أوضح تقرير صادر عن مركز الجمان للاستشارات الاقتصادية عن سوق الكويت للأوراق المالية ان مسلسل استمرار التراجع في البورصة والذي بدأ في أغسطس، حيث انخفض المؤشر الوزني بمعدل 9% خلال نوفمبر الجاري، وقد صاحب هذا الانخفاض تراجع حاد في متوسط التداول اليومي، والذي بلغ 86.3 مليون دينار مقابل 153.6 مليون دينار في شهر أكتوبر، أي بمعدل انخفاض بلغ 44%، ويرجع الانخفاض في مؤشري الأسعار والتداول إلى اشتداد حدة القلق حول عدة متغيرات محيطة بالبورصة، ومنها أزمة القروض لشريحة من الشركات خاصة الاستثمارية منها، وأيضا الصدمة التي أحدثها انكشاف شريحة كبيرة من الشركات الورقية، ناهيك عن التوترات السياسية المحلية، بالإضافة إلى متغيرات عالمية، خاصة فيما يتعلق بتدهور أسعار النفط ومفاعيل الأزمة المالية العالمية، وتجدر الإشارة إلى أن المؤشر الوزني تراجع منذ بداية العام الحالي حتى تاريخ إعداد هذا التقرير بمعدل 33.5%.
مكابرة واضحة
وبين التقرير انه وبالرغم من الوضوح الكبير في تورط مجموعة من الشركات في قروض متعذر سدادها، إلا أن بعض تلك الشركات تكابر وتنفي وقوعها في أزمة، بل إنها تطلق تصريحات جسورة بأنها ستؤسس، وستستحوذ، وتسوق، وستقتنص، إلى آخره من التعبيرات التي تهدف إلى إيهام العامة بأنها مازالت في عنفوان نشاطها وأوج تألقها، حيث نعتقد أن هذه الحالة يمكن تشبيهها بالنزع الأخير قبل الموت، وهذا ما سيحدث تماما لشريحة من الشركات التي تتكلم دائما عن الربح وتخرس عن الحديث عن المخاطرة المرتبطة بذلك الربح، وهذا ما يجب أن ينتبه إليه فريق معالجة الأزمة، وذلك من حيث عدم مكافأة تلك الشركات ذات الإدارات الفاسدة وغير المسؤولة بإنقاذها، بل يجب تركها تفلس وتغرق لتطهير المجتمع الاقتصادي ومؤسساته من الأوبئة والجراثيم التي ترعرعت وتكاثرت في كنف مجموعة من الشركات الفاسدة والفاشلة.
واضاف التقرير ان المركز سبق وان حذر أكثر من مرة في نهاية العام الماضي، وكذلك عدة مرات خلال العام الحالي من الاحتمال القوي لانخفاض البورصة بشكل ملحوظ لعدة مبررات موضوعية، ونكاد نكون الوحيدين الذين أصدروا التنبيهات والتحذيرات عن الأداء السلبي للبورصة، وذلك قبل حدوثه، والذي كان محل نقد من جانب معظم المهتمين في سوق المال سواء كانوا مؤسسات أو أفرادا، وقد ساهمت تحذيراتنا – بشكل أو بآخر – في كبح الارتفاع الجنوني للبورصة، وذلك على خلفية التداولات الوهمية والأسعار المصطنعة، حيث نعتقد بافتراض عدم اطلاقنا للتحذيرات المتكررة، فإننا لا نستبعد وصول المؤشر السعري إلى ما يزيد عن الأرقام القياسية التي حققها فوق مستوى 15.500 نقطة، وذلك إلى مستوى قريب من 20 الف نقطة، وبالتالي يكون السقوط أو الانهيار بحجم الكارثة الكبرى عند وصوله إلى مستويات 8500 نقطة، ولا شك في أن تحذيراتنا كانت موثقة ومعروفة للجميع، حيث تم إثارة ضجة كبرى عند اصدراها، والتي تبين فيما بعد أن توقعاتنا في محلها تماما، كما يجب أن نشير إلى أنه على الرغم من تحقق توقعاتنا بما يتعلق بأداء البورصة خلال 2008 ولو جزئيا، إلا أن توقعاتنا ليست صائبة دائما وهذا أمر منطقي، وذلك على الرغم من الجهدين المهني والعلمي اللذين تستند اليهما.
إعادة الثقة
وأشار التقرير الى أن من متطلبات إعادة الثقة المفقودة لسوق المال جراء المتغيرات المحلية والعالمية هو المزيد من الشفافية، وقد بادرت عدة بنوك بإعلان نتائجها لشهر أكتوبر الماضي، أي بعد إصدار نتائج الربع الثالث المنتهي في سبتمبر، وقد كانت تلك النتائج مطمئنة إلى حد بعيد، والتي تؤكد عدم تعرض تلك البنوك لخسائر استثنائية وكبيرة كالتي تعرض لها بنك الخليج، والتي بلغت نحو 375 مليون دينار، وذلك على أثر عمليات في المشتقات المالية وغيرها، ولا شك في أن موقف البنوك – التي أعلنت طواعية عن نتائجها حتى نهاية أكتوبر – يستحق الإشادة والتشجيع، وعلى النقيض من الخطوة الإيجابية التي قامت بها بعض البنوك بما يتعلق بالشفافية، نجد أن هناك قصورا كبيرا بما يتعلق بالشفافية المطلوبة تجاه أثر تطبيق معيار المحاسبة 39 والخاص بتقييم الاستثمارات المحتفظ بها للمتاجرة في حقوق المساهمين عوضا عن قائمة الدخل، حيث يتطلب الأمر الإفصاح عن الخسائر التي تم تحميلها على حقوق المساهمين، وذلك بمناسبة الإعلان عن النتائج، حيث لا يمكن التعرف على حجم هذه الخسائر إلا بعد مرور أسابيع وربما أشهر حتى صدور البيانات المالية للشركات المدرجة، وذلك بعد فترة 45 يوما المسموح بها بعد نهاية الربع، والذي يرجح تسربها بقوة خلال تلك الفترة الطويلة نسبيا، وذلك من جانب الاطراف العديدة التي تطلع عليها قبل اتاحتها لجمهور المتداولين بالبورصة، مما يؤدي غالبا إلى استفادة البعض من تلك البيانات على حساب البعض الآخر.
وقد طرحنا حلا منطقيا لقصور الشفافية بهذا الصدد، حيث اننا نعلم سبب التأخير في إتاحة البيانات المالية الكاملة، وهو تدقيقها من إدارة سوق الكويت للأوراق المالية بعد إعلان النتائج، حيث إن إدارة السوق ربما تشعر باحتمال حدوث إشكالات عند اتاحتها للبيانات قبل مراجعتها خاصة في حال وجود ضرورة لإجراء بعض التعديلات أو تصويب لأخطاء، حيث اقترحنا فيما سبق – ونكرر اقتراحنا الآن – بأن يتم إتاحة البيانات المالية بالتزامن مع إعلان النتائج، ولكن مع التحفظ بأن تلك البيانات لم يتم مراجعتها بشكل نهائي من جانب إدارة السوق، وذلك كإجراء تحوطي أو احترازي، كما يمكن إصدار إعلان تاي من إدارة السوق يفيد باعتماد البيانات المالية كما نشرت أو بتعديلها وتحديد التعديلات، والتي هي نادرة الحدوث في كل الأحوال، وتنبع مطالبتنا لإدارة السوق باتخاذ ذلك الإجراء نظرا لأهمية البيانات المالية في تحديد وتكوين القرارات المفصلية المتعلقة بتداول الأوراق المالية، ولا شك في أن مطالبتنا هذه قد اكتسبت قوة وموضوعية كبريين على خلفية التطبيق الجديد للمعيار 39 كما أسلفنا.
الممارسات السلبية
وتطرق التقرير الى وجود شبهات وتلاعبات مازالت مستمرة فيما يتعلق بسوق الكويت للأوراق المالية، حيث تبين من التحقيقات التي تم إجراءها بما يتعلق بالمشتقات المالية التي تم تداولها في بنك الخليج، أن أكثر من شركة مدرجة وجميعها شركات غير استثمارية قد تكبدت خسائر كبيرة من تلك الأداة المالية الخطرة، حيث يحق لنا ولغيرنا التساؤل: هل يحق لشركة عقارية أو صناعية المتاجرة بالمشتقات قانونا أو منطقيا؟ طبعا الإجابة بالنفي، حيث انه ليس من اختصاص تلك الشركات القيام بعمليات الاستثمار المالية بشكل عام، والمشتقات بشكل خاص حيث لا تستطيع إدارة تلك العمليات الخطرة والمعقدة إلا الشركات الاستثمارية المحترفة، وليس لأي شركة استثمار، فما بالكم أن تقوم بتلك العمليات شركات عقارية أو صناعية.
ومن التجاوزات الصارخة مؤخرا عدم التزام بعض الاطراف ومنها شركات مدرجة بسداد ثمن مشترياتها من الاسهم في البورصة، وذلك بمبالغ كبيرة وصلت إلى ملايين الدنانير، ويرجع هذا الوضع الخطير إلى استهتار تلك الشركات واستمرارها في العبث في التداول بيعا وشراء، خاصة عمليات الشراء الوهمية والمتفق عليها سلفا لدعم أسعار الاسهم ذات الصلة لإنقاذها من الانهيار المحتوم، وذلك في مقابل شح السيولة وانقطاع خطوط الائتمان، كما تتحمل مكاتب الوساطة مسؤولية كبرى في هذا الاشكال، وذلك لعدم تأكدها من ملاءة عملائها.
من جهة أخرى، يروج البعض ومن خلال بعض الصحف إلى عزم الهيئة العامة للاستثمار لشراء 10% من أسهم جميع الشركات المدرجة، والذي يفوق حاليا عددها 200 شركة، وذلك في محاولة ممن يروج لتلك «الهرطقات» لرفع الروح المعنوية للمتداولين والحد من انهيار الاسهم الورقية والمتعثرة، حيث انه من غير المنطقي قيام الهيئة العامة للاستثمار ببعثرة أموال الاجيال القادمة على إنقاذ شركات في طريقها للإفلاس، أو شركات ورقية ليس لها إدارة أو موجودات حقيقية، حيث يجب الانتباه لتلك الاخبار الكاذبة، والتي تهدف إلى توريط المزيد من المتداولين في أسهم شركات زائلة، وذلك حتى يخرج منها من يقف وراء تلك الهرطقات السخيفة.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )