اشار تقرير الشال الى ان «أوپيك» عاشت فترة ازدهار بين عام 2001 حتى عام 2007، وفي تلك الفترة بلغ النمو في الطلب العالمي على النفط معدل 1.2% مستوعبا لكل فائض طاقة الإنتاج لديها، مع ارتفاع مستقر ومستمر في الاسعار جعلت الفارق بين معدل سعر برميل النفط يرتفع من 23.12 دولارا في 2001، الى 94.45 دولارا في 2008، خلالها هبطت الاهمية الاستراتيجية النسبية للمنظمة وهو امر طيب، فلم يعد مستوى اللوم الواقع عليها من ارتفاع الاسعار كبيرا بما أزاحها مساحة واسعة من ساحة المواجهة السياسية، وباتت اللغة داخلها اكثر نضجا، واصبحت لغة الحوار مع الخارج ـ المستهلكين ـ اكثر عقلا ومنطقا، واعتقدنا ان «أوپيك» حكمها حكم المنظمات الأخرى، قد تعلمت من دروسها وأصبحت منظمة تعكس بشكل متزايد مصالح اعضائها بما يتناسب ومصالح الآخرين.
ولكنها خذلتنا مع اول هزة، فإنتاجها بطاقاتها القصوى وتمتعها بإيرادات عالية لم يترك لها ما تختلف عليه، اي انه كان نضجا وهميا ناتجا عن غياب المبررات لديها للاختلاف. فرغم ازمة العالم المالية الكبرى، تداعت «أوپيك» لخفض انتاجها مع بداية الازمة وحتى قبل ان يتضح عمق ابعادها، وفشلت في أمرين، الأول إثبات مسؤولية استثنائية ولو لفترة وجيزة من الوقت تجاه ازمة العالم، والثاني بلوغ أقصى حد لالتزامها نحو 80% من الخفض المقرر من قبلها. اي انها لم تكتسب احترام العالم مثلما فعلت الصين الشيوعية مثلا، ولم تحترم بعضها البعض بالالتزام الكامل تجاه بعضها، بما عناه ذلك من عكس للانطباع الذي بدأ ينمو حول نضجها في زمن الرخاء.
وعندما قررت «أوبيك» وقف سلسلة خفض الانتاج لانه اجراء لا يخدم الآخرين، ويضر بمصالحها الى ابعد من الزمن القصير، وبعد ان تضاعفت اسعار النفط بين ديسمبر 2008 ويونيو 2009، انخفضت التزاماتها في شهر يونيو الى 71% من حصصها المقررة، المنطق يفترض ان الارتفاع النسبي الكبير في اسعار النفط قد خفض مستوى الضغط عليها، والمنطق يفترض ان وضعها المالي والرسالة الصحية ومرور وقت كاف للتأقلم، يعني زيادة نسبة الالتزام لديها، ولكن ما حدث كان العكس تماما.
ويبدو ان العالم في سبتمبر المقبل عندما تجتمع «أوپيك» سيكون في وضع اقتصادي افضل، فالوقت فيما يبدو قد بدأ يعمل لصالح تحسن المؤشرات وان ظلت هشة، والعالم يسعى الى توافق على سعر لبرميل النفط يتراوح بين 70 و90 دولارا، رغم ان معظم الكلمة للسوق، على ان الأهم هو ان العالم قد قدم رؤاه حول زيادة حرارة الأرض والدور السلبي للوقود الأحفوري في تعميق هذه الظاهرة، في اجتماع الثماني الكبار الاسبوع قبل الفائت، وان اجتماعا سيعقد في الخريف المقبل في الدنمارك للتوافق على كيوتو جديدة، وهذه المرة مع إدارة اميركية جديدة تتفق مع مثل هذا التوجه، خلافا لإدارة الرئيس الأميركي السابق بوش، وتحتاج «أوپيك» الى تمثيل افضل لمصالح اعضائها لما هو أبعد من المدى القصير، والى توجيه بعض البحث وبعض جهد الحوار حول مسؤولية النفط وبالتبعية مسؤوليتها في ازمة التلوث، وهو اتهام ليس كله بريئا حتى لا تجد نفسها ملامة من جديد، لا في رفع الاسعار، فقط، ولكن في تدمير الارض.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )