زكي عثمان
يستعد البنك المركزي لاصدار سندات جديدة اليوم، ليكون بذلك الاصدار الثالث له خلال نحو 20 يوما والخامس في غضون الأشهر القليلة الماضية، وهو ما يفسر رغبة البنك المركزي لامتصاص جزء من السيولة المتراكمة لدى البنوك المحلية وغير الموظفة بسبب الأزمة المالية الحالية.
ولكن ما السبب وراء تسارع وتيرة خطوات البنك المركزي في هذا المجال وتحديدا السندات التي ستطرح اليوم بقيمة 80 مليون دينار رغم اقرار قانون الاستقرار المالي وعودة البنوك التدريجية لفتح خطوط الائتمان؟ هذا التساؤل المهم الذي يدور في اذهان الكثيرين اليوم، علقت عليه مصادر مصرفية مطلعة لـ «الأنباء» انه اجراء اعتيادي من قبل «المركزي» ويأتي في سياق صلاحياته وتقديراته للوضع الراهن وتحديدا في شق «ارتفاع النقد» لدى البنوك المحلية.
واضافت المصادر ان اجراءات «المركزي» تأخذ منحنى مهما يتعلق بسعيه وضمن مجموعة قراراته لدعم وتوفيق جميع الاركان التي تدعم الاداء النقدي في الكويت ولاسيما خلال المرحلة الحالية الهادفة لارساء جوانب الثقة لدى المصارف المحلية وايضا ضمن جهوده لتحريك السيولة لديها وهو ما يسمى بـ «انسيابية السيولة» وتوفيرها للسوق المحلي بما يؤمن مصادر لتحريك خطوط الائتمان.
وقالت المصادر ان «المركزي» يستخدم تلك السندات في الاتجاه الذي يخدم السوق النقدي من خلال تقديمه لضمانات تلعب دور المحفز لعمليات الاقتراض بصورة قوية فضلا عن تكوين مزيج بين السندات وغيرها من الادوات الداعمة للسوق النقدي، لاسيما ان السندات تمتاز بأنها «أصول متينة» تخدم مصالح البنوك المحلية في الحصول على عوائد مجزية في ظل صعوبة تحريك الفوائض المالية المتراكمة لديها.
ولكن على الصعيد الآخر، ارتأت نفس المصادر ان توالي اصدار «المركزي» لتلك السندات وتحديدا عقب النجاح الكبير الذي لاحظته في الاصدارات السابقة يعتبر دلالة مهمة من «المركزي» ضمن خطواته الداعمة لقانون الاستقرار المالي، سعيا منه لتقديم كل ما من شأنه ان يدعم من نجاح هذا القانون في مهمته.
لماذا السندات؟
يذكر ان السندات الجديدة التي سيصدرها «المركزي» اليوم بقيمة 80 مليون دينار بفائدة 2.25%، في حين ان الاصدار السابق في 25 مارس كان بقيمة 92 مليون دينار بنفس الفائدة وقد حظي باقبال كبير تجاوز الـ 8 اضعاف وسبقهما اصدار بتاريخ 18 مارس بقيمة 200 مليون دينار وتمت تغطيته 6 مرات.
ووجود 3 اصدارات لـ «المركزي» في اقل من 20 يوما بقيمة اجمالية بلغت 372 مليون دينار، يوضح ان هناك سيولة كبيرة لدى المصارف المحلية غير قادرة على توظيفها، وهو أمر طبيعي للأزمة المالية المحلية التي انعكست على توقيف خطوط الائتمان المحلية، ولكن في ذات الوقت يؤكد حقيقة مهمة في ظل الاقبال الكبير على الاكتتاب فيها وهي ان البنوك المحلية غير عازمة على فتح خطوط الائتمان من جديد او على الأقل فتحها ولكن بشروط وضوابط قاسية لاسيما ان الأصول المقدر رهنها من الراغبين قد انخفضت بشكل كبير مؤخرا وهو ما يقلق البنوك المحلية.
هذا ما اوضحته مصادر مراقبة بالسوق النقدي لـ «الأنباء» متسائلة عن الفائدة الجديدة التي ستعود على الاقتصاد الوطني من تسارع خطوات «المركزي» في اصدار سندات جديدة اليوم؟
واوضحت المصادر ان «المركزي» كان من الأجدى له ان يشجع البنوك المحلية من جديد على فتح خطوط الائتمان وتمويل الجهات الراغبة بشروط، عوضا عن جذب الأموال من البنوك في سندات بفوائد، قد تكون بديلا لتلك البنوك عن المضي قدما في التمويل الجديد خلال المرحلة المقبلة، وسعيا منها للحصول على عائد ثابت افضل من الاقدام على المخاطرة وتمويل الراغبين في ظل الازمة الحالية واستمرار تداعياتها خلال العام الحالي على اقل تقدير.
قانون الاستقرار
وذكرت المصادر ان قانون الاستقرار المالي، من شأنه ان يحرك الاقتصاد الوطني من جديد وذلك في حالة واحدة فقط، الا وهي ان يستهدف الاقتصاد الوطني وتمويل المشاريع الجديدة من خلال البنوك والشركات والكيانات الاقتصادية القادرة على ذلك بشكل عام، وهو ما سيحقق الاستقرار الاقتصادي بشكل عام، في حين ان فشل القانون سيكون اكيدا لو اقتصر على علاج الشركات المتعثرة فقط.
وربطت المصادر بين قيام «المركزي» بطرح السندات الجديدة وجدوى ذلك على الاقتصاد الوطني بشكل عام، مبينة في هذا الصدد ان توقف طرح المشاريع التنموية هو العائق الأكبر أمام الاقتصاد الوطني حاليا، وفي حال استمرار الوضع الراهن كما هو ما يعني ان كل الجهود الحالية ستكون عديمة الفائدة بل انها مثل «رجل يسير بقدم واحدة».
وطالبت المصادر «المركزي» بوضع البديل السريع لأزمة تمويل المشاريع التنموية والاقتصاد الوطني بشكل عام، عوضا عن سحب السيولة من البنوك او جزء منها لوضعها في سندات بفائدة ثابتة، علما ان «المركزي» سيضطر لاحقا لاعادة تدوير تلك الأموال وعليه فإن عدم وجود قناة لتصريف تلك الأموال يعني انها اموال جامدة وبلا حركة وعليه فإن ذلك سيكون بمنزلة «الهدر» لخزينة الدولة والتي لم تستفد من خطوة اصدار السندات سواء الجديدة او ما سبقها من سندات.
واستغربت المصادر من قرار «المركزي» باصدار سندات جديدة بعد ايام قليلة من صدور قانون الاستقرار المالي، مؤكدة انه يكرر خطواته ويدور في دائرة واحدة.
إشكالية المصارف
واوضحت المصادر ان المصارف المحلية تعاني حاليا من 3 اشكاليات تتمثل في:
صعوبة انشاء محفظة تمويلية نظرا لعدم وجود منافذ استثمارية تستقطب أموال تلك المحفظة.
صعوبة ايجاد التمويل الخارجي من الشركات والأفراد لتلك المحفظة نظرا لشح السيولة بين تلك الجهات.
صعوبة ايجاد المشاريع التنموية المجدية للتمويل وبالتالي توقف المحفظة الاستثمارية لدى معظم البنوك المحلية.
وأمام تلك الاشكاليات، قالت المصادر ان قانون الاستقرار المالي قد حاول ان يكون «المحرر» لها حتى تستطيع البنوك معاودة نشاطها من جديد، وعليه فما السبب من وراء اصدار سندات جديدة اليوم او مستقبلا، وهنا اختتمت المصادر ان الحل الأمثل يكمن في اعادة طرح المشاريع التنموية من قبل الجهاز الحكومي وتوفير قنوات لتوظيف واستثمار الأموال «الخامدة» حاليا لدى المصارف والتي بلغت وحسب كلام وتصريحات محافظ المركزي الـ 40 مليار دينار أي 150 مليار دولار.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )