في مواجهة الأزمة المالية العالمية، روج الكثيرون في الغرب لمقولة إن «الصين قادرة على إنقاذ الاقتصاد العالمي» حيث ارتأى هؤلاء أن الصين يمكنها- بفتح بوابة خزانتها المالية وضخ احتياطيها من النقد الأجنبي إلى الولايات المتحدة مصدر الأزمة وأوروبا المنطقة الأكثر تضررا منها- تخليص العالم بأسره من تداعيات تلك الأزمة المالية والحيلولة دون ركود الاقتصاد العالمي.
وفى تقرير نشرته امس صحيفة «النور» الصينية اليومية الموجهة أساسا لجمهور الصفوة والنخبة، يقول كاتبه «فانغ شيانغ شنغ» كبير المحللين الاقتصاديين بالصحيفة: لعل من يسمع مقولة «الصين قادرة على إنقاذ الاقتصاد العالمي» يظن أن الداعين لها يعلمون ببواطن الأمور ويدركون جيدا قدرات الصين وتأثير التنمية الصينية على العالم، ولكن المدقق في الأمر يكتشف أن مقولة «الصين قادرة على إنقاذ الاقتصاد العالمي» ليست إلا نغمة مختلفة في معزوفة واحدة تضم أيضا نظرية «التهديد الصيني» ونظرية «انهيار الصين» اللتين طالما روج لهما الغرب.
واستعاد الكاتب بعض ذكريات وأحداث السنوات القليلة الماضية، قائلا عندما هبت رياح التغيير على أوروبا الشرقية وتفكك الإتحاد السوفييتي، لاحظنا أن الصين كانت بؤرة اهتمام جمع غفير من الخبراء والسياسيين في الغرب حيث تصوروا أن الحكومة الصينية قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، ومن أجل التعجيل بهذا الانهيار شرعوا يتخذون إجراءات تسهم في التعجيل بذلك الانهيار ومنها مثلا قرار «حظر بيع الأسلحة للصين» الذي اتخذته الولايات المتحـــدة والاتحــاد الأوروبــي ولم يرفعاه حتى يومنــا هــذا.
ففي ذلك الوقت، ظن الغرب أن تلك الإجراءات والتدابير يمكنها أن تسقط الصين بسهولة، ولكن الرياح أتت بما لا تشتهي سفنهم، إذ سارت الصين على درب التنمية بخطى سريعة، وكان نجاح التنمية الصينية إعلانا بفشل وسقوط نظرية «انهيار الصين».
ومع تسارع وتيرة التنمية الصينية في مجالات عديدة، عاد الغرب ليطلق من جديد نظرية «التهديد الصيني» وقد ألحق بأذيال تلك النظرية سلسلة من الاتهامات الباطلة: «العمال في أوروبا والولايات المتحدة يفقدون وظائفهم بسبب الصادرات الصينية»، «طلب الصين المتزايد على الطاقة يرفع سعر النفط»، «اندلاع معركة الموارد بين الصين والدول الغربية».
فقد اعتبر أنصار نظرية «التهديد الصيني» أن التنمية الصينية تهدد بقاء الدول الغربية، وعليه لابد أن تعمل الدول الغربية معا لاحتواء التنمية الصينية، وبالفعل بدأنا نرى إجراءات متنوعة مضادة للصين ومنها تدابير مكافحة الإغراق ومكافحة القرصنة الفكرية وانتقادات سجل حقوق الإنسان وقضية الديموقراطية في الصين، وباتت الصين هدفا رئيسيا لهجوم وسائل الإعلام الغربية.
ومرة أخرى أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، وبعد ثلاثين عاما من الإصلاح والانفتاح ارتفعت القوة الوطنية الشاملة والمكانة الدولية للصين كثيرا حتى أن العديد من المشاكل الدولية بات من الصعب حلها دون مشاركة الصين.
ومضى الكاتب يقول: على هذه الخلفية طفت على السطح اليوم مقولة إن «الصين قادرة على إنقاذ الاقتصاد العالمي» حيث يرى أصحابها أن الصين وقد صارت دولة ثرية ومتقدمة لديها القدرة على تحمل مهمات جسيمة، وحيث أن العالم يعاني حاليا من أزمة مالية طاحنة تهدد بركود الاقتصاد العالمي، فإن بكين مطالبة بإنقاذ الاقتصاد العالمي.
وربما ليس من الصواب التكهن عشوائيا بالدوافع الحقيقية لهذه المقولة ولكن ثمة خيطا مشتركا يجمع بين مقولة «الصين قادرة على إنقاذ الاقتصاد العالمي» ونظرية «انهيار الصين» ونظرية «التهديد الصيني» وهو أنها جميعا لا تعكس وضع الصين الحقيقي كل في حينه.
والوضع الحقيقي للصين - بحسب فانغ- هو أن الدولة الأكثر سكانا في العالم (1.3 مليار نسمة) مازالت دولة نامية لم تحل لعشرات الملايين من سكانها مشكلة الغذاء الكافي واللباس الدافئ، ومستوى معيشة أكثر من نصف سكانها منخفض للغاية مقارنة مع المستوى في أوروبا والولايات المتحدة، إن الصين تستقبل سنويا نحو عشرة ملايين فم جديد، وحكومة الصين تولي دائما اهتماما كبيرا لمعيشة الشعب، في عام 2007 بلغ إجمالي الناتج المحلي للصين 3.28 تريليونات دولار، وكان ترتيبه الرابع عالميا.
وإذا كان الرقم يبدو ضخما فإنه في الحقيقة لا يزيد عن 23.7% من إجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة و74.9% لليابان و99.5% لألمانيا التي لا يزيد عدد سكانها عن واحد على ستة عشر من عدد سكان الصين، لكل هذا نعتقد أن القائلين بأن «الصين قادرة على إنقاذ الاقتصاد العالمي» يبالغون كثيرا في قدرات الصين التي لا تزيد نسبة إجمالي ناتجها المحلي عن 6% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، فضلا عن تداعيات الكوارث الطبيعية التي تجتاح الصين على مدار العام وتلتهم أكثر من 7% من إجمالى قيمة ناتجها المحلي.
والذين يتحدثون كثيرا عن احتياطي الصين الضخم من النقد الأجنبي عليهم أن يعرفوا أن الصين جمعته قرشا بعد قرش، فمعظم أرباح الصادرات الصينية- التي هي المصدر الرئيسي للاحتياطي النقدي- يذهب إلى جيوب الأجانب، وتكفي هنا الاشارة الى أن دمية «باربي» يبلغ ربح الشركة صاحبة علامتها التجارية في الولايات المتحدة وأوروبا 10 دولارات لكل دمية، بينما يبلغ ربح المصنع الصيني الذي ينتجها لصالح الشركة المالكة للعلامة التجارية نصف دولار فقط.
فيما تبقى الحقيقة الأهم تتمثل في أن احتياطي النقد الاجنبي الذي يمكن أن تستخدمه الصين ليس كثيرا بعد خصم أكثر من تريليون دولار من الديون الوطنية الأميركية وسندات الأجهزة الحكومية الأميركية وسندات المؤسسات الأميركية الأخرى التي تستثمرها الصين، إضافة الى ذلك، يجب على الصين أن تحافظ على 500 مليار دولار على الأقل لمواجهة تسديد ديونها الوطنية وسد الحاجة الى صادراتها ووارداتها والوقاية من سحب رجال الأعمال الأجانب أموالهم وغير ذلك من المخاطر الكامنة، وذلك يعنى أنه لا يتبقى سوى 400 مليار دولار على الأكثر من الاحتياطي الأجنبي يمكن أن تشارك بها الصين في المآزرة المالية الدولية نظريا، وعلى الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية وحكومة الصين نفسها أن تدرك ذلك بوضوح.
واختتم «فانغ» تقريره بالقول: إن الصين حريصة على أداء واجباتها الدولية كأحد أعضاء الأسرة الدولية، ولكن التمنيات والتوقعات غير الواقعية من الصين لن تتحقق، وعليه أنصح دعاة مقولة إن «الصين قادرة على إنقاذ الاقتصاد العالمي» أن يعرفوا أولا حقيقة أوضاع الصين قبل التشدق بالعبارات المنمقة التي لا تعدو كونها فخا جديدا ينصبه الغرب للصين.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )