زكي عثمان
سابقة تعد الاولى في الكويت منذ سنوات تمثلت امس في قرار ادارة سوق الكويت للاوراق المالية ايقاف تداول 36 سهما بسبب عدم اعلان شركاتها عن بياناتها المالية، حسب المهلة القانونية لذلك والمحددة بنهاية شهر مارس وهو ما اعتبر الكثيرون من المراقبين انه قرار تلقائي لانتهاء المهلة القانونية الممنوحة لهذه الشركات للاعلان عن نتائجها للعام 2008، لكنه قرار يصب في مجمله لمصلحة السوق حفاظا على حقوق المساهمين في تلك الشركات وايضا المتداولين في البورصة.
«الأنباء» رصدت الاسباب المباشرة وراء قرار الاقاف، حيث اكد البعض ان القرار نتيجة طبيعية لتشعب اداء عمل بعض الشركات داخل الكويت وخارجها، سواء من خلال الشركات التابعة او الزميلة، وهو ما تسبب في تأخر البيانات المالية، في حين ذهب البعض الى التشدد المبالغ فيه من قبل مدققي الحسابات وهو ما تسبب في تأخر تقديمها الى البنك المركزي.
واجمع المشاركون في التحقيق على ان القرار يخدم آلية التداول في البورصة ويدعم قرارات المستثمرين، خاصة ان من حقهم الوقوف على كامل بيانات الشركات المالية عن العام الماضي لتحديد قراراتهم الاستثمارية المستقبلية، كما بينوا ان هذا الايقاف وقتي ولن يدوم طويلا نظرا لأن المرحلة الحالية تتطلب من الجميع الاسراع في اعتماد بياناتهم المالية للتعريف بحقيقة اوضاعهم وبث روح الطمأنينة في نفوس جميع المتداولين.
وفيما يلي تفاصيل التحقيق:
في البداية اعتبر نائب رئيس مجلس ادارة شركة مجموعة عربي القابضة حامد البسام ان احد الاسباب المباشرة وراء وقف تداول هذا الكم الكبير من الاسهم للمرة الاولى في تاريخ الكويت يعود لاسباب خارجة عن الارادة، لاسيما ان كثيرا من الشركات التي توقف تداول اسهمها لديها شركات واستثمارات خارج الكويت.
واضاف ان مجموعة عربي التي تم ايقاف تداول سهمها امس، وهي واحدة من ضمن الـ 36 شركة، لديها العديد من الشركات التابعة خارج الكويت، وهو الامر الذي يفرض عليها انتظار نتائج تلك الشركات حتى يتم تضمينها في ميزانية الشركة، وعليه فإن عنصر الوقت لم يكن في صالحهم حتى يتم انجاز البيانات المالية قبل نهاية شهر مارس وحسبما هو محدد من قبل البنك المركزي وادارة السوق.
واوضح ان احد الاسباب الاخرى وراء التأخر في اعتماد البيانات المالية يكمن في التشدد الكبير الذي يتبعه مدققو الحسابات في الوقت الراهن في ظاهرة جديدة على الكويت، وهو الامر الذي انعكس على قراراتهم بشكل واضح، حيث اتجهوا لطلب العديد من الاوراق والمستندات للكثير من التعاملات وهو امر يستغرق الكثير من الوقت قياسا الى وجود تلك الاوراق او التفسيرات المالية خارج الكويت.
وبين البسام ان الشركات القابضة التي تملك العديد من الشركات الزميلة او التابعة تعاني الشيء نفسه من عملية تأخر بياناتها المالية بشكل سنوي، مستغربا من عدم وجود حلول وسط لتلك المشكلة التي تتكرر سنويا، اضف الى ذلك ان الازمة المالية قد انعكست على اداء معظم الشركات وبالتالي في وجود صعوبة في انجاز البيانات المالية للعديد من الشركات، بدليل ان عددا كبيرا من الشركات تفوق نسبتها الـ 80% سيكون لديها خسائر.
وتوقع البسام ان تتسارع وتيرة اعلان الشركات المتوقفة عن التداول عن بياناتها خلال الايام القليلة المقبلة ومن ثم العودة للتداول من جديد.
القرار يخدم السوق
بدوره، أشاد رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة الأنظمة الآلية جاسم زينل بخطوة إدارة السوق الخاصة بإيقاف تداول 36 سهما، معتبرا ان هذا القرار يصب في مصلحة السوق ويحافظ على آلية التداول، فضلا عن حفظ حقوق المتداولين وبالأخص صغار المستثمرين.
وأضاف زينل ان ايقاف التداول جاء بسبب القوانين المعتمدة، وبالتالي فليس هناك اي تجن على تلك الشركات قياسا بتأخرها في الاعلان عن بياناتها المالية، موضحا ان تلك الشركات ليس لديها اي اعذار حول هذا التأخر إلا في حالة وجود شركات تابعة لها خارج الكويت أو داخلها وهو الأمر الذي يستدعي الانتظار حتى تتجمع كل البيانات المالية ومن ثم تظهر في البيانات المجمعة للشركة الأم.
وشدد على أن المتداولين من حقهم الوقوف على حقيقة وأداء تلك الشركات قبل اتمام عمليات الشراء والبيع، وعليه فإن المصلحة العامة تقتضي هذا التوقيف، علما بأنه إجراء روتيني وقد اعتادت عليه الكثير من الشركات، غير أن اللافت للانتباه هذا العام هو حالة الخوف الكبيرة التي تسيطر على جموع المتداولين حول البيانات المالية للشركات وحقيقة الارباح والخسائر لها، فضلا عن معرفة مصير استثماراتهم في تلك الشركات في ضوء استمرار حالة التراجع للأسهم المتداولة.
وتعجب زينل من هذا التأخر في الإعلان عن بيانات 2008 المالية، لاسيما أن هذا التأخر لن يفيد الشركات وبالأخص التي تأثرت ماليا بشكل مباشر من الأزمة المالية، هذا إلى جانب أن الشركات المتعثرة في سداد قروضها مازالت تتفاوض حول ترتيب أوضاعها المالية وهذا موضوع مرتبط بأداء 2008 وليس بـ 2009 وعليه فإن الربط بين هذه المفاوضات وأرباح وخسائر العام الماضي أمر مرفوض.
وطالب زينل الشركات بالتحلي بالشجاعة والإعلان عن حقيقة أوضاعها المالية وبياناتها الخاصة بـ 2008، وذلك منعا لتناثر الاجتهادات والمعلومات السلبية حولها، مبينا ان اجواء الضبابية التي تغلف العديد من الشركات ستنعكس على تداولاتها في المستقبل وبالتالي فإن إيقاف تداولاتها يصب في خانة الحفاظ على أسعار تلك الأسهم وأيضا في حفظ حقوق المتداولين ومستقبل استثماراتهم في تلك الشركات.
وتوقع أن يتوالى اعلان الشركات المتوقفة عن بياناتها خلال الفترة المقبلة، إضافة إلى اقتراب البدء في الإعلان عن أرباح الربع الأول، ما سيدعم من نشاط السوق خلال المرحلة المقبلة، مشيرا الى ان الازمة الاقتصادية العالمية، مازالت تفرض نفسها على الساحة المحلية وبالتالي فإن انعكاس آثارها سيمتد الى السوق المحلي حتى تستطيع الشركات معاودة نشاطها التدريجي بفضل قانون الاستقرار المالي وما يجد من أمور داعمة للنشاط الاقتصادي.
خطوة إيجابية
ومن جانبه قال المدير العام لشركة المباني خالد بن سلامة ان قرار ايقاف التداول بحق 36 شركة مدرجة يأتي ضمن القوانين المعمول بها في البورصة وهو ما يجب أن يحترم من قبل جميع الجهات والأطراف المعنية وذلك من منطلق الحفاظ على حقوق المتداولين.
وأضاف ان تلك الخطوة تندرج ضمن الأنظمة المتعلقة بالإفصاح عن البيانات المالية وبالتالي فإن الوضع العام، يشير إلى أن أغلب تلك الشركات سوف تعلن خلال فترة وجيزة عن بياناتها المالية عن 2008، موضحا ان اغلب الشركات التي اوقف تداول سهمها قد قامت بالفعل بتقديم بياناتها المالية إلى البنك المركزي وعليه فإن مراجعة تلك البيانات قد تحتاج لايام قليلة حتى يتم الموافقة عليها ومن ثم الاعلان عنها وهي خطوة تعني أن تلك الاسهم ستعود للتداول قريبا.
واوضح بن سلامة ان عوامل مختلفة قد تكون السبب وراء تأخر تلك الشركات في اعلانها عن البيانات المالية والتي منها تشعب عمل بعض الشركات من خلال شركات زميلة او تابعة داخل الكويت وخارجها وهو ما يستغرق وقتا حتى يتم تجميع بيانات هذه الشركات وبالتالي تأخير ميزانية تلك الشركات.
واكد بن سلامة ان خطوة ايقاف تداول الاسهم غير المعلنة عن بياناتها تصب في مصلحة السوق بشكل عام، لاسيما انه عنصر مهم جدا في تحديد خطوات واتجاهات المتداولين والمستثمرين بشكل عام، كما أنه يندرج ضمن أطر الشفافية والافصاح عن أوضاع تلك الشركات حتى يمكن للمستثمرين تحديد أوامر البيع او الشراء بناء على تلك البيانات.
اتهام ظالم للمدققين
وبالانتقال الى احد اطراف الاتهام في عملية تأخير البيانات المالية للشركات وهم مدققو الحسابات، اكد المحاسب القانوني وصاحب مكتب الاول لتدقيق الحسابات عبدالمجيد اشكناني ان هذا الاتهام يتضمن ظلما بينا على مدققي الحسابات بشكل عام، مستدلا في كلامه بأن طبيعة عمل المدقق هو مراجعة جميع البيانات المالية للشركة المسؤول عنها والتشدد في ذلك هو سمة رئيسية في عمله وهو ما يحسب له وليس ضده.
واضاف قائلا: «من الطبيعي جدا وفي ظل الظروف الراهنة وحفاظا على حقوق المساهمين في الشركات، ان مدقق الحسابات يتبع في عمله كل الحيطة والحذر وعليه فإن التشدد في طلب اي ايضاحات مالية يحسب له وليس عليه».
واوضح ان مدققي الحسابات يخضعون هذه الأيام للعديد من الضغوطات بسبب سياسة عملهم الحذرة، ضاربا المثل على تلك الضغوطات بأن مسؤولي بعض الشركات يحاولون تمرير ميزانياتهم المالية بأي شكل وبالتالي تجاوز العديد من الايضاحات الضرورية ومنعا لظهور خسائر كبيرة عن 2008، اضف الى ذلك محاولة تجميل ميزانياتهم حفاظا على مواقعهم الادارية في عملهم بتلك الشركات.
واكد اشكناني ان محاولات الضغط امتدت الى حد الرضوخ لرغبات رؤوساء واعضاء مجالس ادارات بعض الشركات او التهديد بعدم التجديد لمدققي الحسابات المتشددين في عملهم، اضف لذلك محاولات الاغراء المادي التي ظهرت ايضا سواء بمحاولة زيادة أجور مدققي الحسابات او الوعد بتكليفهم ببعض الشركات الجديدة.
واشار اشكناني الى ان ادبيات واخلاقيات المهنة تفرض على مدققي الحسابات، تجاوز جميع الضغوطات السابق ذكرها والتركيز كل التركيز على اداء مهنته دون اي اخلال حفاظا على حقوق المساهمين في تلك الشركات وايضا حقوق المتداولين بالسوق فمن يسيرون وراء ما يعلن من بيانات مالية يتم في ضوئها تحديد مستقبل استثماراتهم في تلك الشركات.
وشدد اشكناني على انه ليس بالضرورة ان يوافق مدقق الحسابات على البيانات المالية الأولية التي تعلن عنها مجالس ادارات الشركات، حيث ان تلك البيانات تظل مبدئية وبحاجة لاعتماد مدققي الحسابات المسؤولين عن تلك الشركات، وعليه فإن هناك احتمالات لتعديل وتغيير ما يعلن من ارقام في بعض الشركات وذلك من منطلق اصدار بيانات مالية صحيحة وسليمة تعكس الوضع المالي الحقيقي لتلك الشركات.
أدبيات المهنة
هذا وبين اشكناني ان ايقاف تداول اسهم 36 شركة ليس بالضرورة انه يعود لتشدد مدققي الحسابات كما ادعى البعض، حيث ثمة مجموعة من الاسباب التي تقف وراء ذلك منها تأخر البنك المركزي في الموافقة على البيانات المالية لبعض الشركات سواء بسبب وصولها متأخرة اليه او بسبب التمعن في دراستها قبل اعتمادها، كما ان هناك بعض الشركات التي لديها انشطة خارج الكويت او لديها العديد من الشركات التابعة او الزميلة خارج الكويت وهو امر يفرض عليها التأخير انتظارا لوصول البيانات المالية الخاصة بهذه الشركات.
واكد ان هذا الايقاف عن التداول لا يعني انه ايقاف طويل المدى، وانما هو ايقاف مؤقت حتى تعلن الشركات عن بياناتها وبالتالي فهو اجراء يدفع ويحث الشركات المتأخرة على الاسراع في عملها واعتماد بياناتها المالية فضلا عن انه اجراء احترازي يضمن للمتداولين حقوقهم ومصداقية الشركات في عملها امامهم لتحديد قراراتهم الاستثمارية بشكل صحيح.
وناشد اشكناني زملاء المهنة عدم الاندفاع وراء تهديدات بعض الشركات لهم او الانجراف وراء مغرياتهم، والتمسك بمهام عملهم وفق الأطر الشرعية وحسب ضمائرهم، فضلا عن عدم الالتفات الى كبار المساهمين او كبار ملاك تلك الشركات لتعديل اتجاهاتهم في مراجعة البيانات المالية لتلك الشركات.
كما طالب اشكناني الجهات الرقابية وفي مقدمتها وزارة التجارة بالتصدي لاحتمالات انهاء بعض الشركات لعقودها مع بعض مدققي الحسابات او حتى عدم التجديد لهم في الجمعيات العمومية، معتبرا ان هذه الخطوة حق أصيل للمساهمين ولكن أيضا تلك الجهات مطالبة بالوقوف على الاسباب الحقيقية وراء عدم التجديد لمدققي الحسابات وطلب معرفة الأسباب وراء اتخاذ مثل تلك القرارات.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )