قالت شركة سبائك للإجارة والاستثمار في تقريرها الشهري ان 2009 سيكون عاما صعبا على اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، فالأزمة المالية العالمية، التي اندلعت شرارتها منذ أغسطس عام 2007 في الولايات المتحدة الأميركية دقت باب المنطقة بقوة وبدأت تعصف بالكثير من كيانات القطاع الخاص.
وأوضح التقرير انه وعلى الرغم من أن الصورة لا تبدو سوداوية إلى الدرجة التي وصلت إليها في أوروبا وبعض الدول المتقدمة حول العالم، إلا أنه من المؤكد أن الطفرة التي عاشها الخليج في الأعوام الستة الماضية قد انتهت، ومازالت الأزمة في دول التعاون خلال مرحلتها الأولى، ومن المتوقع أن تنتقل إلى مرحلتها الثانية ابتداء من النصف الثاني في 2009 قبل انتقالها إلى حصر الأضرار ومعالجة التداعيات خلال عامي 2010 و2011، فهذه «الكارثة المالية» كما يصفها كبار الاقتصاديين هي الأكثر شراسة وتعقيدا في تاريخ البشرية المعاصر.
وفي قراءة أولية لما خلفته هذه العاصفة وراءها في دول الخليج العربي، مع التذكير بأننا مازلنا في وسطها، يمكن استنتاج الأضرار التي أصابت القطاعين العام والخاص، على صعيد القطاع العام، فقدت الحكومات جزءا كبيرا من مواردها المالية بسبب تدهور سعر النفط الخام من مستواه القياسي في يوليو عام 2008، عندما سجل البرميل 147 دولارا، إلى نحو 40 دولارا في الوقت الحالي، وتتراوح نسب اعتماد الحكومات الخليجية على النفط كمصدر أساسي للدخل في الميزانيات العامة بين 50% و97%، ومن المتوقع أن تسجل أغلب هذه الميزانيات عجزا في السنة المالية المقبلة، بعد أن تراكمت فوائض مالية بفضل الطفرة النفطية تخطت تريليون دولار في الأعوام الستة الماضية.
وتوقع تقرير صادر عن معهد التمويل الدولي تراجع متوسط معدل النمو الاقتصادي في دول التعاون ليصل إلى 3.6% خلال عام 2009م مقارنة بمعدل بلغ 5.7% للعام 2008، ويرجع ذلك إلى توقع هبوط إنتاج النفط وانخفاض أسعاره وتراجع حجم عمليات الائتمان المحلية.
ونوه التقرير الى أن جميع حكومات دول التعاون تملك صناديق سيادية، إما على شكل صناديق تقاعد أو صناديق استثمارية عملاقة تديرها كيانات متخصصة أسست لهذا الغرض، وأكبر هذه الصناديق السيادية -حسب أرقام النصف الأول من عام 2008- هو ما تديره هيئة أبوظبي للاستثمار وحجمه 875 مليار دولار، في حين تقدر أموال الحكومة السعودية بـ 433 مليار دولار، أما الهيئة العامة للاستثمار الكويتية فتدير صندوقا حجمه 264 مليار دولار، لكن هذه الصناديق تلقت صفعة قوية جراء الأزمة المالية الحالية، بعد أن خسرت ما بين 30% و 40% من قيمة استثماراتها، فأكثر من 90% من أموال الصناديق السيادية مستثمرة في الخارج، ويجدر التذكير هنا بأن هذه الخسائر مازالت دفترية.
عجلة التنمية
وذكر التقرير أن بعض الحكومات أو المؤسسات الحكومية في المنطقة استدانت بهدف مواكبة التنمية التي انطلقت عجلتها بقوة في الأعوام القليلة الماضية، ولنا في إمارة دبي مثال ساطع على ذلك، وعلى الرغم من أن حجم هذه الديون ليس بكبير مقارنة بالدخل السنوي للدول، إلا أنه من المفيد معرفة أن الديون والسندات المستحقة على حكومة الإمارات في عام 2009 تصل إلى 23 مليار دولار، حسب وكالة التصنيف العالمية «فيتش»، تليها الكويت باستحقاقات قيمتها 9 مليارات دولار، وتأتي السعودية بعدها (7 مليارات دولار) وقطر والبحرين (4 مليارات دولار لكل منهما) فعمان (نحو مليار دولار)، وهذه الاستحقاقات في 2009 ستشكل دون شك ضغطا على الميزانيات الحكومية.
واشار التقرير الى انكماش سوق التمويل العالمي أدى إلى تأجيل مشاريع عقارية وتنموية سبق ان أطلقتها حكومات المنطقة ومؤسساتها في الأعوام الخمسة الماضية، مما أثر على سوق العمل وخلق موجة من تسريح العمالة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، انخفض عدد سكان دبي نحو 8% منذ يوليو الماضي بسبب صرف العمالة من الشركات العملاقة، حسب بنك «يو بي اس» السويسري.
وبين التقرير انه على صعيد القطاع الخاص خسرت أسواق الأسهم الخليجية أكثر من 500 مليار دولار من قيمتها السوقية خلال عام 2008، فسوق دبي المالي وحده فقد 72% من قيمته، في حين بلغت خسائر مؤشر البورصة الكويتية 38%.
وأشار التقرير الى أن دول مجلس التعاون الخليجي تعرضت لتحول رئيسي في تدفقات السيولة، وبدأت هذه التدفقات الهروب من السعودية والإمارات على وجه التحديد في النصف الثاني من العام الماضي بسبب مغادرة المستثمرين الأجانب هذه الأسواق، بعد أن كانوا قد راهنوا على إعادة تقييم العملات المحلية، الأمر الذي قاد إلى موجة انخفاض كبيرة في أسواق الديون والأسهم الإقليمية، بما فيها سوق الصكوك والسندات.
ونوه التقرير الى أن هبوط قيم الأصول المختلفة حول العالم أثر دون شك على المحفظة الاستثمارية لدى القطاع المالي في الخليج، وتقدر الأرقام شبه الرسمية خسائر هذه الأصول بنحو 120 مليار دولار من قيمتها في العام الماضي، كما أن أسعار الأصول المحلية تراجعت بشكل جنوني في الفترة القليلة الماضية، خصوصا العقارات.
وذكر التقرير أن البنوك الخليجية تواجه تحديات عدة خلال هذه الأزمة أبرزها ضعف السيولة وصعوبة تمويل المشاريع والانكشاف على العقار والأسهم وحجم المطلوبات الأجنبية وتراجعقيم الأصول.
وهذه التحديات جديدة نوعا ما على مصارف المنطقة التي لا يتعدى عمر البعض منها الخمسة أعوام.
الحل في الإجارة
ولاحظ التقرير أن هذا غيض من فيض التحديات والمشاكل التي تواجهها المنطقة الخليجية جراء تداعيات الأزمة المالية العالمية، وقد بدأت حكومات دول التعاون تحركات على الأصعدة المختلفة لحماية النظامين المالي والاقتصادي لديها، فبالإضافة إلى الخطوات التي اتبعتها البنوك المركزية مثل تخفيض أسعار الفائدة وضخ السيولة في القطاع المصرفي، تعمل الحكومات على خطط إنقاذية على غرار ما هو جار في الولايات المتحدة وأوروبا.
فالحكومتان الإماراتية والقطرية مثلا أعادتا رسملة بعض البنوك، كما أسست سلطنة عمان صندوقا سياديا لدعم البورصة المحلية. أما في الكويت، فتبدو الخطة الإنقاذية طموحة أكثر.
وقال التقرير ان الجميع يتحدث في الكويت والمنطقة عن مشكلة مديونيات وعجز عن السداد لدى عدد كبير من الشركات، في الوقت الذي تشير فيه بعض التقارير الرسمية إلى أن السيولة متوافرة لدى الحكومات أو حتى لدى بعض القطاعات المصرفية الخليجية، وقد توفر هذه الحكومات والبنوك الأموال اللازمة للشركات عبر شراء بعض الأصول منها القابلة للتأجير.
والإجارة في هذه الحالة تنتهي بالتملك، فيكون الطرفان مستفيدين، فالحكومة أو البنوك صاحبة السيولة تحصل على العائد المطلوب بعد سنوات من التأجير، أما الشركات المتعثرة فتحصل على أموال هي في أمس الحاجة إليها اليوم لحل مسألة ديونها، وتخفيف العبء عن كاهلها.
ويمكن للحكومات أن تؤسس صناديق سيادية للإجارة تشتري من خلالها أصولا مجدية يصلح تأجيرها، وفي نهاية المطاف بعد أن تهدأ العاصفة المالية الهوجاء، تعود هذه الأصول إلى أهلها.
وربما تكون قيمتها قد عادت إلى سابق عهدها المرتفع، فتصيب عصفورين بحجر واحد: سيولة في البداية وارتفاع قيمة أصول في النهاية. ولابد من الإشارة هنا إلى أن السيولة ملحة في الخليج، حيث بدأت الأزمة تتعمق.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، ترزح السوق الكويتية تحت عبء المشاكل التي تواجه الشركات الاستثمارية، وتعاني شركات استثمارية كويتية عدة من مشاكل في ديونها نتيجة لأزمة الائتمان العالمية وللانخفاض القوي في قيمة موجوداتها، كما أن بعض هذه الشركات قد تعثرت في سداد مستحقات ديونها، وكان بنك الكويت المركزي قال إن إجمالي الديون لـ 98 شركة استثمارية يبلغ 19 مليار دولار بينها 8.2 مليارات دولار ديون خارجية.
في حين أن أصول شركات الاستثمار تتعدى هذه الأرقام بكثير رغم انخفاض قيمها خلال الأزمة.
لكن ما يعنينا هنا هو الموجودات القابلة للتأجير، ويصلح هذا الحل أيضا مع شركات مختلفة في جميع القطاعات مثل الخدمات والصناعة، ويجدر التذكير أن الشركات صاحبة الملاءة المالية وحدها قادرة على الاستفادة من هذا المقترح بشكل حقيقي، لأن أصولها تعد موازية أو أكثر من ديونها المستحقة.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )