تباينت التحليلات الاقتصادية حول تأثير الأزمة المالية على أسعار الأصول في دول منطقة الخليج ومداها الزمني إلا أنها جميعا اتفقت على ان الأزمة هي الأسوأ من نوعها والتي لم يشهدها الاقتصاد العالمي منذ 80 عاما.
وقد ربط تقرير الشال الصادر عن شركة الشال للاستشارات الاقتصادية في قطر ان العامل المؤثر في الأزمة وحدتها هو سعر النفط، فالتقرير أشار الى وجود علاقة واضحة بين النفط والأزمات الاقتصادية التي تعيشها دول المنطقة حاليا، مبينا ان تلك الأسعار المتدنية ستكون متدنية للغاية في الفترة المقبلة ومن ثم الدخول في نفق ركود قد تطول مدته إذا استمرت تلك الأسعار في الانخفاض.
ورغم ان أزمة العالم المالية هي إحدى الأزمات الكبرى، التي لم يمر العالم بمثلها منذ 80 عاما، إلا أن من المرجح ان يتجاوز عالم اليوم أسوأ ما فيها، بحلول عام 2010، ويفترض ألا تتخطى الأزمة، على المدى القصير، في دول المنطقة، المرحلة الأولى منها، أي الانعكاس السالب على أسعار الأصول، والاستثناء الوحيد الذي يحتاج الى بعض التروي والتحليل هو وضع إمارة دبي، التي شهد اقتصادها نشاطا أكثر سخونة بكثير من أي اقتصاد آخر في المنطقة، ويحتاج تكوين رأي حولها، الى بعض الوقت وبعض تفاصيل المعلومات.
وبينما ستكون كل دول المنطقة عرضة للتأثر المباشر، سلبيا وإيجابيا، بتطورات أسعار النفط، تبقى «دبي» في مأمن من التأثر المباشر الكبير بحركة أسعار النفط، ولكنها ستكون عرضة للتأثر غير المباشر بتطورات الاقتصاد العالمي ومثيلتها في اقتصادات الإقليم، لأن معظم الطلب على سلعها وخدماتها يأتي من مستهلكين أو مستثمرين خارجيين.
ولأن النفط سلعة تجارية دولية، لكونه سلعة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها، 35.6% من مكونات استهلاك الطاقة في العالم، ولكون انتاج فوائضه خارج مناطق استهلاكه، فإنه شديد الحساسية لأي أزمات أو أحداث، تؤثر جوهريا، على جانبيه: عرضه والطلب عليه ولكن الهامش في حركة أسعاره سيكون أضيق، للسنوات الخمس القادمة، مقارنة بالسنوات الخمس الفائتة، عندما راوح سعر برميل النفط الاميركي الخفيف wti بين 25.25 دولارا، في أدنى سعر له في 28/4/2003 و145.31 دولارا، في 3/7/2008.
ويفترض ان تبقى أسعار النفط تحت ضغط شديد، خلال عام 2009، وهي حاليا تحت الضغط، رغم قيام أوپيك بتخفيض إنتاجها بما نسبته 14%، أي نحو 4.2 ملايين برميل يوميا، هذا إن التزم أعضاؤها بالتخفيض، فقد استغرق انتقال سوق النفط من غلبة تأثير عنصر العرض (المنتجون) على الأسعار، ما كان يبقي أسعار النفط هابطة، نحو 90 عاما، وبعد نحو سبع سنوات من تغير هيكلي في تلك السوق، بغلبة جانب الطلب (المستهلكون) وفي التأثير على الأسعار، جاءت الأزمة المالية العالمية لتعيده، مرة أخرى الى غلبة جانب العرض.
ولا نعرف المدى الزمني الذي سيستغرقه العالم لاستيعاب فائض الطاقة الانتاجية، ولكن، يفترض ان يساعد النفط الرخيص على التسريع في شفاء الاقتصاد العالمي – جانب الطلب – وان يعطل بعض مشروعات انتاج النفط الحدية – جانب العرض – مثل نفط الطمي أو نفط البحار العميقة.
ومع أزمة أسعار النفط، عانت جميع دول النفط – وإن كانت بدرجات متفاوتة – من الانخفاض الحاد في أسعار الأصول المالية والأصول الأخرى في دول الاقتصادات الرئيسية، وتشير الأرقام الى خسائر للمؤشرات الرئيسية للأسواق المالية، تراوحت بين 31.3% لسوق لندن ftse100 وهي النسبة الأدنى، ونحو 61% في الصين، وهي النسبة الأعلى، ويرجح حجم الأزمة، من جانب، وتغير المدرسة الاقتصادية الى النهج «الكينزي» المؤمن بالموازنة بين اليد الخفية واليد الظاهرة والثقيلة بعد الأزمات، من جانب آخر، حاجة أسعار الأصول الى فترة طويلة لكي تستعيد مستواها، كما ان أثر المضاربات الحادة على تلك الأسعار والتي شجعتها المدرسة القديمة، سيخمد لفترة طويلة قادمة.
وعليه، فإن على دول النفط ألا تعيش الوهم بأن ما حدث هو مجرد سحابة صيف، وعليها ان تعي ان أسعار النفط ستبقى قريبة من هذ المستوى – مستوي الخمسين دولارا للبرميل – على المدى المتوسط، وان استثماراتها الخارجية لن تستعيد قيمتها السابقة، على المدى القصير، وان الأمر يتطلب تغييرا جوهريا لسياساتها المالية والاقتصادية.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )