- المستثمرون في المنطقة بدأوا يتجهون نحو صناديق الدخل الثابت والإجارة
- العام الماضي شهد تدشين 78 صندوقاً مقابل 173 في 2007 و98 في 2006
قال تقرير شركة سبائك للإجارة والاستثمار لشهر يوليو2009 ان سوق الصناديق الإسلامية شهد تطورات عملاقة منذ بداية العقد الحالي خصوصا فيما يتعلق بالتشريعات والقوانين التي أقرتها السلطات المختصة في هذا المجال، وحسب أرقام الربع الأول من2009 لامس عدد الصناديق التي تعمل وفق الشريعة الإسلامية حول العالم الـ 680 بـ 44 مليار دولار أصولا تحت إدارتها، مع العلم أن حجم الأصول المدارة وعدد الصناديق نموا أكثر من 50% خلال 5 سنوات بين عامي 2003 و2008، ففي عام 2003 كان عدد الصناديق الإسلامية لا يتعدى الـ 200 وحجم أصولها 20 مليار دولار.
وأوضح تقرير «سبائك» أن الصناديق الإسلامية، مثلها مثل أي أداة مالية، لم تسلم من تداعيات الأزمة التي ضربت أسواق العالم منذ عام 2008 ولما تنته بعد، فحسب أرقام موقع «زاوية» تراجع نشاط إطلاق صناديق إسلامية جديدة في العام الماضي وفي الربع الأول من العام الحالي، إذ سجل عام 2008م تدشين 78 صندوقا جديدا مقابل 173 في 2007م و98 في 2006 في حين لم يتخط هذا العدد الـ 11 صندوقا في أول 3 أشهر من2009 واللافت في هذا الإطار أيضا ارتفاع عدد الصناديق الإسلامية المصفاة، أي التي تم تسييلها، ففي وقت لم تتعد الصناديق الموافقة للشريعة المسيلة في 2006 السبعة وفي 2007م الـ 11، ثم ارتفع هذا العدد ليصل إلى 25 صندوقا خلال الفترة الممتدة من العام الماضي إلى الربع الأول من 2009.
عوامل التراجع
وذكر التقرير ان ظاهرة التصفية وتراجع نشاط إطلاق صناديق إسلامية جديدة تعود إلى مجموعة عوامل أبرزها: انخفاض مؤشرات أسواق المال العالمية بنسبة 50% في الفترة بين شهري نوفمبر 2007 ومارس 2009 مقابل عائدات بنسبة 40% شهدتها الفترة بين شهري مايو 2005 ونوفمبر 2007.
وأيضا ركود الاقتصاديات المتقدمة وتراجع حجم الاستهلاك فيها إلى مستويات لم تشهدها الأسواق منذ 2002، وتراجع أسعار الأصول والثروات المدارة وشح السيولة في أسواق الائتمان، وهبوط التجارة العالمية وانخفاض أسعار النفط مما أثر خصوصا على اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي وماليزيا وإندونيسيا (أي أسواق الصناديق الإسلامية) وانهيار أسعار العقارات والسلع على أنواعها.
وأشار التقرير الى انه على الرغم من جملة هذه العوامل السلبية بقيت تداعيات الأزمة المالية على الصناديق الإسلامية محدودة مقارنة بصناعة الصناديق بشكل عام في العالم. إذ تراجع عدد الصناديق حول العالم ـ التقليدية والإسلامية بأنواعها المختلفة ـ لأول مرة منذ عام 2002 ليصل إلى نحو 58 ألف صندوق حسب أرقام الربع الثالث من 2008 بعد أن لامس هذا العدد الـ 70 ألفا في 2007، كما انهار حجم الأصول المدارة في هذه الصناعة من 26.2 تريليون دولار في نهاية 2007م إلى 21.7 تريليونا كما في الربع الثالث من 2008.
التوزيع الجغرافي
وبين التقرير انه إلى ذلك، لاتزال الصناديق الإسلامية صغيرة الحجم على الرغم من النمو الكبير الذي شهدته خلال الأعوام الخمسة الماضية، فأكثر من 50% من هذه الصناديق لا تملك منفردة أصولا مدارة تتعدى قيمتها 20 مليون دولار.
وجغرافيا، يبقى تركيز الصناديق الإسلامية منصبا بشكل أساسي على منطقة الشرق الأوسط، فحسب أرقام نشرتها مؤسسة «إرنست ويونغ» أخيرا، تستحوذ المملكة العربية السعودية على 19% من مجمل الصناديق الإسلامية في العالم، حيث تبلغ قيمة أصولها المدارة 19.28 مليار دولار. وتحتل ماليزيا المركز الأول عالميا من حيث حيازتها على 23% من عدد هذه الصناديق، التي وصلت أصولها إلى 4.5 مليارات دولار. وفي حين تدير الصناديق الموافقة للشريعة في الإمارات العربية المتحدة أصولا تتعدى 5.5 مليارات دولار، تدير في الكويت، التي تستحوذ على 9% من عدد الصناديق الإسلامية حول العالم، أصولا قيمتها 3.7 مليارات دولار وفي البحرين 1.2 مليار دولار.
واللافت في هذا الإطار التراجع التدريجي لنشاط إطلاق صناديق إسلامية جديدة في آسيا خصوصا في ماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا، وذلك لمصلحة منطقتي الشرق الأوسط وأفريقيا. فبعد أن استحوذت الدول الآسيوية في عام 2004م على 51% من الصناديق الجديدة، تراجعت حصتها إلى 25% في 2008 مفسحة المجال أمام الصناديق في الشرق الأوسط وأفريقيا حيث ارتفعت نسبتها من 25% عالميا في 2004 إلى 32% في 2009.
ويمثل عدد السكان المسلمين في الأسواق غير المستغلة حتى الآن في آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا مصدرا للنمو بالنسبة للصناديق الإسلامية، إذ لايزال التمويل الموافق للشريعة في مراحله الأولى في أسواق مثل إندونيسيا (207 ملايين مسلم) وباكستان (161 مليون مسلم) والهند (150 مليون مسلم) وبنغلادش (132 مليون مسلم) وتركيا (71 مليون مسلم) وإيران (64 مليون مسلم) ونيجيريا (64 مليون مسلم) ومصر (71 مليون مسلم) والجزائر (33 مليون مسلم) والمغرب (32 مليون مسلم).
أنواع مختلفة
وفي حين يتوزع المستثمرون في الصناديق الإسلامية حول العالم بين الأفراد والمؤسسات مثل شركات التكافل والأوقاف وصناديق الثروات السيادية وصناديق التقاعد، تنقسم الصناديق الموافقة للشريعة إلى 5 أنواع رئيسية، هي: صناديق الأسهم حيث لاتزال الأسهم تستحوذ على الصدارة بين أنواع الصناديق المختلفة، فحجم أصول صناديق الأسهم في الشرق الأوسط وأفريقيا وصل إلى 10.1 مليارات دولار في 2008 مقابل 5.5 مليارات لصناديق الدخل الثابت و3.4 مليارات لصناديق العقار والملكيات الخاصة، وقد اشتهر هذا النوع من الصناديق في الأعوام القليلة الماضية لقوة العوائد التي يحققها، إلا أن انهيار أسواق المال حول العالم بسبب الأزمة دفع الكثير من المستثمرين إلى تغيير استراتيجياتهم وتخفيض نسب مخاطرهم، فبعد أن كان المستثمرون الأفراد يخصصون حوالي 80% من محافظهم للاستثمار في الأسهم قبل عام 2008 باتت اليوم النسبة لا تتعدى الـ 40%، ما أثر على الصناديق الإسلامية التي تستثمر بالأسهم بشكل واسع في الأشهر القليلة الماضية، إذ كان من الممكن ملاحظة تراجع متوسط عائدات صناديق الأسهم الإسلامية إلى 39% سلبا في 2008 مقارنة مع نسبة إيجابية وصلت إلى 23% في 2007. أما في الربع الأول من عام 2009 فتناقصت معدلات العائدات لتستقر عند 3.7% سلبا.
وصناديق العقار تعد من أكثر الأنواع تفضيلا للاستثمار من قبل المؤسسات، خصوصا الصناديق السيادية ووزارات وهيئات ومنظمات الأوقاف الإسلامية، وعلى الرغم من الأزمة وانخفاض أسعار الأصول، إلا أن هذه المؤسسات رفعت استثماراتها في الصناديق العقارية لسببين: أولا: اقتناصا لبعض الفرص الجذابة، وثانيا: إيمانا منها بجدوى الاستثمار في العقار تاريخيا. وقد تراجعت عائدات الصناديق العقارية المتوافقة مع الشريعة من 8% عام 2007 إلى 11% سلبا في 2008 و5% سلبا في الربع الأول من العام الحالي.
وصناديق السلع تعد من الصناديق الإسلامية ما كان نشاطه الأساسي شراء السلع بالنقد ثم بيعها بالأجل، ونظرا إلى خصوصية عمل الصندوق، وضرورة أن تكون المخاطرة فيه قابلة للقياس بدقة، وأن يكون بيد المدير ما يمكنه من توجيه الأموال بطريقة تحقق أكبر قدر ممكن من السيولة، اتجهت هذه الصناديق بصفة أساسية الى أسواق السلع الدولية وليس تمويل العمليات المحلية، التي تنفذها المصارف مباشرة. والسلع المقصودة هي السلع الأساسية التي لها بورصات منظمة مثل الألمنيوم والنحاس والنفط. ولصناديق السلع الإسلامية ضوابط منها أنها تقتصر على السلع المباحة وتلك التي يجوز شراؤها بالنقد وبيعها بالأجل، فيستثنى من ذلك مثلا الذهب والفضة، ويمكن أن تعمل بصيغة البيع الآجل، أو المرابحة، أو السلم. وقد شهدت أسعار السلع تراجعا خلال النصف الثاني من عام 2008، إلا أن بوادر الانتعاش لهذه الفئة من الأصول بدأت في الظهور، إذ شهد الربع الأول من 2009 استقرارا في معدلات عائدات صناديق السلع بنسبة 10%، محققة بذلك ارتفاعا كبيرا بعد أن شهدت تراجعا وصل إلى 20.01% سلبا في 2008.
وصناديق النقد والدخل الثابت: هي أكثر أنواع الصناديق الإسلامية أمانا، لأنها لا تبحث عن عوائد مرتفعة ولا عن مخاطر غير ضرورية، فحسب أرقام «إرنست» و«يونغ» تراجعت عائدات صناديق الدخل الثابت فقط من 3% خلال 2007 إلى 1% في العام الماضي والربع الأول من العام الحالي، أما صناديق النقد الإسلامية فكانت أكثر ثباتا في عائداتها التي بلغت 3.9% عام 2008 بعد أن كانت 3.4% في 2007، لكنها تراجعت من جديد في الربع الأول من 2009 إلى 0.7%.
صناديق الإجارة وهي عقد التأجير من العقود التي تقدم إمكانيات تمويلية ممتازة، وقد يكون بديلا للقروض ويغطي حاجة المتمولين دون الاضطرار إلى المعاملات الربوية، وعقد الإجارة يتعامل مع أصل قادر على توليد منافع كالسكن بالنسبة للمنزل أو النقل بالنسبة للسيارة، فهو من هذا الباب عقد بيع للمنافع، لذا يشترط فيه ما يشترط في عقد البيع، وتعتمد صناديق الإجارة على امتلاك أصول لتأجيرها مثل المعدات والسيارات والطائرات والعقار، وتولد الدخل من الإيرادات الايجارية، وهذا النوع من الصناديق كان من أقل الأنواع تأثرا بالأزمة، لأن مخاطره ليست مرتفعة نسبيا، والأصل كون المنفعة للمالك، وكدليل على نجاحها، أطلقت بنوك وشركات خليجية وعالمية صناديق إجارة في عز الأزمة.
الصناديق الإسلامية الأميركية تسجل أداء جيداً رغم الأزمة
ذكر تقرير سبائك انه وعلى الرغم من قلة عددها، وصغر حجم أصولها، حققت الصناديق الإسلامية في الولايات المتحدة عوائد مقبولة نسبيا رغم الأزمة المالية، فبحسب صحيفة «واشنطن بوست» وما نقلته عن وكالة «مورنينغ ستار» المعنية برصد المعدلات المالية الأميركية، فإن صندوق «أمانة إنكوم» الإسلامي حقق معدل نمو بلغ 9.7% في 2008م وهو الأداء الأفضل مقابل أداء الصناديق الاستثمارية الأميركية التقليدية.
معايير الشريعة
وأوضح التقرير ان الصحيفة تشير إلى أن الصندوق بهذا الأداء أثبت أن المعايير التي تفرضها الشريعة الإسلامية لها فائدتها، فهو لا يضم أيا من الشركات التي تتعامل بالمضاربات أو الفوائد، وقد تأسس صندوق «أمانة إنكوم» في الولايات المتحدة عام 1986 بواسطة المؤسسة الإسلامية في أميركا الشمالية تلبية لرغبات المسلمين الأميركيين الذين يريدون استثمار أموالهم وفقا للشريعة.
وقال التقرير انه تم تأسيس صندوق اخر تابع له وهو صندوق «أمانة غروث» في عام 1994م وكلاهما تديره شركة «ستورنا كابيتال» ومقرها مدينة «بيلنغهام» في ولاية واشنطن، وتبعا لهذه النتائج وصل عدد المستثمرين غير المسلمين في الصندوق إلى نحو نصف عدد المستثمرين البالغ 70 ألف شخص، بحسب تصريحات نقلتها واشنطن بوست عن «نيكولاس كاسير» رئيس «ستورنا كابيتال».
أفضل مدير صندوق
وكانت الشركة قد فازت بجائزة أفضل مدير صندوق في الولايات المتحدة لعام 2008م ضمن جوائز المحافظ الاستثمارية الإسلامية التي تقدمها شركة فيلكا العالمية المتخصصة في مراقبة أداء الصناديق الاستثمارية التي تتبع الشريعة
وعلى الرغم من المخاطر والصعوبات التي واجهتها وتواجهها صناعة الصناديق الإسلامية في الفترة الأخيرة، إلا أن «سبائك» ترى أن فرص النجاح مازالت ممكنة لهذا السوق الناشئ، فالأصول المتوافقة مع أحكام الشريعة، والقابلة للاستثمار في دول مجلس التعاون الخليجي وآسيا ارتفعت في عام 2008 لتصل إلى 736 مليار دولار، مقارنة مع 267 مليارا في عام 2007، كما أن القاعدة السكانية الإسلامية الضخمة وغير المستغلة حتى الآن تمثل أسواقا خصبة للصناديق الإسلامية في السنوات المقبلة.
وذكر التقرير انه لا يقتصر تسويق الصناديق الموافقة للشريعة وإدارتها على المؤسسات الإسلامية بل يمكن القول أن أكثر الصناديق الإسلامية يسوقها وتديرها البنوك التقليدية، لا بل إنها تمثل اليوم أحد أهم وسائل دخول هذه البنوك إلى سوق الخدمات المصرفية الإسلامية دون الحاجة إلى تغيير هيكلها الإداري أو نظام عملها وترخيصها، لذلك تبدو ساحة التنافس العالمية مجزأة بشكل كبير، فثلثا مديري الصناديق الإسلامية يديرون أصولا لا تتجاوز قيمة كل منها 100 مليون دولار، والسوق المجزأ يعتبر أحد مخاطر صناعة الصناديق الإسلامية، ففي 2008م تغيرت صورة المخاطر بالنسبة لإدارة الأصول الإسلامية بشكل جوهري، إذ دفعت العائدات السلبية بعض المستثمرين إلى سحب رؤوس الأموال، كما أن نماذج الأعمال، التي كانت قوية فيما مضى، أصبحت تكافح لمجاراة الأحداث القاسية التي شهدتها الأسواق.
ويواجه المستثمر في الصناديق الإسلامية اليوم مخاطر مباشرة، وهي مخاطر الاستثمار في الصندوق ومخاطر مدير الصندوق، وأخرى غير مباشرة وهي مخاطر يواجهها الصندوق نفسه.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )