة رشيد الطبطبائي ان الكويت تعيش وفق اقتصاد يتسم بالمتانة مما مكنها من السيطرة على آثار الازمة المالية العالمية التي ضربت اسواق العالم ومنطقة الخليج، مشيدا في ذلك بالاجراءات التي اتخذتها الوزارة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وتجاوز تلك الازمة.
جاء ذلك في كلمة الطبطبائي التي القاها نيابة عن وزير التجارة والصناعة احمد باقر في افتتاح المؤتمر الدولي الثالث للاقتصاد الاسلامي الذي نظمته دار الرقابة للاستشارات الشرعية تحت عنوان «تداعيات الأزمة المالية العالمية الراهنة وآثارها السلبية» حيث قال ان العالم يعيش اليوم في ازمة مالية عالمية امتدت آثارها السلبية الى جميع القطاعات، مبينا ان هذا الانهيار قد جاء لأسباب متراكمة ادت الى وقف العجلة الاقتصادية لدى الكثير من شركات التأمين والبنوك كما انعكس ذلك على الركود الاقتصادي لبعض الدول وخطر الكساد.
واضاف الطبطبائي ان الكويت سعت منذ فترة لتقليل التأثير المترتب من تلك الأزمة عليها وذلك من خلال خطط الإصلاح لسد الثغرات في قروض البنوك خاصة ان هناك دولا قامت بضخ سيولة كبيرة للمحافظة على النظام المصرفي فيها لتخفيف حدة الأزمة العالمية.
وبين الطبطبائي ان الحكومة سارعت بالتدخل، حيث قامت بمتابعة تلك الأزمة وتشكيل فريق عمل لعلاج تلك الأزمة ودراستها سعيا لاقتراح السياسات المطلوبة لمواجهة الآثار السلبية الناتجة عن تلك الأزمة وتداعياتها.
وذكر ان الاقتصاد الإسلامي قد اثبت نجاحه في البنوك والشركات الإسلامية وقدرته على تقديم البدائل الاستثمارية والتمويلية المناسبة وهو ما شهد به اقتصاديون غربيون، مطالبا الباحثين والمشاركين في هذا الحدث بابراز معالم الاقتصاد الاسلامي وتقديمه بصورة يمكن تطبيقها على اقتصادات الدول، وموضحا ان الكويت تقف في مصاف الدول الرائدة بالعمل الاسلامي، حيث تحتل المرتبة الثانية خليجيا من حيث الاصول الاسلامية فيما تحتل المرتبة الأولى عالميا من حيث عدد المؤسسات والشركات الاسلامية العاملة في هذا المجال.
وقال ان انعقاد المؤتمر في هذا الوقت وفي ظل تداعيات الأزمة المالية العالمية وآثارها المستمرة، سيساهم في البحث عن الدروس المستفادة من تلك الأزمة وكذلك في البحث عن البدائل وصياغتها في صورة قرارات وتوصيات تخدم النشاط الإسلامي.
تقييم أسلوب الاستثمار
من جانبه قال رئيس المؤتمر أ.د.محمد الطبطبائي ان انتشار الربا في المجتمعات وظلم الغني للفقير وغش التاجر وجشع العامل وخيانة المتولي اجتمعت لتؤدي الى تلك الازمة المالية العالمية، مبينا ان توالي تلك الازمات التي تمر بالافراد والدول تؤكد ان الحياة هي دار ابتلاء وليست دار ركون.
واضاف ان تلك الازمة فرصة تاريخية يجب ان يقف العالم على آثارها من خلال تحليل واستنتاج الدروس التي تضيف للاقتصاد الاسلامي والعاملين فيه في المجالين الشرعي والمالي خيرة ودراية، مؤكدا ان تلك الازمة تفرض علينا التوقف لتقييم اسلوب الاستثمار والاستهلاك وان نضع القيود الشرعية والاقتصادية التي من شأنها تحقيق ضمان اكبر لاموال الناس ومدخراتهم.
واوضح ان ابن خلدون قد بين في مقدمته خطر كساد الاسواق، فقالك تكسد الاسواق لفساد الآمال، وان الرعايا اذا قعدوا عن تثمير اموالهم بالفلاحة، والتجارة، نقصت وتلاشت بالنفقات، وكان فيها تلاف احوالهم.
وقال: «ان الدولة والسلطان هما السوق الاعظم للعالم، ومنه مادة العمران، فاذا احتجن السلطان الاموال او الجبايات، او فقدت، فلم تصرف في مصارفها، قل حينئذ ما بأيدي الحاشية والحامية، وانقطع ايضا ما كان يصل منهم لحاشيتهم وذويهم، وقلت نفقاتهم جملة، وهم معظم السواد، ونفقاتهم اكثر مادة للاسواق ممن سواهم، فيقع الكساد حينئذ في الاسواق، وتضعف الارباح في المتاجر، فيقل الخراج لذلك، لان الخراج والجباية انما تكون من الاعتمار والمعاملات، ونفقات الاسواق وطلب الناس للفوائد والارباح، ووبال ذلك عائد على الدولة بالنقص، لقلة اموال السلطان ـ حينئذ ـ بقلة الخراج، فان الدولة كما قلناه هي السوق الاعظم، ام الاسواق كلها واصلها ومادتها في الدخل والخرج، فإن كسدت وقلت مصارفها فأجدر بما بعدها من الاسواق ان يلحقها مثل ذلك، واشد منه، وايضا فالمال انما هو متردد بين الرعية والسلطان منهم اليه ومنه اليهم، فاذا حسبه السلطان عنده فقدته الرعية، سنة الله في عباده.
وفي ختام كلمته توجه الطبطبائي بالشكر الى الجهات الراعية للمؤتمر وهي شركة النار للاستثمار ومعهد الدراسات الاقتصادية الاسلامية وجريدة «الأنباء» وجريدة الرؤية وقناة cnbc عربية.
الجلسة الاولى
وعقب انتهاء انشطة افتتاح المؤتمر عقدت جلسة العمل الاولى التي حاضر فيها كل من أ.د.عجيل النشمي وأ.د. سعد الدين الهلالي وأ.د.حمزة الفعر، حيث اوضح النشمي في ورقة عمل تحت عنوان «البديل الاسلامي للاستثمار والتمويل للنظام الاقتصادي العربي» ان الازمة المالية العالمية التي يعيشها العالم قد اصبحت حديث كل العلماء والمختصين وغير المختصين، مؤكدا ان ما نراه الآن هو نتاج للحروب والنزاعات والازمات في مختلف انحاء العالم نتيجة الخروج على احكام الشريعة الاسلامية والبعد عنها ومخالفتها.
واضاف ان الازمة المالية العالمية لم تبدأ بما يسمى بالرهون العقارية، وإنما سبق ذلك استشراء الربا منذ تأسيس البناء المالي والاقتصادي، فالمشكلة أو الداء الفتاك كان موجودا، ولكن الهزات المالية العالمية لا تحدث بين سنة وأخرى، وإنما تأخذ دورتها وتناميها فتعم البنية وتبلغ القمة والذروة حتى إذا أذن الله بالمحق المتوعد به أتى الربا على البنيان من القواعد، أتى على المظاهر الفارهة والبنية الاقتصادية الحرام كلها وتبين عندئذ لكل ذي عينين أن تلك الحضارة الرأسمالية والشركات العملاقة والدول الحامية لها والراعية للربا إنما كانت ترعي امبراطورية الظلم والإرهاب وقد جعلت من نفسها راعية للحضارة والديموقراطية وهي على الحقيقة محور الشر بل الشر كله.
وما ومن كان هذا واقعه فالسقوط مصيرة حتما إما سقوط ماحق مهلك أو استدراك عاجل في الوقوف صفوفا لمحاربة الربا وسدنته اليهود.
واشار إلى أن النظام المالي والاقتصادي العالمي ولد وهو يحمل داء أو ڤيروس موته، وهو الربا الداء الذي لا طب له، فقد قام هذا الاقتصاد الحديث على أساس الربا ولا مراء، كما أسس النظام الاجتماعي على اساس الحرية المطلقة، وهما اساسان كفيلان ومتكفلان بانهيار الأفراد والامم والدول ايضا، وهذا كان حال حضارات سادت ثم بادت.
ولم يكن الربا في حركة رؤوس الاموال دولة بين الاغنياء على حساب الفقراء والمجتمع فحسب، بل تغلغل الربا في كل مفاصل الاقتصاد حتى جرى فيه مجرى الدم من الجسد.
وعن بداية الأزمة المالية العالمية، قال النشمي انها بدأت عندما طالب المستثمرون الدوليون بحقوقهم لدى شركات التأمين ولم يكن لديها ما يغطي تلك المطالبات ومن ثم اعلنت افلاسها.
وتبعها الكثير من البنوك والمؤسسات المالية، فمن تأميم لشركتي الرهن العقاري «فاني ماي، وفريدي ماك» إلى إفلاس مصرف «ليمان براذرز»، والذي سجل بإفلاسه أكبر عملية إفلاس في التاريخ الأميركي، إلى سيطرة الحكومة الأميركية على 80% من شركات التأمين «إيه آي جي» مقابل قرض بقيمة 85 مليار دولار لدعم سيولة الشركة، وبعدها انهار بنك الإقراض العقاري «واشنطن ميوتشوال» الذي تم بيعه إلى بنك «جي بي مورغان» بعد أن سيطرت عليه المؤسسة الاتحادية للتأمين على الودائع وهي مؤسسة حكومية تقدم خدمة التأمين على ودائع عملاء البنوك والمؤسسات المالية في الولايات المتحدة الأميركية، ولم تقف تداعيات الازمة عند حدود أميركا بل تخطت المحيط لتصيب بلهبها معظم دول العالم المرتبطة باقتصاد اميركا.
وعلى هذا الصعيد علقت قرابة 70 شركة رهن عقاري اميركية عملياتها واعلنت افلاسها او عرضت للبيع منذ بداية العام الماضي 2006 وحتى الآن، وذكرت شركة «كونتري فاينانشيال» أن مصاعب سوق الرهن العقاري اصبحت تهدد ارباحها ووضعها المالي جديا، واخيرا اعلنت شركة «هوم مورتجيج إنڤستمنت» إفلاسها، وانخفضت الايرادات ربع السنوية لشركة «تول بروذرز» العقارية، واعلنت شركة هوم ديبو العاملة في المجال العقاري توقع تراجع أرباحها ايضا بسبب تراجع سوق العقارات السكنية.
تأثيرات الأزمة
من جانبه استعرض د.سعد الدين الهلالي في ورقة عمل بعنوان «تأثيرات الربا على الأزمة المالية العالمية الراهنة» الأزمة العالمية واثرها على الاقتصاد العربي، حيث كشفت تلك الازمة عيوب النظام الرأسمالي، فضلا عن هشاشة الجهود الاميركية لعلاج المشكلة الداخلية لديها والتي انعكست على العديد من دول العالم.
وبين ان اهم نقاط الخلل في النظام الرأسمالي وموقف الشريعة الاسلامية منها يتمثل في:
الحرية في النظام الرأسمالي دفعت اصحابها الى ترك الوظائف حتى وجدنا 750 ألف مدين للبنوك قد تركوا وظائفهم خلال الشهور التسعة الأولى من 2008 لضمان اعانة البطالة وعدم تشربهم ثقافة تسديد الديون لمراعاة حق الغير دون خوف من القانون، اما الشريعة الاسلامية فتوجب على كل قادر ان يعمل حتى آخر نفس، وتخصص الزكاة للفقراء ونحوهم دون القادرين على العمل الا لعذر.
الحرية في النظام الرأسمالي دعت الى مجتمع التملك للعقارات، والاسهم وغيرها دون مال، وانما عن طريق الاستدانة، فشركات الاستثمار تقترض وتبني وتبيع، والافراد يقترضون ويشترون ويرهنون، فلا تملك الشركة رأسمالها ولا يمتلك الافراد ما اشتروه، لان كل ذلك مرهون عند المقرضين، اما الشريعة الاسلامية فانها تمنع التعامل في غير المملوك في الجملة.
الحرية في النظام الرأسمالي دعت الى توريق الديون، اي بيعها عن طريق تحويل رهونها الى سندات ثم بيع تلك السندات، وهي في الحقيقة ليست سندات ملكية وانما سندات ديون، ولم تكتف الحرية الرأسمالية بذلك وانما ادارت هذه العملية اكثر من مرة فيما يعرف بالمشتقات فتراكمت الديون على اصل واحد.
اما الشريعة الاسلامية فانها تمنع بيع الدين بالدين، وتجعل بيع الدين غير جائز الا ان يكون بسلعة لاغلاق ملف الديون، لان بيع الديون بالنقود (وهي ديون) يسلسلها ولذلك جاء النهي عنها.
تدابير احترازية
عن ابرز التدابير الاحترازية لحماية الاقتصادين المصري والعربي من اذى النظام الرأسمالي، قال الهلالي انها تتمثل في:
انشاء كيان اقتصادي افريقي كبير يستطيع منافسة الكيانات الاقتصادية الكبرى، وهو طلب الرئيس حسني مبارك في كلمته امام القمة الثلاثية الافريقية في 22/10/2008 بانشاء «كيان اقتصادي كبير على مستوى القارة الافريقية يستطيع مجاراة التكتلات الاقتصادية القائمة مثل الاتحاد الاوروبي التي اصبحت كيانات اقتصادية وتفاوضية كبيرة».
انشاء كيان اقتصادي عربي اسلامي كبير وتفعيل مشروع السوق العربية المشتركة.
التوسع في البنوك الاسلامية التي لا تتعامل بالربا او الغرر، حيث بدأت الدول الاوروبية في الاتجاه نحو التوسع في انشاء البنوك الاسلامية عقب الازمة المالية 2008 وصعوبة الحصول على تمويل من البنوك التجارية التقليدية، وقد ذكرت صحيفة «هيرالد تريبيون» ان البنوك الاسلامية اصبح لها تواجد في بريطانيا والمانيا واستطاعت الاندماج في نظم تلك الدول المالية اضافة الى انه بدأ السماح للمسلمين في فرنسا بالاستثمار تحت لوائح ونظم تتفق مع الشريعة الاسلامية، واشارت الى ان حجم التعامل في سوق البنوك الاسلامية يمثل من 500 مليار الى تريليون دولار وهو ما يمثل 5% فقط من اجمالي التعاملات في سوق البنوك في اوروبا، واضافت ان البنوك الاسلامية لديها فرصة هائلة للنمو في السنوات المقبلة خاصة ان المسلمين يشكلون سدس سكان العالم، وقدر صندوق النقد الدولي الزيادة السنوية في حجم تعاملات البنوك الاسلامية بنسبة تتراوح بين 10% و15% سنويا، واشارت الصحيفة الى ان البنوك الاسلامية لا تدخل في استثمارات تتعلق بمشروعات لانتاج المواد الكحولية او الاسلحة او الادخنة او الافلام الاباحية على خلاف الاستثمارات في البنوك التجارية التقليدية.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )