قال تقرير بنك الكويت الوطني في نشرته الاقتصادية الأخيرة ان الأداء الاقتصادي القوي الذي شهدته دول الخليج في السنوات الخمس الماضية تزامن بشكل وثيق مع تبني مشاريع ضخمة وطموحة لتطوير البنى التحتية، والتي توزعت على كافة القطاعات، من القطاع السياحي والعقاري إلى القطاع النفطي والصناعي.
وأوضح «الوطني» أنه مع تدهور النشاط الاقتصادي، باتت الشكوك تحيط بعدد كبير من هذه المشاريع، ولمتابعة مسارها، توفر قاعدة بيانات مؤسسة «ميد» أداة فعالة لرصد مشاريع البنى التحتية والصناعة الرئيسية في المنطقة، وتهدف هذه النشرة الاقتصادية في الجزء الأول والثاني منها إلى متابعة وتقييم مسار الإنفاق الاستثماري الذي من شأنه أن يؤثر على وتيرة وشكل النمو الاقتصادي للمنطقة خلال السنوات المقبلة.
وأشار الوطني إلى أنه رغم سعي قاعدة بيانات «ميد» إلى رصد تطور المشاريع بشكل شمولي ودوري، إلا أن حجم الإنفاق الاستثماري الهائل المخطط له في المنطقة يجعل من هذه المهمة عملا شاقا، فالمشاريع الضخمة والشائكة عادة ما تواجه مشاكل في الالتزام بالجدول الزمني المقرر، ما يصعب من مهمة تحديد مواعيد التنفيذ والانتهاء من المشروع بشكل دقيق.
كما ان رصد تكلفة هذه المشاريع على نحو مستمر أمر بالغ الصعوبة، لاسيما في ظل بيئة تتغير فيها التكاليف الرأسمالية بشكل ملحوظ، كما هو الحال في عدد كبير من القطاعات في الوقت الراهن. ونتيجة لذلك، يجب النظر إلى المواعيد والأرقام الواردة في هذه النشرة كمؤشر عام لمسار المشاريع، وليس كأرقام دقيقة تماما.
حجم المصروفات
واشار «الوطني» الى أن الأرقام الواردة هنا لا تمثل بشكل كامل حجم المصروفات الرأسمالية لبلد أو قطاع اقتصادي معين، كالذي قد يستنتج من ميزانية حكومية أو تقرير سنوي لشركة ما. فالأخيرة تشمل جميع المصروفات التي تهدف إلى رفع الإنتاج المستقبلي، ومنها على سبيل المثال تكلفة التدريب والتطوير أو مصروفات شراء المعدات والتجهيزات لزيادة الإنتاج. وفي المقابل، ترصد قاعدة بيانات «ميد» بشكل رئيسي المصروفات على المعدات والمباني والبنية التحتية.
كما أن تكلفة المشروع الواردة في تلك القاعدة تعكس إجمالي المصروفات المقدرة طوال مدة تنفيــذ المشــروع، والتي تمتد عادة لسنــوات عــدة. لكن في الواقع، بعض هذه المشاريــع قد لا ينتهي تنفيذه إطلاقا، بينما عادة ما تعلن المصروفات الرأسمالية للحكومات والشركات لكل عام على حدة، وعادة ما يكون احتمــال تنفيذها على أرض الواقع مرتفعا.
ومع نهاية الربع الثاني من العام الحالي، أظهرت بيانات «ميد» أن إجمالي حجم المشاريع في جميع مراحل التخطيط والتنفيذ في دول الخليج يبلغ 2.1 تريليون دولار، وأكد الوطني أن هذا من دون شك حجم هائل، ويوازي ما بين ضعفي إلى ثلاثة أضعاف حجم الناتج المحلي الإجمالي الخليجي المتوقع لهذا العام، كما ان حصة كل فرد في دول الخليج من هذه المشاريع تبلغ نحو 55 ألف دولار. وعلى الرغم من صعوبة تتبع البيانات بشكل دوري، إلا أنها تدعم ما يقال عن النمو الحاد في حجم المصروفات المخطط لها. إذ ان قيمة المشاريع التي تتم متابعتها ورصدها قد ارتفعت بما متوسطه 50% سنويا عن مستواها في يونيو 2005 والبالغ 490 مليار دولار.
وتشمل تلك البيانات المشاريع بجميع مراحل تنفيذها، أي انطلاقا من مراحل التخطيط المبكرة (مراحل وضع المخطط ودراسة الجدوى ووضع التصميم) ثم المراحل المتقدمة (مرحلة الدعوة إلى تقديم العروض)، وإلى المشاريع الجاري تنفيذها على أرض الواقع (بعد ترسية المشروع على الجهة المنفذة الرئيسية). لكن هذه البيانات لا تشمل المشاريع المتوقفة في الوقت الراهن. ولحظ الوطني أنه من قيمة المشاريع الإجمالية البالغة 2.1 تريليون دولار، نحو 29% (610 مليارات دولار) جار تنفيذها حاليا، بينما الباقي مازال في مراحل التخطيط.
وبالنظر إلى توزع تلك المشاريع بحسب القطاعات، لحظ الوطني أن غالبيتها (73% من قيمتها الإجمالية) يتركز بصورة أو بأخرى في قطاع الإنشاء، ما يلقي الضوء على الدور المؤثر لهذا القطاع ليس في تطوير مستقبل المنطقة فحسب، بل كذلك في الأداء الاقتصادي لدول الخليج في الآونة الأخيرة (قطاع الإنشاء هنا يشمل قطاعات مختلفة من المساكن والفنادق والمكاتب إلى المرافق والجسور وسكك الحديد).
مراحل التخطيط
وقال «الوطني» انه في الواقع نحو ثلاثة أرباع المشاريع الإنشائية مازالت في مراحل التخطيط، ما يشير إلى أنه في حال استمر العمل في هذه المشاريع، فإن تطلعات هذا القطاع في المدى المتوسط تبقى مشجعة، وفي المقابل فإن حجم المصروفات في القطاعات الأخرى يعتبر قليلا نسبيا.
إذ إن إجمالي قيمة المشاريع في قطاع النفط مثلا، وعلى الرغم من أهميته القصوى بالنسبة للمنطقة، تبلغ نحو 236 مليار دولار، حوالي ثلثها مازال قيد التنفيذ. وهذا الانحياز الواضح تجاه قطاع الإنشاء يعكس في جانب منه البنية الاقتصادية لدول الخليج: إذ إن محدودية الفرص المتوافرة في قطاع الصناعة يدفع بالنسبة الكبرى من الإنفاق الاستثماري للتوجه نحو الإنشاءات التي يجري تنفيذها لصالح قطاع الخدمات. ومع ذلك، فإن قيمة المشاريع في قطاع الإنشاء تبقى كبيرة.
أما على صعيد كل دولة، فأشار «الوطني» إلى أن الإمارات تستحوذ على الحصة الأكبر من المشاريع، بقيمة إجمالية تبلغ 929 مليار دولار، لتؤكد صدارتها خليجيا في جذب الاستثمار الرأسمالي. ولاحظ أن 81% من المشاريع في الإمارات تتركز في قطاع الإنشاء.
ففي الواقع، يهيمن قطاع الإنشاء على الحصة الأكبر من المشاريع في جميع الدول الخليجية، لكن بنسب متفاوتة. ومع أن القيمة الإجمالية للمشاريع في الإمارات تتجاوز بشكل ملحوظ مستواها في أي بلد خليجي آخر، يلاحظ أن المملكة العربية السعودية تتمتع بقاعدة أوسع بكثير من المشاريع من خارج قطاع الإنشاء، قيمتها الإجمالية تقارب الـ 224 مليار دولار. وبهذه القيمة، يتجاوز حجم هذا النوع من المشاريع في السعودية مستواه في الإمارات بنحو 28%. ورأى الوطني أن ذلك ربما يعكس في جزء منه الحجم الأكبر للاقتصاد السعودي بالقيمة المطلقة، ما يستدعى درجة أعلى من التنويع الاقتصادي تجاه قطاع الصناعة.
قطاع الطاقة
وفي حال استبعاد قطاع الإنشاء المهيمن، لحظ «الوطني» أن القيمة الأعلى من المشاريع تتركز في السعودية في قطاع البتروكيماويات والطاقة والمرافق العامة، إذ ان القيمة الإجمالية للمشاريع في هذه القطاعات تبلغ 127 مليار دولار، أعلى بنحو 35% من مستواها في الإمارات، أما في الدول الخليجية الأخرى، فتتركز الحصة الأكبر من المشاريع من خارج قطاع الإنشاء في قطاع النفط والغاز وقطاع الطاقة والمرافق العامة، ما يعكس تزايد الحاجة للطاقة في دول المنطقة.
من جهة ثانية، تشير قاعدة بيانات «ميد» إلى ارتفاع حاد في متوسط حجم المشاريع. فبينما لم يتجاوز متوسط حجم المشروع الواحد 500 مليون دولار للمشاريع المخطط لها أن تبدأ في العام 2003، وصل بالنسبة للمشاريع المخطط لها أن تبدأ في العام 2012 إلى نحو 4 مليارات دولار.
وأكد الوطني أن تقييم تلك الأرقام يستدعي بعض الحذر، إذ قد يعود هذا الارتفاع في جزء منه إلى ارتفاع تكلفة المشروع. والأهم أنه يجري الإعلان عن المشاريع الضخمة على نحو مبكر نسبيا، لذلك فإن درجة المبالغة في تقدير متوسط حجم المشروع قد ترتفع كلما كان موعد تنفيذ المشروع بعيدا في المستقبل. لكن يمكن الجزم بأن جزءا من الارتفاع على الأقل يعكس الطابع الأكثر طموحا الذي تكتسبه المشاريع مع الوقت.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )