سلط التقرير الشهري لشركة مجمعات الأسواق التجارية الكويتية الضوء على ظاهرة فقدان الوظائف التي باتت اكثر من مقلقة وتهدد مصير آلاف المواطنين وعائلاتهم وتقضي على آمال عدد كبير من الشباب الطامح لعمل يحقق فيه ذاته بعيدا عن طابور انتظار الحصول على وظيفة حكومية وذلك بسبب ما أفرزته الازمة المالية والاقتصادية التي تمر بها البلاد، مشيرا الى ان ترك تداعيات الأزمة تزداد تعقيدا سيكون له أبلغ الأثر في العمالة الوطنية التي كانت بدأت تأخذ طريق القطاع الخاص على نحو أذهل المراقبين خلال السنوات القليلة الماضية.
وقال التقرير ان حصر الأزمة وكأنها في القطاع المالي وحسب خطأ شاع خلال الآونة الأخيرة وتفاقم لأن المعالجات اتت لهذا القطاع دون غيره، إلا ان واقع الحال يشير الى ان معظم قطاعات الاقتصاد الوطني تأثرت بدرجات متفاوتة بهذه الأزمة التي عرفنا متى بدأت، لكننا جميعا نجهـــل متى ستنتهـــي، وان كانت المؤشرات الأوليـــة تؤكد امتدادها خلال العـــام 2009 بأكمله واستمرارها ربما خلال العام 2010، لهذا فإن اقتصار المعالجات على امور مالية فنية لن يكون مجديا على النحو المأمول للحؤول دون صرف المزيد من العمالة الوطنية في عدد من القطاعات التــي باتـت في عين الإعصار.
وتؤكد المعلومات الأولية ان اكثر من الفي مواطن مهددون بلقمة عيشهم، وهم الآن ضحايا عمليات خفض الكلفة التي بدأتها عشرات الشركات لاسيما الاستثمارية والعقارية والخدمية والتجارية منها، كما ان هذا الرقم مرشح للتزايد باطراد خلال الأشهر المقبلة عندما تتضح محدودية معالم المعالجات الجزئية التي شرع النقاش حولها في البرلمان وتحديدا نعني مشروع قانون الاستقرار المالي الذي أنتجه فريق عمل يرأسه محافظ بنك الكويت المركزي الشيخ سالم العبدالعزيز.
وبين التقرير ان جهود محافظ «المركزي» تستحق التحية لانه كان اول من تنبه لمخاطر صرف العمالة الوطنية لذا سارع الى طلب توظيف اكثر من الفي مواطن في القطاع المصرفي قبل نهاية يونيو القادم، وهو بذلك يوجه اشارة لا لبس فيها مفادها الآتي: اذا كانت المعالجات ستبدأ بالجهاز المصرفي المطلوب حمايته بكل الوسائل المتاحة، واذا كانت مصارف الكويت اول المستفيدين من اجراءات الدعم، فان عليها واجبا وطنيا في هذه المرحلة برد التحية بأحسن منها، ولم يتعسف المحافظ في طلبه هذا، فقد طلب تطبيق قانون سبق إقراره يطلب زيادة نسبة العمالة الوطنية في البنوك الى 60% (هي حاليا اكثر من 50% بقليل).
كما ان مشروع المحافظ ربط بين الإجراءات التي سيتخذها لحلحلة مشاكل وازمات بعض شركات القطاع المالي عموما وشركات الاستثمار على وجه الخصوص، ربط الاجراءات بالتزام تلك الشركات بنسبة عمالة وطنية لا تقل عن 50% حتى تستطيع دخول البرنامج للاستفادة من الإنقاذ، كل ذلك لم يأت من فراغ بل ان المحافظ يعي تماما ان القطاع المالي وبفعل تطوره السريع وصل عام 2007 ليكون ثاني اكبر رافد للناتج بعد النفط، وعليه كانت الحكومة تنوي بناء مشروع تحويل الكويت الى مركز مالي وتجاري إقليمي.
وبعدما توقفت عجلة المشاريع العقارية المعتمدة على نظام الـ b.o.t، توقف التطوير وبالتالي انعدمت فرص العمل الناتجة عن ذلك التطوير، وبعدما توقف العمل بالرهن العقاري تقلصت فرص تمويل المساكن وتضرر قطاع كبير كان يخلق فرصا للعديد من القطاعات المستفيدة منه وبالتالي انعدمت فرص العمل الناتجة عن التوسع في السكن الخاص.
إحصائيات مهمة
وللدلالة على ما سبق ذكره يمكن الإشارة الى جملة إحصائيات كالآتي: خلال خمس سنوات بين منتصف 2003 ومنتصف 2008 ارتفع عدد المواطنين في القطاع الأهلي بنسبة زادت على 350% من نحو 10 آلاف مواطن موظف في القطــاع الخاص الى نحو 44 الفا مقابل نسبـــة نمو الوظائف الجديدة في القطــاع الحكومــي كانـت 28% فقــط لنفــس الفتــرة و27% في القطاع النفطي.
وهنا كان بيت القصيد إذ ان البرامج التي وضعت بالتعاون مع إعادة هيكلة القوى العاملة اثمرت توجيه المزيد من المواطنين نحو القطاع الخاص ليخف العبء عن كاهل القطاع الحكومي الذي بات مثقلا ومتخما بالعمالة الوطنية المحشوة حشوا حتى ان معظمهـــا في بطالـــة مقنعــة، حتى اصبحت الميزانيـــة العامـة للدولة تنوء بأعباء تأكـــل ثلثيها على الأقل بسبب ارتفاع بنود الرواتب والتحويلات ونفقات الاستهلاك الجاري المتصل بالبندين السابقين.
وقد استطـــاع القطاع الخاص خلال سنة واحدة فقــط بين منتصف 2007 ومنتصف 2008 توفير 8500 وظيفة جديدة للمواطنين حتى اصبحــت الوظائف الجديدة في هذا القطاع تنافس تلك التي وفرها القطاع الحكومي الفترة نفسها، فخلال 12 شهرا تأمن للمواطنين نحو 18 الف وظيفة جديدة منها 46% في القطاع الخاص مقابل 53% للقطاعين الحكومـي والنفطي مجتمعين.
وهذه الارقام تباطأت دراماتيكيا منذ منتصف 2008 وحتى نهاية شهر يناير الفائت لاسيما الوظائف الجديدة في القطاع الخاص التي تلقت ضربة موجعة بسبب الأزمة وتداعياتها.
فالمشهد الآن معكوس تماما حيث لا وظائف جديدة بل الأنكى من ذلك هو الغاء وظائف كانت قد خلفت سابقا.
وتساءل التقرير: ماذا يعني هذا الواقع المستجد والطارح نفسه بقوة كظاهرة قابلة للتفاقم؟ وهنا قال التقرير انه وببساطة شديدة يعني ان الحكومة ستكون معنية وحدها تقريبا بتوفير 12 الى 15 الف وظيفة للمواطنين خلال 2009.
هذا من شأنه زيادة العبء على ميزانية الدولة في وقت وصل سعر برميل النفط فيـه الى نحو 40 دولارا أي ان العجز في الميزانيــة قــادم لا محالـة.
وبمعادلة حسابية بسيطة يمكن القول ان الخائفين على المال العام من تورطه في انقــاذ شركات مأزومة، هم عمليا غافلون عن طامة كبرى على المال العام وهي تورطه في رواتب وظائف لا قيمة لها ولا انتاجيــة اضافية فيها بل سيزداد الجهــاز الإداري ترهــلا على ترهـل، وستتفاقــم البطالــة المقنعــة وتخــف الإنتاجيــة.
ان السنوات القليلة الماضية كانت نموذجا رائعا في تصحيح الخلل الهيكلي للوظائف، فقد انتقلنا في غضون 5 سنوات من معادلة 90% من المواطنين في العام مقابل 10% في الخاص الى معادلة 80% مقابل 20% وعلى هذا المنوال كان بالإمكان تصحيح الخلل جذريا في غضون 10 سنوات لتصبح الميزانية اكثر رشاقة ويخف معها اعتمادنا على النفط مصدرا وحيدا ويتيما للدخل، اما الآن فنحن معرضون للعودة الى المربع الاول فالأزمة بتداعياتها المتدحرجة مضافا اليها تقاعس الحلول الحكومية الجذرية والشاملة لتلك الأزمة، سيوجهان ضربة قاصمة اولا لبرنامج اعادة هيكلة القوى العاملة.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )