تقول الحكمة التقليدية انه من الأفضل في أوقات شح القروض التعامل مع الشركات الكبيرة قبل الصغيرة فالشركات الكبرى تمتلك حيزا أوسع للمناورة ففي متناولها أنماط تمويل أكثر ولديها كمية أكبر من الشحوم التي يمكن التخلص منها وقدرة اكبر على المساومة مع المقرضين.
ومع ذلك فان الحياة أخذت تصبح أكثر صعوبة بالنسبة للوحوش الأكبر في غابة الشركات.
واستنادا الى احدث مسح للاقراض اجراه الاحتياطي الاتحادي الأميركي اخذت البنوك الأميركية تضيق شروط الاقراض للشركات الكبيرة بدرجة اكبر من تضييقها على الشركات الاصغر حجما.
واصبح المقرضون اكثر حذرا مما كانوا عليه على الاقل منذ عام 1990.
والوضع ذاته ينطبق على البنوك الاوروبية.
اما بنوك الاسواق الناشئة فهي تبدي حذرا تجاه الشركات المحلية اقل مما تبديه تجاه الشركات المتعددة الجنسيات لأن المقرضين كما يقول مدير بنك في افريقيا لا يعرفون ماذا يوجد على كشوف حسابات تلك الشركات في بلادها.
يضاف الى ذلك ان التقلبات الكبيرة في اسعار الصرف تسبب مصدرا اكبر للقلق.
ويمكن لحسابات نسب التمويل ان تضطرب بسبب التقلبات الكبيرة في اسعار الصرف مما يمكن ان يؤدي الى مخالفة شروط الاقراض.
فعلى سبيل المثال يمكن لخطوط الاعتماد المسعرة بالاسترليني ان تكتشف ان تسهيلاتها لا تكفي نتيجة للانخفاض الاخير الحاد في قيمة الجنيه.
ولكن الامور لم تبلغ حالة الذعر بعد، فمعظم الشركات يمكنها الاستمرار لبعض الوقت بالرغم من اغلاق صنبور الاعتمادات.
وتظهر تحليلات وكالة التصنيف الائتماني «موديز «ان الاغلبية الساحقة من الشركات الأميركية والاوروربية ذات التصنيف المرتفع تمتلك من السيولة والاعتمادات المصرفية غير المستخدمة ما يكفيها للاستمرار عاما آخر من دون الحاجة الى تمويل جديد.
وقد شهدت الايام القليلة الماضية فورة من اصدارات الدين في اوروبا من قبل شركات انتهازية ذات تصنيف عال.
الحكومات ايضا تبذل قصارى جهدها لدعم اسواق الاعتمادات.
وبموجب برنامج الاحتياط الاتحادي لشراء ديون قصيرة الأجل لشركات بلغت حصيلة الديون المشتراة نحو 300 مليار دولار في 26 نوفمبر.
وتعمل بنوك على جانبي الاطلسي على اصدار كميات كبيرة من السندات المدعومة من الحكومة الأمر الذي ينبغي ان يشجع الاقراض.
وفي الوقت الحاضر هنالك هدنة قلقة بين معظم الشركات ومقرضيها.
وكانت بعض البنوك قد قامت بمحاولات مترددة في الخريف للانسحاب من اتفاقيات القروض لأن تكلفة تمويلها ارتفعت بحدة، ولكنها سرعان ما تراجعت.
وتبذل البنوك الآن قصارى جهدها لاقناع الشركات بعدم استنفاد تسهيلاتها الائتمانية الا في حالات الضرورة. ولكن الفترة المقبلة تطرح خيارات صعبة.
فمع تفاقم الاوضاع الاقتصادية وتدني الارباح سيواجه عدد اكبر من الشركات خطر مخالفة الشروط المتعلقة بنسبة الديون الى الارباح غير الصافية.
وفضلا عن ذلك فان جزءا كبيرا من الديون سيستحق في الاعوام القليلة المقبلة.
وهنالك تقديرات بأن ديونا أكثر من تريليون دولار ستحتاج الى اعادة التمويل عالميا في كل عام من الاعوام الثلاثة المقبلة وبشكل رئيسي في أميركا واوروبا.
ومن المؤكد حينئذ ان تزداد المنافسة على القروض بسبب السيل المقبل من اصدارات الدين الحكومي.
ويريد مدققو الحسابات ان يطمئنوا بشأن احتمالات اعادة التمويل قبل وقت كاف مــــــن تواريخ الاستحقاق لكي يتمكنوا من اعطاء الشركة صفة شركة ناجحة.
ونظرا لعدم وجود أي فائدة تذكر من الانتظار فان كثيرين يتوقعون جهودا منسقة من الشركات لاعادة التفاوض على تسهيلات التمويل في اوائل 2009 بعد انتهاء ضغوط نهاية العام.
وفي مواجهة المزيد من طلبات التنازل واعادة التمويل ستستجيب البنوك بشكل انتقائي يميز بين الشركات التي تعاني من ازمة عابرة وغيرها.
وستدفع الشركات المحظوظة ثمنا باهظا لقاء الحصول على اعتمادات، ليـــــس فقط بسبب الارتفاع الحاد في تكلفة الاقتراض، بل ايضا بســـــبب تشديد الشروط.
ومنذ الآن اخذت تعود شروط قديـــــمة الطـــــراز الى بعض المفاوضات، ومنها شرط «تنظيف الحساب «الذي يتطلب من المقترضين تسديد ديونهم بشكل كامل لفترة محددة كل عام.
كما ان على المقترضين ان يثبتوا اتخاذهم لخطوات لتقليص التكاليف قبل ان يتجهوا الى المقرضين لاقراضهم مزيدا من الاموال.
وستكون الآفاق مكفهرة بالنسبة للشركات التي تجد ان الأبواب أخذت تغلق في وجهها.
وبالرغم من الحديث عن مصادر تمويل خاصة فان هذا ليس الوقت المناسب للبدء بإقامة علاقات مع مقرضين جدد اذا كان المقرضون الموجودون غير متجاوبين.
ان شركات كثيرة تدخل الركود الحالي بأصول مقيدة أكثر من حالات الركود السابقة، الأمر الذي يزيد من صعوبة الحصول على اعتمادات جديدة.
كما ان احد السبل المعتادة للحصول على السيولة وهو بيع الأصول بات صعبا جدا. هذا عدا عن ان الكثير من قروض الشركات جرى تحويلها الى اوراق مالية وتوزيعها على مستثمرين كثيرين مما يزيد من صعوبة تفاوض الشركات على اعادة جدولتها.
وفي الوقت ذاته تتزايد بسرعة توقعات التخلف عن السداد، ويتوقع مكتب «بين» للاستشارات ان تتخلف 140 شركة ذات تصنيف ائتماني متدن عن السداد في عام 2010، وهذا أعلى بكثير من التوقع في ابريل الماضي الذي كان 40 - 50 شركة.
والأسوأ من ذلك ان الشركات التي تتخلف عن السداد اصبحت من المرجح اكثر ان ينتهي بها الأمر الى التصفية الكاملة.
وفي أميركا جف تمويل الوصي الدائن الذي يساعد الشركات التي اصبحت تحت الحماية من الإفلاس بموجب الفصل 11 على تلبية احتياجاتها النقدية خلال اعادة تنظيم نفسها.
وكما يقول احد المحللين فإن الفجوة بين ضائقة التمويل وكارثة التمويل اصبحت اضيق بكثير. وكذلك اصبح ايضا الفارق بين الشركات الكبيرة والشركات الصغيرة.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )