قال تقرير مركز الجمان للاستشارات الاقتصادية عن سوق الكويت للاوراق المالية ان مؤشرات سوق الكويت للاوراق المالية استمرت في التراجع خلال يناير 2009، حيث انخفض متوسط التداول اليومي بمعدل 48% ليبلغ 42 مليون دينار بالمقارنة مع 80 مليون دينار خلال الشهر الذي سبقه، اي في ديسمبر 2008، كما تراجع المؤشر الوزني بمعدل 15% منذ بداية العام 2009 حتى تاريخ اعداد هذا التقرير، واوضح التقرير ان انهيارات المؤشرات الاخرى المرتبطة بالسوق ـ مثل القيمة الرأسمالية ومضاعف سعر السوق الى الربحية ومضاعف سعر السوق الى القيمة الدفترية ـ الى مستويات غير متوقعة اطلاقا، وذلك على خلفية ازمة الثقة الحادة المرتبطة بأزمة القروض التي تعانيها شريحة عريضة من الشركات المدرجة، ناهيك عن احتراق الشركات الورقية، والذي فاقم من التداعيات النفسية الجسيمة التي ألقت بظلالها القاتمة على آفاق المستقبل.
مسرحية أضحكت وأبكت
وبين التقرير ان اسعار الاسهم الممتازة انهارت بشكل حاد تبعا لموجة الهلع الشديدة والقلق العميقة، وقد تحدثنا عدة مرات عن اسباب الوضع الراهن، والذي فاق التوقعات، واصبح مدمرا بشكل شامل كالطوفان، مما اغرق او يكاد يغرق شريحة عريضة من المؤسسات والافراد، وبالرغم من ثقتنا بقدرة فريق محافظ بنك الكويت المركزي على التخفيف من تداعيات ذلك «الطوفان» قدر الامكان، الا اننا نشدد على حتمية الآثار السلبية للأزمة، وانه ليس من المنطقي توقع محو جميع تداعياتها، حيث تنعقد الآمال على التخفيف منها قدر الامكان.
من جهة اخرى نلاحظ تقاعس عدد كبير من الشركات المتضررة عن التحرك الجاد لمحاولة انقاذ نفسها، حيث انها تتفرج وتنتظر من ينقذها، ولا شك ان هذا الوضع غير مقبول اطلاقا، حيث يمكنها اتخاذ بعض الاجراءات للتخفيف من ازمتها من خلال تسييل بعض موجوداتها ولو بخسائر مؤلمة، كما يمكنها طلب الدعم من مساهميها من خلال تقديمهم القروض او زيادة رأس المال حتى دون علاوة اصدار، او اتخاذ اجراءات اخرى، كاستدعاء مساهمين آخرين، ومنحهم محفزات معينة لتشجيعهم على ضخ الاموال في تلك الشركات، لكن الحقيقة المؤلمة هي ان بعض الشركات بات في وضع سيئ للغاية، حيث ان اقرب المقربين منها يريدون او يتمنون التخلص منها بأي ثمن، وقد كانوا منذ وقت قريب يتحدثون ويتشدقون عن «المستثمرين الاستراتيجيين» الذين يتوقون لتوظيف اموالهم في تلك الشركات، وهو يطرح السؤال المهم: اين هؤلاء المستثمرون الاستراتيجيون الآن؟ ام انهم فصل من فصول المسرحية «البورصوية»، والتي اضحكت جماهيرها قليلا وابكتهم كثيرا؟
كوارث مخفية ومخيفة
ولعل من اهم مقومات ازمة الثقة السائدة في سوق المال، هو ضعف الشفافية من جانب الشركات المدرجة، هذا من جهة ومن جهة اخرى عدم قيام الجهات الرقابية والتنظيمية ـ وفي مقدمتها ادارة السوق ـ بالاجراءات الكافية لتعزيز الثقة قدر الامكان، حيث تنفجر أحداث الشركات المدرجة بشكل مفاجئ وسلبي كالقنابل الموقوتة، والذي يؤكد احتمال وجود كوارث مخفية ومخيفة في آن واحد في بعض الشركات، ولعل الاستثناء الوحيد الذي نلتمس به تطبيق معايير الشفافية او بعضها، هو ما يتعلق بشركة بيت الاستثمار العالمي (جلوبل)، حيث انها تعلن من فترة لأخرى عن وضعها المالي، خاصة بما يتعلق بالقروض ومفاوضاتها مع البنوك، ويبدو ان التزام الشركة المذكورة ببعض متطلبات الشفافية نابع من ادراجها في سوق لندن المالي، والذي يفرض قواعد صارمة فيما يتعلق بالمتغيرات الحساسة للشركات المدرجة به، حيث يرجح انه لو كانت الشركة مدرجة في سوق الكويت المالي فقط، لما افصحت عن تطورات وضعها المالي، وذلك نظرا لغياب الرقابة الجادة والحازمة في البورصة الكويتية، والتي اوصلتنا ـ من بين عوامل اخرى ـ الى الوضع الكارثي الحالي.
خطوة إيجابية
وبالرغم من انتقادنا لإدارة سوق الكويت للأوراق المالية بشأن عدة نقاط بما يتعلق بالرقابة والتنظيم، ومنها ما ورد في الفترة السابقة، غير انه من الواجب ان نشجع ونقدر الخطوة الاخيرة التي قامت بها ادارة السوق والمتمثلة في الزام الشركات التي تعلن عن نتائجها باعلان ملخص للمركز المالي، بالتزامن مع اعلانها لنتائجها السنوية عن العام 2008، وذلك نظرا لكون المركز المالي لا يتاح للجمهور الا بعد مراجعته ومناقشته من جانب ادارة السوق، حيث تأخذ تلك المراجعة والمناقشة فترة طويلة تمتد في بعض الحالات لعدة اشهر، وليس ادل على ذلك، من عدم اتاحة البيانات المالية لبعض الشركات المدرجة عن فترة ثلاثة ارباع العام 2008 حتى الآن، وذلك رغم مرور عدة اشهر على اعلان نتائجها.
وبالرغم من الخطوة الايجابية من جانب ادارة السوق في تعزيز الشفافية، الا انها تتطلب خطوات اخرى عديدة في هذا المضمار، ومن تلك الخطوات الافصاح عن بيان الدخل لمعرفة مصدر الارباح او الخسائر ان كان تشغيليا او غير تشغيلي؟ ناهيك عن حجم القروض وآجالها، وهي النقطة الحساسة وبالغة الأهمية في الوقت الراهن، وذلك لتجنب اكبر قدر ممكن من المفاجآت السلبية، التي تطيح بنفسيات المتداولين، ما يؤدي الى عدم امكانية تحديد قاع تراجع بعض الاسهم ان لم نقل انهيارها.
الأحداث اللاحقة
من جهة اخرى، يتوقع ان يتأخر اعلان النتائج عن العام 2008 لشريحة عريضة من الشركات المدرجة، وذلك على خلفية الازمة الحالية، والوضع المرتبك الذي خلفته، وبالتالي، يتوقع ان تتأخر اتاحة البيانات المالية السنوية الكاملة للجمهور، والذي يشكل مخاطرة مرتفعة، حيث طرأت تطورات جسيمة على البيانات المالية لبعض الشركات خلال الفترة الكائنة ما بين اقفال الحسابات عن العام 2008 حتى تاريخ اصدار البيانات المالية، الذي قد يتأخر الى فترة تناهز 3 اشهر، ويطلق على هذه الفترة فترة «الاحداث اللاحقة» اي لاحقة لتاريخ البيانات المالية، والتي نتوقع ان تشهد احداثا جساما في بعض الشركات على خلفية الازمة الحالية وامتدادها خلال الربع الاول 2009 على الاقل، حيث نقترح ان يتم الاهتمام من جانب مدققي الحسابات بهذا الموضوع، كما نقترح على ادارة السوق الافصاح عن الاحداث اللاحقة اذا كانت مؤثرة في البيانات المالية، وذلك حتى لا تكون حكرا على حلقة ضيقة من أصحاب العلاقة، الذين قد يستفيدون منها بشكل غير مشروع على حساب الآخرين.
فصل نتائج الربع الرابع
ومن الأمور بالغة الأهمية بما يتعلق بالشفافية، ضرورة فصل نتائج الربع الرابع عن نتائج باقي العام المالي، وذلك كما طالبنا به مرارا وتكرارا، ومنذ عدة سنوات أيضا، حيث انه من غير المنطقي اعلان نتائج الأرباع الثلاثة الأولى بشكل منفصل دون الربع الرابع الذي تضيع معالمه تماما عندما يتم دمج بياناته مع نتائج الأرباع الأخرى.
ولا شك في أن الإعلان عن نتائج الربع الرابع بشكل مستقل، ليس ابتداعا أو اختراعا من جانبنا، كون ذلك أمرا معمولا به منذ عقود طويلة في الدول المتقدمة، كما ان معظم الأسواق الناشئة تتطلب ذلك منذ سنوات عدة، ومنها أسواق ناشئة مقارنة بالسوق الكويتي وليس بالأسواق العالمية الرئيسية.
ويكتسب الإفصاح عن بيانات الربع الرابع بشكل مستقل، أهمية بالغة جدا في هذه الظروف، وتحديدا خلال الربع الرابع من العام الماضي 2008، بهدف تكوين رؤية واضحة عن أداء الشركات المدرجة، وبالتالي، تمكين المتداولين بالأسهم من بناء قراراتهم على أسس واضحة وقوية، وذلك في سبيل ترشيد قراراتهم المتعلقة بسوق المال.
تهويل غير مبرر
ولا شك في أن الأزمة الحالية لها تداعيات سلبية جسيمة في اتجاهات عدة، حيث ستؤدي الى تعثر شركات وإفلاس أخرى، وكذلك إرباك القطاع المالي، وأيضا احتمال تسريح موظفين كويتيين وغيرهم من بعض وحدات القطاع الخاص.
ورغم عمق الأزمة وجسامتها – كما أسلفنا – إلا أن هناك تهويلا –يبدو انه متعمد – في تداعياتها، خاصة ما يتعلق بتسريح الموظفين الكويتيين، حيث تم طرح أرقام غير منطقية عن أعدادهم، وان تسريحهم سيحدث كارثة اجتماعية كبرى وربما أمنية أيضا، وذلك جراء تسريح آلاف أو عشرات الآلاف منهم كما زعم البعض.
نحن نتعاطف مع حالات تسريح العمالة الوطنية بكل تأكيد، حتى لو انخفضت اعدادها أو نسبتها، لكن التهويل في هذا الموضوع «الحساس» يهدف من وجهة نظرنا الى دفع الدولة لدعم جميع الشركات، سواء كانت ذات قيمة مضافة أو ورقية، حتى لو تطلب الأمر مبالغ ضخمة للغاية، حيث تحول هذا الموضوع من جانب البعض، الى ابتزاز سافر للدولة، ووسيلة للتغطة على الفاسدين وعلى أسباب الأزمة الحقيقية.
لقد تأسست مئات الشركات المساهمة خلال سنوات قصيرة جدا، وذلك على طريقة «التفريخ» المعروفة، وقد تحملت تلك الشركات رواتب ضخمة دون مبرر، حيث يتقلد الفرد الواحد أكثر من منصب، وفي بعض الحالات خمسة مناصب لأغراض تنفيعية محضة في سبيل قبض الرواتب والمميزات الضخمة الأخرى دون عمل حقيقي، فعمل بعض هؤلاء، يقتصر على إصدار أوامر بيع وشراء الأسهم لا غير، ولمدة قصيرة جدا، والذي يعتبر عبثا صارخا في أموال المساهمين، حيث ان تسريح هؤلاء ليس بالأمر المؤسف إطلاقا، بل هو اجراء ايجابي واصلاحي، ولو انه تأخر كثيرا.
من جهة أخرى، فان من لديه خبرة وكفاءة من الذين سيتم تسريحهم، سيجد وظيفة مناسبة، فورا، حيث لايزال القطاع الخاص –حتى العام – متعطشا للكفاءات الوطنية المهنية، كما يستمر برنامج دعم العمالة في صرف مبلغ الدعم الشهري للموظف الكويتي الذي ليست لديه وظيفة، مما يخفف العبء المادي على بعض من يتم تسريحهم، وبما يتعلق بتعثر أو إفلاس بعض الشركات، فإننا لا نتوقع ان تفلس شركات كثيرة جيدة أو ممتازة، والتي توظف أعدادا كبيرة نسبيا من الموظفين، فالإفلاس أو التعثر سيكون من نصيب الشركات الورقية أو الوهمية والتي انكشفت حقيقتها خلال الأزمة الحالية، مما يعتبر أمرا إيجابيا للغاية، نظرا لأن معظم تلك الشركات دون موظفين متفرغين، حيث يتم توزيع – إن لم نقل نهب – أموال المساهمين على هؤلاء الفاشلين والفاسدين.
أما في حالة الشركات المتعثرة التي يمكن إعادة هيكلتها وترتيب أوراقها، فإن ذلك لن يشكل أي تهديد يذكر للموظفين العاملين بها، حيث سيكون وجودهم أو معظمهم ضروريا لنجاح إعادة الهيكلة، خاصة إذا كانوا من الكفاءات المتميزة، كما ان تولي الدائنين ادارة بعض الشركات عوضا عن المساهمين، لن يشكل تهديدا حقيقيا للعناصر المهنية التي تشغل تلك الشركات، حيث ان من مصلحة الدائن اعادة ترتيب أوراق الشركة وتشغيلها بالشكل السليم حتى يستطيع تحصيل مديونيته منها، والذي لا يمكن ان يتم إلا بوجود مشغلين لتلك الشركات.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )