أوضح تقرير الشال أن أحد المؤشرات الرئيسية على عمق وضخامة أزمة العالم المالية التي تحولت إلى أزمة اقتصادية بعد اصابتها للاقتصاد الحقيقي، هو في الهامش الكبير للتغير في التوقعات بين تقرير وآخر للمؤسسة ذاتها بعد مرور شهرين أو ثلاثة، والفروق في تقديرات تقارير مؤسسات يفترض أنها متجانسة مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فهامش التغيير كان واسعا جدا في تقارير صندوق النقد الدولي ما بين شهر نوفمبر 2008 وشهر يوليو 2009، والتي اصدر خلالها الصندوق 4 تقارير. ففي تقرير شهر نوفمبر 2008، كان الصندوق متفائلا جدا، إذ قدر نموا موجبا للاقتصاد العالمي في عام 2009 بنحو 3.7% وبنحو 2.2% لعام 2010، ثم عدلها في تقرير يناير 2009 الى نمو موجب، أيضا، بنحو 0.5% في عام 2009، ونمو موجب بنحو 3% في عام 2010، ولكنه عدلها الى السالب لأول مرة منذ اكثر من 60 عاما، بنحو -1.3%، في عام 2009 والى الموجب منخفضة بنحو 1.9% في عام 2010، وفي آخر تقاريره في 8/7/2009، بدأ جزئيا بتعديل توقعاته الى الأعلى، فبينما زاد معدل النمو السالب ـ الانكماش ـ في عام 2009 إلى -1.4% مقابل -1.3% في تقرير ابريل، رفع من توقعات النمو الموجب الى 2.5 في عام 2010 مقابل 1.9% في تقرير أبريل، ويعزو تفاؤله، في تقرير يوليو، إلى أن تدخل الحكومات في دعم اقتصادها جاء بنتائج افضل من المتوقع على سلامة القطاع المالي وعلى النمو الاقتصادي، ولكنه يضيف، أيضا، بأن التعافي مازال هشا.
انكماش الاقتصاد
زميل الصندوق ضمن مؤسسات النظام المالي العالمي، البنك الدولي، اصدر آخر تقاريره حول أداء الاقتصاد العالمي في 22/6/2009 اي نحو نصف شهر قبل تقرير الصندوق الاخير في يوليو، وكان اكثر تشاؤما. فهو يتوقع انكماشا للاقتصاد العالمي بحدود -2.9% في عام 2009، ونموا موجبا أقل وبحدود 2% في عام 2010، ويتوقع هبوطا في حجم التجارة الدولية في عام 2009 بنحو -10%، وهبوط التدفقات الرأسمالية للقطاع الخاص بين الدول الى مستوى 363 مليار دولار في عام 2009، مقابل 707 مليارات دولار، في عام 2008، ومازال الاتفاق بينهما في الاتجاه الايجابي قائما، وهو أن الوضع الى تحسن في عام 2010 وإن بفارق نصف النقطة المئوية، ويتوقع البنك الدولي نموا افضل في عام 2011 بنحو 3.2%. ورغم أن الاثنين يستخدمان المنهجية ذاتها ولديهما القاعدة ذاتها من المعلومات والعقول، الا ان هناك هامشا واسعا بين توقعاتهما، وهو هامش غير مقبول في الأحوال العادية، ولكنه دليل على ارتفاع هامش عدم اليقين في ظل أزمة مالية غير مسبوقة.
وأردنا مما تقدم التنبيه إلى أن ما حدث في العالم غير مسبوق واستثنائي، وأنها المرة الأولى، منذ 80 عاما، التي يحدث فيها هذا التفاوت الحاد في تقدير المؤسسة عينها خلال فترة قصيرة، والتباين الحاد بين المؤسسات المتشابهة. ولأن اقتصاداتنا مختلفة، وإن كانت متخلفة، وهي مشكلة نهج، علينا الحذر من تهويل النتائج، تماما مثل الحذر من الافراط في التفاؤل، فالأزمة لدينا لن تصيب بشدة الاقتصاد الحقيقي ولا القطاع المصرفي كما هو حال العالم المتقدم.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )