محمود فاروق
لعبت المراقبة المالية الضعيفة بالشركات الاستثمارية دورا لا يستهان به في رسم ملامح الازمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد ضمن تداعيات الازمة المالية العالمية.
فالتكتم الذي مارسته اغلب مجالس ادارات الشركات لم ينجح في اخفاء تبعات الازمة وحجمها بل ان عدم الشفافية واخفاء الحقائق قد فاقما من حجمها لتصبح كالفقاعة الهوائية التي يزداد انتفاخها كلما امعنت تلك المجالس في تغييب الحقيقة والافصاح عن البيانات المالية مما اثر سلبا على الوضع العام للاقتصاد في البلاد.
فمنذ عام 2007 لم تكن اي شركة استثمارية او قابضة سواء مدرجة في سوق الكويت للاوراق المالية او بصدد ادراجها قد اعطت المستثمرين اي مؤشر عن بوادر ازمة قد تواجهها على مستوى طويل الاجل، فافتقار الشركات للشفاقية زاد من مشكلات المستثمرين خاصة المتعاملين بالبورصة نظرا للخسائر التي تكبدوها خلال الآونة الاخيرة وفي هذا الشأن قالت مصادر استثمارية ذات صلة ان معدل المخاطرة للربح اصبح مرتفعا وتجاوز الخطوط الحمراء نظرا لانه اصبح غير متوازن مما يقلل معدل الامان بالاستثمار ويدفع المستثمرين لاجراء عمليات بيع سريعة ومكثفة حيث يشكل ذلك خطورة على القطاع المالي بالكويت.
وما حدث بكبرى الشركات الاستثمارية الاسلامية والتقليدية خلال نهاية العام الماضي جاء نتيجة غياب الدور الرقابي الذي يلزم الشركات بالافصاح الكامل عن بياناتها المالية سواء للجهات المعنية او للمستثمرين ولو اتبعت الشركات المتعثرة ذلك الاتجاه لوجدت لها حلولا ومعالجات وطرقا عديدة للتصدي للأزمة الاقتصادية العالمية ووضع خطط طوارئ في حالة تدهور الأمر والكثير من الطرق التي قد تقلص المزيد من الخسائر الفادحة التي وقعت فيها الآن.
فالقواعد التي تتبعها شركات الاستثمار في تعاملاتها المالية متراخية جدا، فعلى سبيل المثال هناك شركات عقارية تعمل كشركات استثمار دون الحصول على ترخيص للعمل بذلك القطاع.
فالبلاد في حاجة الى قانون يحمي حقوق المستثمرين ويشدد على قواعد الافصاح ويطالب بالحد الاقصى لها والاعلان عن الارباح الصافية وباللغة العربية بعيدا عن رصد البيانات المالية باللغات الاجنبية المليئة بالتلاعبات المحاسبية والتي لا يفقهها المستثمرون والمتعاملون مما يعرضهم الى المخاطرة برؤوس أموالها وتوقعات بحدوث خسائر فادحة.
وطالبت المصادر الاستثمارية كل سلطات الدولة والجهات المعنية بالمؤسسات الحكومية بإيجاد سبل لحل مشكلة نقص الشفافية والافصاحات، وان تكون هناك هيئات لمكافحة الفساد، فالبلاد حاليا وبوضعها الاقتصادي والمالي الحالي تحتاج الى استراتيجية جديدة للشفافية تشارك في إعدادها ومتابعتها كل قطاعات الدولة من السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص والاعلام الحر.
وعن مستوى الشفافية بالبورصة نرى ان العديد قد تحدثوا عن ذلك الامر، وتم وضع عدة مقترحات وحلول، وتوقع المستثمرون حدوث تغيير بمستوى الشفافية بالتعاملات، إلا أن عدم الافصاح في كثير من الاحيان عن نسب الملكية زاد الازمة ودفعها الى مستويات توصف «بالخطيرة» على رؤوس الأموال.
فالقانون الحالي يلزم من يمتلك حصة معينة من أسهم شركة ما مؤثرة في تشكيلة مجلس الادارة ان يعلن عن تلك النسبة حين تملكه لها لكن ما يحدث غير ذلك، ويلجأ المجلس القديم الى القضاء باعتبار عملية التملك غير قانونية.
وذكرت مصادر متابعة ان سوق الكويت للاوراق المالية يحتل مكانة متأخرة بتقارير منظمة الشفافية الدولية، حيث جاء في المركز الـ 45 عام 2007 والمركز الـ 46 في العام الماضي، الامر الذي يعني تراجع درجة الشفافية في الكويت على الرغم من ان الدول العربية اصبحت تحتل مراكز مختلفة وتتنافس عاما بعد عام لتحتل أول المراكز حيال ذلك الامر.
فالشفافية بمعناها الحقيقي ان كل من له مصلحة مشروعة عليه ان يعرض المعلومة وفي حالة عدم معرفتها يلجأ الى الجهات المعنية والقضاء نظرا لأن المعلومات والبيانات المالية يجب ان تكون متاحــة لمن له مصلحــة بالشركــة او المنشــأة التي عليها النزاع.
وتشير المصادر الى ان الافصاحات الحالية لدى شركات الاستثمار غير كافية لتحديد مصيرها وافقدتها 95% من قيمتها السوقية، وهي بالفعل معرضة لفقدان كامل حقوق مساهميها وليس نصفها.
فالوضع الحالي للشركات اصبح بحاجة ماسة الى ايقاف تلك الشركات عن مزاولة نشاطها وتداولها حتى يتم الافصاح عن مشاكلها ومصيرها المحتمل نظرا لتأثيرها البالغ في السوق الكويتي بشكل عام، وعلى الادارات والهيئات والجهات المعنية العمل على تنفيذ اللائحة التنفيذية سواء للشركات المدرجة او غير ذلك وتوفير المزيد من الشفافية التي تساعد على اعادة الثقة في السوق وتدفعه نحو العودة الى طبيعته واستقراره والذي كان عليه من قبل.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )