توقع التقرير الأسبوعي الصادر عن شركة الشال للاستشارات الاقتصادية وبناء على ما ذكره مسؤول دائرة منطقة الشرق الأوسط انخفاض قيمة صادرات النفط لدول مجلس التعاون الى 298 مليار دولار في 2009 مقارنة بـ 584 مليارا في 2008، بنسبة انخفـــاض قدرها 49%، مقدرا نسبة الانخـــفاض في التـــضخم بـ 6.3% على مستوى دول التعاون وبنسبة نمو قدرها 3.5% بعد ان سجل 6.8% في عام 2008.
وقال التقرير ان التداولات العقارية بلغت 202 مليون دينار بانخفاض قدره 43.4% عما حققه شهر يناير في 2008.
واكد التقرير ان مشروع قانون الاستقرار المالي لو ادير على نحو مهني ومحايد وتحت مظلة القانون وبشفافية تامة فسيؤدي الى عدم تكلفة المال العام شيئا، موضحا اهمية تحمل السلطتين المسؤولية كاملة وعدم دخول البلد في اسلوب المقايضة مع الزام المستفيدين من المال العام بقبول العلانية المطلقة والحساب مهما كان عسيرا.
انخفاض الصادرات النفطية
توقع مسؤول دائرة منطقة الشرق الأوسط في صندوق النقد الدولي ان تنخفض قيمة صادرات النفط لدول مجلس التعاون الخليجي من نحو 584 مليار دولار في عام 2008 الى 298 مليار دولار في عام 2009 اي بما نسبته 49% فيما سيبقى النمو الاقتصادي في تلك الدول موجبا ومرتفعا بالنسبة الى أوضاع معظم العالم، اذ سيقارب 3.5% بعد ان سجل نحو 6.8% في عام 2008 وهو أمر طيب، اما الأمر الطيب الآخر في توقعات هذا المسؤول فهو انخفاض مستوى التضخم للدول الست في عام 2009، الى نحو 6.3% هبوطا من نحو 10.68% في عام 2008 وتشير توقعات اخرى الى ان الاستثناء الوحيد الذي من المحتمل ان يحقق ارتفاعا في معدلات النمو الاقتصادي وهبوطا في معدلات التضخم هو حالة قطر، لاعتبارات ذات علاقة بمرحلة النمو التي تمر بها ولملكيتها لثالث احتياطي عالمي للغاز، بدأت بعض مشروعاته بالنضوج.
تلك الأرقام ـ اي الهبوط الكبير في حصيلة ايرادات النفط ـ وهي احدث ما نشر، كانت الخلفية التي حكمت ارقام مشروع الموازنة المقبلة للكويت للسنة المالية 2009 ـ 2010 والمشار اليها من قبل رئيس لجنة الميزانيات والحسابات الختامية في مجلس الأمة الكويتي، والتي هبطت بمجمل النفقات العامة المقدرة من نحو 18.966 مليار دينار في الموازنة الحالية الى نحو 12.05 مليار دينار في مشروع الموازنة المقبلة، لكن هذا التخفيض في اجمالي النفقات العامة والبالغ نحو 36.5% لا يعكس الحقيقة، فالنفقات العامة لن تنخفض بأكثر من مليار ونصف المليار دينار قليلا، أي ما نسبته 8%، لأن نحو 5.4 مليارات دينار في تقديرات الموازنة السابقة كانت تحويلات لنظام التأمينات الاجتماعية، ولم تكن انفاقا.
وفي جانب الايرادات، هبط تقدير سعر برميل النفط من 50 دولارا في الموازنة الحالية 2008/2009، الى 35 دولارا، في مشروع الموازنة القادمة 2009/2010، وقدرت الايرادات الاجمالية بنحو 7.81 مليارات دينار، منها ايرادات نفطية مقدرة بنحو 6.71 مليارات دينار بما يترك نحو 1.1 مليار دينار للايرادات غير النفطية.
ذلك يعني أن مشروع الموازنة يتوقع عجزا ماليا يقارب 4.24 مليارات دينار، وكان العجز المقدر في الموازنة الحالية بحدود 6.3 مليارات دينار، والمفارقة هي ان تقديرات العجز في الموازنة الحالية غير حقيقي، بينما تقديرات العجز في مشروع الموازنة القادمة اقرب الى الحقيقة، وان اعتمد على تقلبات اسعار النفط المحتملة.
ويتعرض الوضع المالي للبلد ـ الموازنة وخارجها ـ لضغط رئيسي، من جانب، وبعض انفراج من جانب آخر، والضغط الرئيسي والسلبي يأتي من انخفاض قيمة الاستثمارات الخارجية للبلد بما نسبته 15%، في اقل تقدير ـ طبقا للبيانات المنشورة ـ وقد تزيد عن ذلك، وفقا للتراجع الذي يجتاح الاسواق المالية العالمية، وهو الأمر الذي سيترتب عليه، حتما، انخفاض شديد في العائد منها، خاصة من ذلك الجزء السائل، أي الودائع والتوزيعات على الاسهم، أما بعض الانفراج فيأتي من ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار بين الموازنتين، فالدولار الأميركي الذي لامس سعر صرفه نحو 264.75 فلسا، في مايو الفائت، يلامس الآن مستوى 290 فلسا، ذلك يعني ان ايرادات النفط ستكون اعلى بنحو 10%، عند تحويلها الى دينار لتمويل الموازنة، إن استمر سعر صرف الدولار الاميركي على مستواه.
وسيشهد عام 2009 تطورات مالية واقتصادية رئيسة، ومعظمها سيكون ضاغطا في الاتجاه السلبي على الوضع المالي للبلد، لذلك من الحكمة التحوط لهذه الاوضاع بضغط النفقات العامة الجارية الى حدودها الدنيا.
العقار في يناير
تشير آخر البيانات المتوافرة في وزارة العدل ـ إدارة التسجيل العقاري والتوثيق ـ الى ارتفاع في سيولة سوق العقار، في يناير 2009، مقارنة بما كانت عليه في ديسمبر 2008، فقد بلغت جملة قيمة تداولات العقود والوكالات نحو 202 مليون دينار وهي قيمة اعلى بما نسبته 39% من مثيلتها في ديسمبر 2008 حين بلغت نحو 145.3 مليون دينار.
وتوزعت تداولات يناير ما بين نحو 80.8 مليون دينار، عقودا، ونحو 121.2 مليون دينار، وكالات.
وتفوقت بيوع القطاع التجاري من جملة قيمة البيوع، إذ بلغت قيمة العقود والوكالات نحو 84.9 مليون دينار، أي ما نسبته 42% من جملة قيمة البيوع، مـــقارنة بـ 14.5% من ديسمبر 2008، عندما بلغت نحو 21.1 مليون دينار، أي انها حققت ارتفاعا قاربت نسبته 273.9%.
.وبلغت قيمة بيوع السكن الاستثماري نحو 78.9 مليون دينار، أي ما نسبته 39.1%، مقارنة بنحو 30.9 مليون دينار في ديسمبر 2008، اي انها حققت ارتفاعا قاربت نسبته 155.6% عما كانت عليه في شهر ديسمبر، بينما تراجعت قيمة بيوع السكن الخاص بنسبة كبيرة قاربت 59.9%، عن مثيلتها المسجلة في ديسمبر 2008، كما تراجعت مساهمتها في سيولة العقار، الى نحو 18.4% مقارنة بنحو 63.7% في ديسمبر 2008.
وعند مقارنة تداولات يناير 2009 بمثيلتها، للشهر نفسه من السنة الفائتة (يناير 2008) نلاحظ انخفاضا ملحوظا في نشاط السوق العقاري، اذ تراجعت قيمة هذه التداولات من نحو 356.6 مليون دينار في يناير 2008 الى نحو 202 مليون دينار في يناير 2009، اي بما نسبته 43.4%، وطال الانخفاض نشاطي السكن الخاص والسكن الاستثماري بنسبة بلغت نحو 81.3% و38.2%، على التوالي، بينما ارتفعت بيوعات النشاط التجاري بنسبة كبيرة بلغت نحو 82.5%.
واستحوذ مكونا السكن الخاص والاستثماري في يناير 2009 على نحو 57.4% من سيولة السوق العقاري، مقارنة بـ 91.3% في يناير 2008، بينما ارتفعت سيولة النشاط التجاري، بشكل ملحوظ الى نحو 84.9 مليون دينار في يناير 2009 مقارنة بنحو 30 مليون دينار في يناير 2008.
ونلمس هذا التراجع في نشاط السوق العقاري بمقارنة تداولات آخر 12 شهرا (فبراير 2008 ـ يناير 2009) بتداولات الفترة (فبراير 2007 ـ يناير 2008)، فقد بلغ اجمالي قيمة تداولات العقود والوكالات بين فبراير 2008 ويناير 2009 نحو 2.604 مليار دينار، فيما كان قد بلغ نحو 4.571 مليارات دينار خلال الفترة (فبراير 2007 ـ يناير 2008)، اي انه تراجع بما نسبته 43%، وطال الانخفاض انشطة السكن الخاص والسكن الاستثماري 60.4% و40.7%، على التوالي، بينما ارتفعت قيمة بيوعات التجاري بنسبة ملحوظة بلغت نحو 50.6%.
قانون الاستقرار المالي
بعد خطة الـ 700 مليار دولار او ما تم التعارف على تسميته بمشروع بولسون وبرنانكي (وزير الخزانة السابق ومحافظ البنك المركزي الاميركيين)، وافق مجلسا النواب والشيوخ على خطة الادارة الاميركية الجديدة للتحفيز الاقتصادي البالغة نحو 838 مليار دولار، اضافية، هي مزيج من نفقات عامة وخفض ضريبي.
هذا النموذج من السياسات النقدية والسياسات المالية التوسعية، هو بداية مدرسة فكرية اقتصادية جديدة ـ المنهج الكينزي او اليد الخفية واليد الظاهرة ـ وهي مدرسة ستحكم مسار القرار في العالم على مدى ربع قرن مقبل من الزمان، والخلاف الحاد بين ديموقراطيي مجلس الشيوخ وجمهورييه خلاف ليس على مبدأ تحفيز الاقتصاد، ولكنه خلاف ايديولوجي بين من ينتمون الى المدرسة الجديدة ـ الديموقراطيين ـ والمدافعين عن المدرسة القديمة او مدرسة اليد الخفية فقط، وهذا الاسلوب من التدخل المزدوج بالسياستين مع دور حكومي قوي وظاهر ـ اليد الظاهرة ـ يسود في جميع الأقطاب الأخرى التي قدمت خططا مماثلة سواء على المستوى الاتحادي او المستوى القطري في أوروبا وكذلك الهند والصين ولكن دون اختلاف أيديولوجي كما يحدث في الولايات المتحدة الاميركية.
وقلق العالم حول ضعف فعالية السياسات النقدية التوسعية في زمن الأزمات ـ والأزمات الكبرى تحديدا ـ له مبرر جوهري، فالسياسات النقدية التوسعية، في أحوال التباطؤ العادي للاقتصاد، تحتاج الى سنة ـ وربما أكثر ـ لتحقيق أثرها، وسيأتي أثرها ابطأ، في الأحوال الأسوأ من تلك العادية، بينما تدعو الضرورة الى مراعاة عنصر الوقت المهم جدا.
على ان الأهم هو انه، في ازمة العالم الحالية، كانت البداية من مرحلة الأزمة الثانية، اي من القطاع المالي، ومصداقا لخلاصة المثل القائل «من تلدغه الأفعى يخاف الحبل»، فإنه حتى لو توافرت سيولة رخيصة ستتمنع البنوك عن الاقراض ـ جانب العرض ـ وسيؤجل حتى الجادون في القطاع الخاص توسعاتهم ـ الاقتراض أو جانب الطلب ـ كما حدث في ثلاثينيات القرن الفائت بعد ازمة الكساد العظيم، لذلك لابد من بديل حكومي لتحفيز الطلب بالتوسع في مشروعات، بعضها بنى تحتية، وكان أول الخارجين من أزمة ثلاثينيات القرن الفائت هي اليابان، لأنها أول من تبنى تلك السياسات المالية التحفيزية، بينما تأخرت الولايات المتحدة الأميركية أكثر من ثلاث سنوات، وكانت أكبر المصابين من الأزمة.
والأزمة في اقليم الخليج في مرحلتها الأولى، اي عند تدهور اسعار الأصول، وهي أقلها مخاطر، والاستثناء الوحيد المحتمل ان يكون اكثر صعوبة هو حالة دبي، ولكن اذا ترك للهلع وسوء الادارة الاستمرار فليس هناك ضمانة من عدم تحولها الى مرحلتي الأزمة التالية عاليتي التكلفة.
وفي الكويت وافق مجلس الوزراء على مشروع خطة دعم الاستقرار المالي، ولو أدير المشروع على نحو محايد ومهني وتحت مظلة القانون والدستور وبشفافية تامة، ربما لا يكلف المال العام شيئا، ومن حق مجلس الأمة والرأي العام الاختلاف حوله والاضافة اليه، بما يضمن ما ذكرناه، ولكن بالمحافظة على صلب اهدافه ومحتواه.
والقيود والضوابط ليست بدعة، فالرئيس الأميركي يقترح وضع سقف أعلى، لا يتعدى 145 الف دينار سنويا، لمكافآت القياديين، في الشركات المستفيدة من أموال دافعي الضرائب، وهو سقف منخفض مقارنة بما كان عليه الوضع قبل الأزمة المالية العالمية، كما ان القانون يطال المخطئ من هؤلاء القياديين، وبشدة، وتنوي الحكومة البريطانية تشكيل لجنة محايدة للتحقيق في ممارسات ومكافآت قياديي البنوك التي استفادت من المال العام.
على ان العامل الحاسم، لكي يكون لأي مشروع فائدته، هو مراعاة عنصر الوقت، فالأزمة لن تنتظر أكثر من شهر، لنقاش المشروع في مجلس الأمة، وشهرين آخرين، لاعداد لائحته التنفيذية.
ولا يفترض ان ينزع النقاش الى اسلوب المقايضة، فالمطروح اما قناعة او رفض، وينبغي تحمل المسؤولية في الحالتين، كما لا يفترض ان يعمي الغضب المتناقشين عما يمكن ان يحدث للدولة والمال العام.
ان اتخاذ موقف، هنا، امر حساس ومؤلم، ولكن معظم اثر الأزمة، حتى الآن، اما نفسي ـ هلع ـ او سوء ادارة، كما حدث بالإعلان عن صندوق ملياري لشراء الأسهم وغياب الحكومة لفترة طويلة وحاسمة، ولكن الوضع، بخطاياه، لا يعفي أحدا من اتخاذ موقف.
والشفافية المطلقة ومبدأ ان من يستفيد من المال العام لابد من قبوله للعلانية المطلقة والحساب مهما كان عسيرا، يفترض ان تكون شروطا أساسيا للتدخل المباشر او غير المباشر، فالبلد تظل أبقى وأهم من الجميع، وتحتاج الى قرار سريع وموقف.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )