محمود فاروق
تشهد الأسواق الخليجية ظاهرة جديدة تعد ضمن التغيرات الطارئة التي حدثت في البورصات حيث بدأت بعض الشركات المدرجة بالأسواق في دراسة هجرتها الى اسواق ذات ملاءة أمنية واستقرار متزايد وبعيدة عن التضارب في القرارات والصراعات لتغلق احدى جبهاتها التي فتحتها خلال الأعوام الماضية بغرض توسعات استراتيجية الا انها لم تقم بها جراء الأزمة الاقتصادية العالمية.
وبالفعل بدأ مسلسل هجرة الشركات الى الأسواق الآمنة المستقرة الى حد ما حيث قررت شركة شعاع كابيتال بناء على موافقة جمعيتها العمومية ايقاف ادراج اسهمها في سوق الكويت للأوراق المالية اعتبارا من يوم 1 يناير 2009 على ان يستمر ادراجها في سوق دبي المالي.
وبالاشارة الى تلك الشركة التي رأت ان تغلق احدى جبهاتها المالية على الرغم من ان القرار قد يعرضها لخسائر مالية او فقدان توازن لفترة زمنية قد تكون طويلة نظرا للتساؤلات التي ستطرح على الشركة جراء ذلك القرار الا ان الشركة كانت لها اسباب قوية استدعت بها ذلك القرار سواء كان لقلة التداول على سهمها او لأسباب استراتيجية تستدعي عدم الازدواجية في الادراج خلال المرحلة الحالية.
ومن جهة أخرى، رأى خبراء ومحللون اقتصاديون ان ما تشهده الأسواق الخليجية من حالة بعيدة عن الاستقرار والتوتر وسوء الحالة النفسية لدى أغلب المتعاملين يستدعي التركيز في جبهة واحدة حفاظا على الوضع المالي للشركة واسهم المساهمين والتي باتت عرضة للانهيار جراء فقدان الثقة بمسؤولي الشركات المدرجة.
ويعد انتقال شركة مدرجة بالبورصة الكويتية الى بورصة أخرى بداية حقيقية، لموسم هجرة الشركات لـ 2009 حيث يحمل في طياته المزيد من الحساسية بين البورصات الخليجية وتوقع الخبراء ان القرار سيشجع الكثير من الشركات على نقل ادراجها الى البورصات سواء كانت بالخليج او بأوروبا.
ومن ذلك المنطلق رصدت «الأنباء» ظاهرة هجرة الشركات المدرجة الى الأسواق الخليجية وتداعيات ذلك القرار وما يحمله من نقاط اضافية للشركة المنتقلة والعيوب التي لحقت بها.
حيث رأى بعض الاقتصاديين ان الانتقال من الممكن ان يعطي دفعة قوية للمركز المالي للشركات صاحبة الانتقال من بورصة لأخرى اضافة الى تطبيق المعايير الدولية التشريعية والمحاسبية فضلا عن معايير الحوكمة حيث سيساعد ذلك بدوره على استقطاب المزيد من المستثمرين الأجانب في تلك الأسواق.
خاصة في سوق دبي الذي استطاع أن يرسم استراتيجية تاريخية بعيدا عن الاعتماد على النفط والتركيز على الخدمات والتجارة حتى أصبح يشكل القطاع النفطي 95% من ناتجها المحلي الاجمالي، اضافة الى الاعلانات المميزة اذ انفقت مليارات الدولارات للترويج لشركاتها ومؤسساتها حول العالم، حيث تحتل كل عام صدارة المؤسسات العربية لجهة حجم انفاقها على الاعلان، حيث تجاوز حجم الانفاق الاعلاني ما يصل الى مليار ونصف المليار دولار بزيادة قدرها 22% عام 2007 مع توقعات بان يزداد معدل الانفاق خلال 2009.
وحول تلك الظاهرة سلطنا الضوء ايضا على الاسواق المرغوب في الانتقال اليها خلال موسم هجرة الشركات المدرجة في 2009 والتفاصيل في التحقيق التالي:
بداية قال مدير عام شركة الرائدة للمشاريع محمد أبوالجبين ان التأخر في اتخاذ القرارات والصراعات بين السلطات والروتين جميعها عوامل دفعت العديد من الشركات المدرجة الى دراسة الانتقال من سوق لآخر به تسهيلات تساهم في استقطاب الشركات، وستترتب على ذلك آثار سلبية عديدة ابرزها انعدام التنمية الاقتصادية وانخفاض نسب التطور في الجوانب الحياتية المختلفة، بالاضافة الى عودة المعاناة من هجرة رؤوس الاموال تزامنا مع هجرة الشركات المدرجة الباحثة عن الاجواء الاستثمارية المستقرة والمناسبة لاستثماراتها ذات العوائد الجيدة.
وذكر ابوالجبين ان الشركات الاستثمارية بالكويت تبحث عن الفرص الحقيقية التي من شأنها تحقيق عوائد مرتفعة لمساهميها وليس من اجل اطلاق مسمى ادراجها في سوق آخر وبحث عن الشهرة كما يقول البعض.
حالة مزاجية
وفي نفس السياق، كشف مدير عام شركة العيبان والقطامي للملكية الفكرية والاستشارات الاقتصادية طارق شعشاعة عن المنعطف الخطير الذي يقف امام الاقتصاد الوطني خلال المرحلة الحالية اذا استمر اتخاذ العديد من القرارات الاقتصادية دون الاعتماد على القوانين والتشريعات، بل تعتمد على الحالة المزاجية للاشخاص الامر الذي عرقل العديد من المشروعات الاستثمارية التي تمتلكها الشركات المدرجة في الوقت الذي تفتح الاسواق الخليجية والاوروبية أذرعها لاستقبال الشركات الكويتية، حيث يفتح سوق دبي المالي ابوابه لجميع الشركات الطالبة للادراج بتسهيلات ومرونة في التعامل بعدما هربت من سوء الاحوال الاستثمارية الداخلية في البلاد.
مؤكدا ان البلاد تعاني من انعدام الاجواء التنافسية أو الشيء الذي يتم التنافس عليه.
ودعا شعشاعة الى ضرورة الاسراع في الارتقاء بالأسواق من خلال السماح للاستثمار الأجنبي لتنويع وتوسيع قاعدته الاستثمارية والاسراع في عمليات الرقابة المطلقة على الاقراض من قبل القطاع المصرفي والتشجيع ايضا على اصدار السندات من قبل الشركات الكبرى لتوفير ادوات استثمارية جيدة.
مشددا على ضرورة تشجيع المستثمرين على حضور الدورات الاقتصادية والتي تعمل بدورها على نضوج المستثمر وحسن مساهمته في الأسواق المالية.
البيروقراطية الاقتصادية
ومن جهة اخرى، قال الخبير والباحث الاقتصادي في ادارة المحافظ والصناديق الاستثمارية محمد عبدالله الحبيب ان البيروقراطية في اتخاذ القرارات الاقتصادية اثرت على العديد من الشركات الاستثمارية المدرجة سواء ببورصة الكويت او غيرها مما اغلق البوابات الاقتصادية للبلاد.
مبينا ان النفور من القرارات اصبح الصفة الغالبة على العديد من الشركات المدرجة في شتى القطاعات رافضة البيروقراطية والتعقيدات الكثيرة في القرارات والطلبات، الأمر الذي افقد البلاد المستثمر الأجنبي وهروب رؤوس الأموال الأجنبية خارج البلاد، وأوضح الحبيب ان الامور الاحترازية، تعد أمرا ضروريا ولكن يجب ان تكون في حدود المعقول، وتوقع ان يكون عام 2009 موسما كبيرا لهجرة الشركات الهاربة من التعقيدات والقرارات الروتينية.
قرارات معقدة
وعلى صعيد متصل قال الخبير الاقتصادي طارق البسام ان السوق الكويتي مليء بالفرص الاستثمارية التي تحتاج الى اقتناصها الا ان القرارات المعقدة هي التي تعرقل العديد من المشاريع الاستثمارية وبدورها تكبد الشركات المدرجة المزيد من الخسائر جراء تأخر العمل فيها.
مشيرا الى ضرورة سد الثغرات في القوانين والتشريعات الحالية واقرار المزيد من القوانين والتشريعات التي تساعد على مرونة الاستثمار من قبل الشركات المدرجة والعمل على إيجاد طرق جديدة لطرح رؤى استراتيجية تمنح الشركات المدرجة مميزات عديدة تستقطب الشركات المدرجة بالاسواق الخليجية الاخرى اضافة الى توسيع قاعدة الشركات المدرجة المحلية ومن ثم العمل على استقرارها، الأمر الذي ينعكس بالإيجاب على البورصة والمتعاملين بشكل عام.
اقتناص الفرص
وفي النهاية لا يبقى سوى المطالبة بسرعة ايجاد طرق لمرونة التعاملات مع الشركات المدرجة وعمل عروض اعلامية لها تساعد على توسيع قاعدتها الشرائية، حيث سينعكس ذلك على اداء الشركة مما يعمل ذلك على ابتعاد فكرة انتقالها الى الأسواق الأخرى واستفادتها من ذلك نظرا لأن ادراج الشركات بالأسواق به مميزات عديدة خاصة في ارتفاع عدد الشركات المدرجة بالأسواق مما يزيد من الاقبال عليها نظرا لما تقدمه من تسهيلات ومرونة في التعامل مع الشركات صاحبة طلبات الادراج.
فعملية انتقال الشركات من سوق لآخر في غاية الأهمية ويجب الاسراع في احتوائها حتى لا يفرغ السوق من الشركات المدرجة وبالتالي يفقد ثقته مما يستدعي تكاتف جميع الجهود لاحتواء الظاهرة حتى لا تطفو على سطح الساحة الاقتصادية وتتفاقم ويصعب الإلمام بها خاصة بعد ان وردت معلومات بقيام العديد من الشركات بدراسة انتقال ادراجها بأسواق خليجية وأوروبية تقدم تسهيلات ومميزات جيدة للشركات طالبة الادراج.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )