تناولت شركة سبائك للإجارة والاستثمار في تقريرها الشهري سوق تأجير الطائرات حول العالم وتطوراته وتداعيات الأزمة المالية عليه، موضحة انه وبحسب الوقائع والأرقام لم يسلم أي قطاع اقتصادي من تأثيرات الركود الذي عصف بأغلب الدول منذ سبتمبر 2008 لكن يبدو أن صناعة تأجير الطائرات بدأت تسير عكس التيار منذ بداية 2009 فهي عادة من الصناعات التي تنشط بسرعة بعد وصول الأزمة إلى القاع، وتسبق الدورة الاقتصادية العادية، وذلك لأن شركات الطيران والخطوط الجوية تبحث اليوم عن تمويل أكثر من أي وقت مضى. فمنذ بداية الألفية الثالثة، كان العالم يعيش فترة من الانتعاش الاقتصادي على الرغم من الاضطرابات السياسية والأمنية التي حصلت منذ 11 سبتمبر 2001 وقد ارتفعت نسبة الطائرات المؤجرة من إجمالي الأساطيل العاملة في العالم من 25% في عام 2001 إلى أكثر من 33% بين نوعي التأجير التشغيلي والتمويلي، أي أن نحو 5 آلاف طائرة أو ثلث عدد الطائرات في العالم مؤجرة ومن المتوقع أن تزيد هذه النسبة لتتعدى 50% في 2010.
وحسب أرقام شهر مارس الماضي، كان هناك أكثر من 1600 طائرة مركونة دون عمل من قبل المشغلين في اميركا، وأكثر من 2300 طائرة بالحالة نفسها في مناطق مختلفة حول العالم. وقد انخفضت هذه الأرقام نحو 0.9% مقارنة مع شهر فبراير، مما يدل على أن جزءا من هذه الطائرات بدأ يعود إلى الخدمة وسوق العمل.
ويشكل التأجير أحد أبرز أساليب العودة هذه، إذ يقدر حجم السوق العالمي لتأجير الطائرات بـ 130 مليار دولار، ومن المتوقع أن يسجل نموا سنويا بين 5% و7% في الفترة المقبلة. لكن الصورة لا تبدو وردية بشكل كامل، إذ توقع الاتحاد الدولي للنقل الجوي (أياتا) أن تخسر شركات الطيران العالمية 4.7 مليارات دولار هذا العام نتيجة الركود الذي قلص طلب الركاب والشحن، واعتبرت «أياتا» وضع قطاع الطيران «سيئا» في الوقت الراهن، إذ تراجع الطلب بسرعة أكبر بكثير من المتوقع حتى بعد أشهر فقط من التباطؤ الاقتصادي.
ويواجه قطاع السفر والنقل الجوي خلال عام 2009 تحديات جمة أبرزها: الأزمة المالية، انفلونزا الخنازير، أسعار البترول، تباطؤ التجارة وديون المشغلين.
هذا وتقدر «أياتا» ديون صناعة الطيران بحوالي 170 مليار دولار مما يخلق ضغوطا على ميزانية الشركات بشكل عام.
وعلى الرغم من جملة التحديات التي يعانيها قطاع الطيران والسفر، إلا أن مستقبل الصناعة على المدى القريب والمتوسط يبدو إيجابيا فقد أفادت «أياتا» منذ فترة وجيزة بأن الانخفاض في سوق النقل الجوي عقب الأزمة المالية العالمية بلغ القاع، وصحيح أن وضع السوق بدأ يتحسن، لكن يجب الانتظار لمدة ثلاثة أو أربعة أشهر على الأقل لنرى إذا كان النمو قد عاد، على حد تعبير الاتحاد الدولي للنقل الجوي نفسه.
وخلال الأعوام الثمانية الماضية، نمت نسبة الطائرات المؤجرة من إجمالي أساطيل منطقة الشرق الأوسط من أقل من 30% في عام 2000 لتتعدى الـ 40% في 2008 حسب أرقام شركة «فروست إند سوليفان» المتخصصة في قطاع أبحاث الأسواق. وقد شهد قطاع التأجير التشغيلي أكبر نسبة نمو في هذا المجال مرتفعا من حوالي 10% من إجمالي الطائرات العاملة في المنطقة إلى أكثر من 30%.
وكمنطقة وحيدة في العالم مازالت تشهد نموا قويا في قطاع السفر، من غير المستغرب أن تسجل صناعة التأجير توسعا هائلا في الشرق الأوسط تلبية لطلبات شركات الطيران المحلية.
فشركة الأفكو الكويتية لتمويل شراء وتأجير الطائرات كشفت في النصف الثاني من 2008 أنها تخطط لإنفاق 4.2 مليارات دولار خلال 3 سنوات لتزيد أسطولها إلى 100 طائرة. كما بدأت شركة دبي لصناعة الطيران تلعب دورا في صناعة التأجير بعد تدشين ذراعها لتأجير الطائرات في عام 2007، بطلبات تفوق قيمتها 29 مليار دولار.
ومع هذا مازالت شركات تأجير الطائرات في الشرق الأوسط صغيرة الحجم مقارنة مع نظيراتها العالمية، غير أن إنفاق الخطوط الجوية الخليجية على التوسع بدأ يساهم في خلق بيئة تشغيلية ضخمة لشركات التأجير هذه. فشركة جنرال الكتريك لخدمات الطيران التجاري تملك أسطولا مؤلفا من 1800 طائرة مؤجرة حول العالم، ومؤسسة انترناشيونال ليز فايننس التابعة لمجموعة التأمين الأميركية العالمية تضم تحت جناحها أكثر من 950 طائرة.
من جانب آخر، تلقي «سبائك» الضوء على نماذج الأعمال المختلفة التي تتبعها شركات الطيران في المنطقة لاستئجار أو تملك طائراتها:
ـ الشركات التي تتمتع بدعم حكومي وعلاقات جيدة مع البنوك ووصول سهل لمصادر التمويل لا تواجه مشاكل في شراء مكونات أساطيلها. ومن بين هذه الشركات طيران الإمارات والخطوط القطرية والاتحاد للطيران.
ـ تلجأ بعض الشركات الإقليمية للتأجير بهدف تخفيف عبء التكاليف. وينقسم التأجير إلى قسمين: التشغيلي والتمويلي. ويعتبر التأجير التشغيلي بشكل عام قصير المدى، لا تتعدى مدته السنوات العشر. وهذا ما يشد عادة شركات الطيران المؤسسة حديثا بغرض تخفيف التكاليف.
ـ نوع آخر من التأجير بدأ يتوسع في المنطقة وهو العقد الشامل للخدمة فتؤجر الشركة المالكة الطائرات مع طاقمها المتخصص. وهذا النوع ينتشر عادة لتغطية الطلب الطارئ أو المفاجئ، مثل مواسم الحج والصيف.
ويشير تقرير «سبائك» إلى انخفاض أسعار الطائرات خلال الأعوام القليلة الماضية وبالتالي انخفاض عوائد التأجير أيضا لكن القطاع مازال يزخر بالفرص وعوامل النمو، وأبرزها:
1 ـ قطاع الطائرات الصغيرة والمخصصة للسفر للمسافات القصيرة مازال بحاجة لتطوير ويقدم فرصا كبيرة لسوق التأجير في الفترة المقبلة.
2 ـ بدوره سيوفر نمو قطاع شركات الطيران منخفض التكاليف فرصا كثيرة خصوصا لتأجير الطائرات الصغيرة ومتوسطة الحجم.
3 ـ الطلب في المنطقة على تأجير الطائرات قد يفتح الباب أمام المشغلين العالميين على تأجير طائراتهم المركونة بسبب ضعف أسواقهم الأصلية، وذلك لشركات خليجية أو عربية.
4 ـ إن شركات تأجير الطائرات التي تملك قدرة الصيانة وتقديم الخدمات التقنية ستستفيد أكثر من غيرها من النمو المتوقع للسوق.
5 ـ يعتبر جدول شركتي التصنيع الرئيستين في العالم، بوينغ وإيرباص، مليئا بالطلبات حتى 3 سنوات مقبلة. فالطائرة التي تطلب شراءها أي شركة طيران اليوم، لا يمكن تسلمها قبل سنة 2012 وهذا ما يشجع الخطوط الجوية على استئجار أساطيلها.
6 ـ بسبب الضيق الائتماني الذي تعانيه أغلب شركات المنطقة والعالم، تلجأ هذه الأخيرة إلى التمويل عبر التأجير. وتشكل هنا الإجارة الموافقة للشريعة الإسلامية المنتهية بالتملك احدى أبرز الأدوات المتبعة من قبل شركات الطيران العربية والآسيوية.
7 ـ قد تساعد أسعار الفائدة المنخفضة في أغلب دول العالم في التشجيع على استخدام منتج الإجارة.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )