زكي عثمان
الأزمة المالية العالمية الحالية، فاقت بآثارها السلبية كل التوقعات وتجاوزت جميع الاحتياطات والخطط والبرامج مما ادى الى انهيارات اقتصادية واغلاق العديد من البنوك والشركات الاستثمارية المرموقة، بهذه العبارة التي اجمع عليها المحاضرون والمشاركون في مؤتمر مخاطر الازمة المالية العالمية ومنطقة الخليج «الرؤية والحلول» الذي نظمته امس وعلى مدار يوم واحد مجموعة الخليج لتنظيم المعارض والمؤتمرات، كانت محصلة 6 جلسات عمل لشخصيات بارزة على مستوى العالم في مجال إدارة المخاطر والذين اجمعوا على ان المرحلة المقبلة تتطلب تعاونا على مستوى عال من التفهم لأسباب وقوع تلك الازمة حتى تكتمل الحلول العملية لتجاوزها لاسيما انها وصلت لمنتصف الطريق حاليا.
ففي بداية المؤتمر اكد الرئيس التنفيذي لمجموعة الخليج لتنظيم المعارض والمؤتمرات عدنان الحداد ان المجموعة قررت تنظيم هذا الحدث في ظل أزمة مالية عالمية غير مسبوقة في التاريخ الاقتصادي المعاصر مما انعكس بشكل مباشر على العديد من المؤسسات المالية والبنوك العالمية والشركات السيادية حتى اصبحت بحق تشكل اكبر كارثة مالية في التاريخ الحديث.
واضاف انه وفي ظل الدمار المالي الشامل وتتابع اثاره السلبية على اقتصاديات كل دول العالم فقد سعت المجموعة وبالتعاون مع شركائها الاستراتيجيين وهم مركز خطوات النجاح بالسعودية وشركة الراية وبيت المشورة بالكويت والجمعية العالمية لإدارة المخاطر لتنظيم هذا المؤتمر لتقديم الحلول والمقترحات للعديد من قضايا الساعة والتي تأتي ترجمة فعالة لمساهمة شركات القطاع الخاص بتقديم حلول مالية عملية للمساهمة بالإسراع من الخروج من الأزمة الراهنة.
واوضح الحداد ان ادارة المخاطر في المؤسسات المالية انما تمثل احد المراكز المهمة بترشيد القرارات المالية للمشاريع الكبيرة والحساسة لما تمثله من صمام امان للمؤسسة المالية من خلال ما تملكه من خبرات ذات رؤى تحوطية.
تقلب أسعار النفط
من جانبه قال مدير إدارة البحوث الاقتصادية في بنك الكويت المركزي سامي الأنبعي ان العام الماضي شهد تراجعا ملحوظا في معدلات الدخل القومي للكويت وذلك بسبب الاحداث الدرامية التي شهدها العالم بشكل عام مما انعكس على العديد من الاستثمارات المحلية سواء الخاصة بالهيئة العامة للاستثمار او شركات القطاع الخاص هذا الى جانب التراجع الحاد والكبير جدا لأسعار النفط التي تراجعت من معدلاتها القياسية البالغة 130 دولارا للبرميل الى ما دون الـ 40 دولاراً. واضاف الانبعي في ورقة عمل بعنوان «صدى تقلب أسعار النفط» ان معدل الدخل القومي حافظ على مستوى بحدود 7.5% للفترة من 2001 حتى 2007، غير أنه تراجع ما بين 5.5% و6% بنهاية 2008 كما ارتفع معدل التضخم قليلا ليظل بحدود 7% مشيرا الى ان الكويت شهدت فائضا في ميزان المدفوعات بنسبة تصل لـ 32% خلال الفترة من 2001 حتى 2007 فيما ارتفعت تلك النسبة بنهاية العام الماضي بسبب التدهور الشديد لأسعار النفط.
واوضح ان الكويت شهدت اداء جيدا خلال السنوات الماضية مستدلا في ذلك بارتفاع مواردها المالية وتحقيقها لفوائض مالية كبيرة وهو ما انعكس بشكل كبير على مشاريعها التنموية ولكن استفحال الازمة المالية بنهاية 2008 تسبب في تراجع آلية هذه المشاريع فضلا عن تأثر استثمارات الكويت الخارجية.
دور «المركزي»
وأكد الأنبعي ان البنك المركزي سعى ومنذ وقوع تلك الأزمة للمساهمة بدور فعال ورئيسي في الحد من آثارها وذلك من خلال اتخاذه لمجموعة سريعة وفعالة من الحلول التي تحقق المصلحة العامة والتي كان آخرها ترؤس محافظ البنك المركزي لفريق الانقاذ الحكومي والذي خلص في نهاية عمله الى قانون تعزيز الاستقرار المالي. وحول معاودة اسعار النفط للارتفاع من جديد وأثر ذلك الايجابي على الكويت، قال إن ارتفاع الاسعار بشكل تدريجي مؤشر جيد لصالح الاقتصاد الوطني ولكنه يظل ارتفاعا مؤقتا وغير ثابت، كما ان المؤشرات تدل على انه سيشهد تذبذبا من جديد على المدى القصير، موضحا ان الدول الاستهلاكية الكبيرة التي في مقدمتها الصين والهند سيكون لها دور كبير في عودة النشاط لاسعار النفط على المدى الطويل.
وتخوف الانبعي من استمرار التأثير السلبي للازمة المالية على الاقتصاد العالمي خلال الفترة المقبلة وهو ما قد لا يفيد معه ارتفاع اسعار النفط نظرا لأن تكاليف علاج تلك الازمة على الدول بمختلف جنسياتها ستكون كبيرة ايضا، كما انه سيكون له تأثير على انواع الانفاق المختلفة للدول سواء على مشاريع التنمية او على الاستثمارات الخارجية.
وتناول الانبعي في كلمته مجموعة من المحاور منها تأثير انخفاض اسعار النفط والسيولة على اسواق المال المختلفة وكذلك اثر انخفاض الدولار على سوق رأس المال المحلي والمخاطر التي يمكن ان تنطوي على ذلك، فضلا عن الاسباب الرئيسية لانسحاب المستثمرين والمتمثلة في الخوف والذعر من تمادي الازمة المالية وعدم المقدرة على علاجها واخيرا المرونة تجاه الاضطراب الاقتصادي العالمي في الوقت الذي تتزايد فيه معدلات نمو الانتاج.
أزمة خطيرة
من جانبه، قال المدير العام للاتحاد العالمي لمحترفي المخاطر الاستير جراهام ان العالم اصبح ضعيفا امام اي ازمة قادمة بعد ان نجحت الازمة الحالية في انهاك قوى العديد من المؤسسات المالية والاقتصادية على مستوى العالم، مشددا على ضرورة سرعة ايجاد حلول عاجلة حتى تتجنب الشركات الاغلاق وتخفيف عمالتها نظرا لأن الازمة الحالية خطيرة جدا ولا يجوز الاستهانة بها او التعامل معها بطريقة سطحية كما هو حاصل من بعض الدول.
واوضح ان عمليات التمويل الحالية قد اصبحت هاجسا يؤرق جميع الجهات وتحديدا المستثمرين، وهو ما يدفعنا للبحث عن اساليب وسياسات كثيرة ومتنوعة لمواجهة آثار الازمة وكيفية الخروج منها بعد ان بات على الجميع البحث عن ادوات ورؤية جديدة تناسب الوضع الجديد، خصوصا ان الازمة دفعت الكثير من الدول لاتخاذ حزمة قرارات تساعدها على هذا الموقف.
أوراق عمل
هذا وتناول مدير غير تنفيذي في بنك جيت هاوس براندون ديفيس في ورقة عمل بعنوان «الوقت للعودة الى المستقبل» العديد من النقاط المهمة حول جعل المنتجات المضمونة اكثر جاذبية للمستثمرين والقيمة العادلة للاوراق المالية والمحاسبة، موضحا ان استمرار ظروف الاسواق على هذا الشكل من الاداء الضعيف والمتردد قد يدفعنا في نهاية المطاف للوقوف امام مشاكل اكبر تطول جميع العمليات المالية كما انه قد يحول المنطقة الى العجز التام في مواجهة المشكلة من جميع النواحي.
كما قال نائب الرئيس لادارة المخاطر في مؤسسة التمويل الدولية ومجموعة البنك الدولي ميشيل مايلا في ورقة عمل بعنوان «ماذا تعلِّمنا الازمة المالية عن ادارة المخاطر؟» ان هناك مجموعة من الاجراءات اللازمة لتغيير تنظيم العمل المصرفي والرقابي، مبينا ان المشكلة الاكبر حاليا هي عدم المعرفة بشكل كامل للمخاطر التي يمكن ان تواجهها الشركات في المستقبل، مما يعني ان الجميع مطالب بالبحث عن ادوات ورؤية جديدة تناسب الوضع الجديد.
اما كبير الخبراء الاقتصاديين في البنك المركزي الاوروبي كن ينهولم فقال ان هناك سيناريوهات عامة ومتعددة للمخاطر تتناول وضع استراتيجية شاملة لتوزيع الاصول في اطار الاحداث التي تفي بالنهايات.
كما استعرض المدير التنفيذي لشركة ميريل لينش زياد عوض ورقة عمل حول ادارة المخاطر في مرحلة ما بعد ازمة الائتمان العالمية، متسائلا: ماذا يلزم مديري المخاطر في دول المجلس بضرورة اعتماد نهج مختلف للغاية؟ مؤكدا ان هناك محاور مهمة يجب الالتفات اليها خلال المرحلة المقبلة ومنها القواعد والنظم المالية بشكل كامل من تمويل واستثمار وائتمان، وكذلك الحلول التمويلية المناسبة لمساعدة المستثمرين على تنفيذ مشاريعهم.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )