الهدوء والموهبة في الخطابة والوعد بأفكار جديدة كانت كلها من العوامل التي أسهمت في وصول باراك أوباما إلى الرئاسة إذ وضع الأميركيون ثقتهم فيه لإنقاذ الاقتصاد من أسوأ أزمة يشهدها منذ عشرات السنين.
والآن يريد الناس وأسواق المال معرفة ما إذا كان بامكانه تحقيق ذلك.
وسيرث أوباما عندما يؤدي اليمين الدستورية رئيسا للبلاد يوم الثلاثاء المقبل كسادا كبيرا ونظاما ماليا مدمرا وسوق إسكان منهارة وعجزا في الميزانيات يصل إلى تريليون دولار.
ويبدأ أوباما عهده بإدراك كامل أن وقف تدهور الاقتصاد هو أولويته الأولى في أول 100 يوم من رئاسته.
ومع اقتراب توليه السلطة ـ إذ لم يبق سوى أقل من أسبوع على خلافته للرئيس جورج بوش ـ يعمل أوباما مع المشرعين على وضع خطة تحفيز مالية قيمتها 825 مليار دولار ونجح في حشد التأييد للدفعة الثانية البالغة 350 مليار دولار من خطة الإنقاذ المالي.
ووعد بعمل سريع لإصلاح النظام الرقابي في وول ستريت الذي ألقي عليه اللوم في أزمة الرهون العقارية عالية المخاطر ومجموعة من المشكلات التي قادت إلى انهيار بنك الاستثمار ليمان براذرز العريق.
ولكن التحدي الأكثر إلحاحا هو ضمان تأكيد تولي مرشحه لوزارة الخزانة تيموثي جيثنر الذي أثار اختياره جدلا بشأن أخطاء في حسابات ضرائبه الشخصية وشكوك بشأن تصاريح العمل لخادمته.
ولكن هناك مهمة أخرى تواجه أوباما وهي إدارة التوقعات الضخمة التي ينتظرها الناس منه.
وقال ويليام كيلور استاذ التاريخ في جامعة بوسطن «التوقعات من إدارة أوباما تجاوزت كل الحدود.
فهو ينظر إليه باعتباره المخلص المحتمل للبلاد بأكثر من طريقة».
وأضاف «وأيا كان ما سيحققه فإنه سيظل أقل من التوقعات الاستثنائية التي ينتظرها الناس منه».
وقال روس بيكر استاذ العلوم السياسية في جامعة روتجيرز إنه حتى إذا تم تمرير خطة الإنقاذ بسرعة فإن أثرها لن يظهر قبل عدة أشهر. وأضاف «الاقتصاد لا يستجيب للصدمات الكهربائية.
الناس تتصور أن بالإمكان قيادته وإعادته ببساطة إلى مساره وهذا تصور غير واقعي بالمرة».
ويحاول أوباما الحد من بعض التوقعات.
ورسم أوباما، في حديث أدلى به في الفترة الأخيرة وحث فيه على عمل عاجل بشأن خطة الإنقاذ، صورة قاتمة وحذر من معدل بطالة يتجاوز الـ 10% وابلغ الأميركيين ان الأزمة المالية «لا تشبه أي شيء شهدناه في حياتنا» في حين أكد على أن المشكلات لا يمكن حلها بين ليلة وضحاها.
ومما يزيد التوقعات المعلقة على أوباما المقارنة بينه وبين الرئيس فرانكلين روزفيلت الذي تولى السلطة وقت ذروة الكساد العظيم وأثار حالة من الغموض حول «أول 100 يوم».
ومرر روزفيلت 15 تشريعا رئيسيا في الكونغرس في أول 100 يوم من حكمه شكلت الجزء الأكبر من شبكة الأمان الاجتماعي الأميركية الحديثة. ومثل روزفيلت يتمتع أوباما بأغلبية ديموقراطية في الكونغرس وتفويض شعبي من شأنه أن يعطي دفعة لجدول أعماله.
لكن كيلور ومؤرخين آخرين قالوا إن المقارنات بروزفيلت مبالغ فيها.
وقال ليو ريبوفو استاذ التاريخ في جامعة جورج واشنطن «الفرق كبير».
وأشار إلى انه عندما تولى روزفيلت السلطة عام 1933 كان الكساد مستمرا منذ ثلاث سنوات ونصف السنة وكان معدل البطالة يبلغ نحو 25% أي أعلى بكثير من مستواه الراهن البالغ 7.2% أو حتى من مستوى 10% الذي يخشى البعض الوصول إليه.
وأضاف أن التباطؤ الاقتصادي في سبيعينات القرن الماضي وأوائل الثمانينات هي لأقرب في التشبيه بما يجري الآن من الكساد العظيم. غير ان الديموقراطيين يرون ان مصلحتهم السياسية تشجيع المقارنات بفترة الثلاثينيات للمساعدة في بلورة الدعم لجدول أعمال أوباما الاقتصادي.
وحدد أوباما منتصف فبراير كموعد مستهدف لتمرير خطته لبرامج العمل العام وخفض الضرائب ومساعدة العاطلين وإجراءات أخرى تهدف إلى إنعاش الاقتصاد.
وحددت لجنة في مجلس الشيوخ يوم الأربعاء موعدا مبدئيا للنظر في ترشيح جيثنر وستجرى مناظرة بعد ذلك ببضعة أيام بشأن طلب اوباما إجازة الدفعة الثانية من خطة الإنقاذ التي تبلغ قيمتها 700 مليار دولار.
ويعتقد المحللون أن هذه الأولويات ستسبق قضايا أخرى مهمة على جدول الأعمال المحلي. ومنها إصلاح نظام الرعاية الصحية وتفعيل تشريع للحد من التغيرات المناخية وإن كانت بعض عناصر مقترحات أوباما لتشجيع كفاءة استهلاك الطاقة متضمنة في خطة الإنقاذ.
وقوبلت مناقشة خطة الإنقاذ ببعض المقاومة الأسبوع الماضي إذ سعى الديموقراطيون لتعديل بعض البنود المتعلقة بالضرائب كما زادت توقعات ارتفاع العجز بدرجة كبيرة من توتر بعض المشرعين.
لكن المحللين يعتقدون أن الخطة ستتم الموافقة عليها في نهاية الأمر وأن أوباما يتصرف بشكل صحيح بتعليق بعض أولوياته في الوقت الراهن.
وقال ريبوفو إن أوباما المعروف بجاذبية شخصيته يتعين عليه أن يسير على حبل مشدود بين الطموح والمبالغة في التمنيات.
وإذا تمكن من ذلك ـ تمرير خطة الإنقاذ وتجنب الوقوع في أخطاء كبيرة ـ ستعتبر الـ 100 يوم الأولى من حكمه ناجحة.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )