- موظفو البنك خاطروا بحياتهم لتهريب السجلات إلى فرعه بلندن فور وقوع الاحتلال
- فاينانشال تايمز: ما قام به البنك خلال الاحتلال تجربة غير مسبوقة بالعالم
قال نائب رئيس مجلس إدارة بنك الكويت الوطني ناصر مساعد الساير ان البنك منذ تأسيسه اثبت قدرات غير عادية في التعامل مع الأزمات بكل حرفية، مشيرا إلى أن أزمتي الاحتلال العراقي للكويت 1990 والازمة المالية العالمية خير مثال على ذلك.
وأوضح الساير أن الوطني اثبت من خلال هاتين الأزمتين انه بالفعل من أكثر البنوك أمنا وثقة خاصة وأنه في مثل هذه النوعية من الأزمات يحتاج العملاء إلى الثقة والأمان أكثر من أي شيء آخر في ظل توارد الأخبار وانتشار الشائعات حول انهيار المؤسسات المالية أو ارتفاع خسائرها.
وأشار الساير إلى أن تجربة الاحتلال العراقي تحديدا تعتبر «تجربة فريدة بكل المقاييس وتستحق أن تبقى دائما في ذاكرة الوطن والتاريخ دليلا على أداء وطني نادر وناجح في ذات الوقت».
اجتماع لندن
وحول الاحتلال العراقي للكويت والذي تحل ذكراه اليوم قال الساير انه من الصعوبة بمكان تخيل إمكان قيام بنك بمهامه ومسؤولياته العادية في ظل وجود احتلال كامل للبلد التي ينتمي إليها وفي ظل غياب الشرعية الحقيقية الرسمية للقيادة والحكومة الكويتية التي كانت تؤدي آنذاك وظائفها من الخارج.
وأضاف أن البنك الوطني كسر هذه القاعدة وضرب مثالا نادرا للتميز المصرفي والقدرة على تحدي اخطر وأصعب المواقف إلى جانب مساهمته بشكل فعال في دعم ومساندة الاقتصاد الوطني الكويتي أثناء هذه الأزمة حيث استطاع بنجاح الاستمرار والبقاء خلال أيام هذه الأزمة الطاحنة بسبب بعد نظر مجلس إدارته وجهود إدارته التنفيذية المتواصلة أثناء وبعد الأزمة، وهو ما ساهم في عودة البنك الوطني لطبيعته بشكل سريع بعد التحرير، مشيرا إلى أن هدف البنك الرئيسي كان أن نثبت أمام العالم أجمع أن الكويت هي دولة مؤسسات لا أفراد.
وكان الرئيس التنفيذي لمجموعة البنك الوطني إبراهيم شكري دبدوب قد دعي إلى اجتماع عاجل لمجلس إدارة البنك الوطني في مقر البنك بلندن بعد ساعات قليلة من انتشار خبر الاحتلال يوم 2 أغسطس برئاسة المغفور له محمد عبدالمحسن الخرافي، ونائب رئيس مجلس الإدارة محمد عبدالرحمن البحر، وكل من الأعضاء ناصر مساعد الساير، وحمد عبدالعزيز الصقر، ويعقوب يوسف الحمد، الذين كانوا لحسن الطالع متواجدين في لندن.
وسأل مجلس إدارة البنك دبدوب عما يمكن فعله في هذه الحالة وهل هناك سابقة تاريخية لحالة كتلك في تاريخ المصارف بالعالم. وكان الموقف واضحا من الرئيس التنفيذي للبنك الذي أكد أنه ليس هناك سابقة تاريخية لحالة كتلك وأن أمام البنك خيارين لا ثالث لهما وهما إما أن نغلق أبواب البنك ونجلس في بيوتنا في انتظار ما تسفر عنه الأيام المقبلة أو أن نقرر الاستمرار والمقاومة وهو طريق صعب ومحفوف بالمخاطر والصعوبات لأنه يوجد احتلال في الوقت الحالي للكويت ولن نجد من يعترف بنا على نطاق البنوك العالمية ولكننا نريد أن نثبت أن الكويت هي دولة مؤسسات وليس أفراد وأن نقاوم حتى النهاية وحتى يعود الحق لأهله وتعود شرعية الكويت لأصحابها.
وكان أن استمع مجلس إدارة البنك لنصيحة دبدوب واتخذوا قرارهم التاريخي باستمرار العمل في العمليات المصرفية والمقاومة حتى النهاية والالتزام بكل ما على البنك وما له من حقوق لدى الغير على أن تتم إدارة البنك من الخارج. وفي سبيل ذلك قامت إدارة البنك التنفيذية بالتنسيق مع البنوك العالمية لتسهيل القيام بالعمليات المصرفية لخدمة عملاء البنك داخل وخارج الكويت.
وأثناء فترة الاحتلال حرص البنك على أن تتم أعماله بشكل منتظم وصدرت بذلك الكثير من القرارات التنظيمية للفروع الداخلية كما استمر انعقاد مجلس الإدارة بشكل دائم في لندن لضمان استمرار العمل والتنسيق بين الإدارة العليا للبنك من جهة وبين فروعه وبنك الكويت المركزي من جهة أخرى.
10 ملايين إسترليني
وتكشف سجلات البنك الوطني السرية التي يتم الكشف عنها لأول مرة عن قرار تاريخي آخر لم يقم به أي بنك في العالم، وهو قرار المغفور له العم محمد الخرافي بصرف البنك لمبلغ 500 جنيه إسترليني يوميا لكل كويتي يأتي للبنك ويقول ان له حسابا وحتى دون أن يتثبت من أن له رصيدا في البنك. وقد قام البنك خلال أسبوعين فقط من الاحتلال بصرف مبالغ وصلت إلى نحو 10 ملايين جنيه إسترليني وخسر منها أكثر من 5 ملايين لم يستردها البنك بعد ذلك.
وكان رأي الخرافي وأعضاء المجلس هو أن الكويت إذا لم تعد لأهلها فلا قيمة لهذه الأموال على الإطلاق وأن واجبنا كبنك وطني وككويتيين في المقام الأول هو أن نقف بجانب كل كويتي وأن نساعد هذه الأسر والعائلات الكويتية التي وجدت نفسها في مأزق بلا مأوي ولا يوجد لها أي مصدر أو دخل مادي تعتمد عليه. وقد كان لهذا الموقف من البنك الوطني دور كبير في الوقوف معنويا إلى جانب أهل الكويت خلال هذه المحنة ومساعدتهم على قضاء حوائجهم خلال هذه الفترة الحرجة ومازال الكثير من العملاء يتذكرون هذه الأيام حينما كان موظفو البنك يصلون النهار بالليل عملا في فرع البنك بلندن من أجل خدمة أهل الكويت.
تهريب السجلات
قلة من الكويتيين يعرفون تفاصيل تلك المهمة المستحيلة التي أنجزت في أغسطس 1990، حين خلع «جنود» بنك الكويت الوطني بقيادة الرئيس التنفيذي للبنك في الكويت عصام جاسم الصقر ثياب الوظيفة الأنيقة، وخاضوا غمار أخطر مهمة لتهريب السجلات الكاملة للبنك على أشرطة ممغنطة إلى خارج الكويت. كانت المهمة مزدوجة، فمن جهة كان لابد من إبعاد المعلومات عن أنظار المحتلين، ومن جهة أخرى كان البنك بأمس الحاجة لهذه السجلات ليتمكن من مواصلة نشاطه المصرفي كالمعتاد من فرعه في لندن. كان ذلك التزاما قلما تختبره البنوك، أن يحفظ الموظفون ما لديهم من أموال وأسرار ائتمنهم عليها العملاء والمودعون والمساهمون في غمرة الفوضى المطلقة لبلد واقع تحت الاحتلال. وكان الثمن الذي دفعه العديد من الموظفين الذين تعرضوا للأسر، ومن بينهم الصقر، كبيرا وضاغطا.
كما اتخذت في ذلك الوقت إجراءات وممارسات لوجيستية وعملية معقدة لإتمام المهمة، وتم تحت جنح الظلام إخفاء الشرائط الممغنطة في مقاعد السيارات وتهريبها إلى الخارج. وعن طريق البر، وخلال فترة وجيزة تمت استعادة هذه المعلومات عن نظام البنك على كمبيوتر خاص في فرع البنك في لندن. وما هي إلا أيام حتى بدأ البنك بالعمل والوفاء بالتزاماته وإدارة أمواله وأصوله. وفي مرحلة لاحقة بدأ البنك بجمع المعلومات بشكل كلي وإعادة تأسيس السجلات الخاصة بالمعاملات مع البنوك الأخرى (الانتربنك) للنظام المصرفي ككل.
تنسيق «الوطني» مع «المركزي»
وفي أكتوبر1990 وبقيادة الرئيس التنفيذي للمجموعة إبراهيم دبدوب تم التنسيق بين بنك الكويت المركزي وفرع البنك الوطني في لندن ليكون ممثلا له في تسوية التزامات الانتربنك لجميع البنوك الكويتية الأخرى، وكانت أصول جميع البنوك الكويتية قد تعرضت لأوامر تجميد خلال هذه الفترة وشمل ذلك جميع الحسابات التي لدى المؤسسات الكويتية. ونجح بنك الكويت الوطني في أن يكون المصرف الوحيد على مستوى الكويت الذي يحصل على استثناء لهذه القرارات فيما يتعلق بالأصول الخاصة بالبنك، حيث اثبت البنك للمسؤولين المختصين استقلالية هذه الأصول بشكل قاطع عما يدور في الكويت في هذه الفترة وسيطرته الكاملة على إدارة هذه الأصول بشكل فعال خارج الكويت.
وخلال فترة الاحتلال العراقي للكويت تم التنسيق بين بنك الكويت المركزي وفرع البنك الوطني في لندن ليكون ممثلا له في تسوية التزامات الإنتربنك لجميع البنوك الكويتية الأخرى. وكانت أصول جميع البنوك الكويتية قد تعرضت لأوامر تجميد خلال هذه الفترة وشمل ذلك جميع الحسابات لدى المؤسسات الكويتية.
كما قام البنك باستخدام وتطوير آلية خاصة لدفع الفوائد بالنيابة عن البنوك الكويتية فيما يتعلق بمعاملات الانتربنك المستحقة، وكذلك جميع تعاملات التحويلات الخارجية والتسوية النهائية لجميع الالتزامات المستحقة على البنوك. ومنذ أن بدأت الضربة الجوية الأولى في الساعات الأولى من اليوم السابع عشر من يناير 1991، إيذانا بتحرير أرض الكويت من الغاصبين، منذ تلك اللحظة كان بنك الكويت الوطني على أتم الاستعداد للعودة بطاقم عمله الكامل لفتح أبواب البنك وفروعه المنتشرة داخل الكويت لاستمرار خدمتهم للاقتصاد الكويتي كما هو شأنهم منذ التأسيس، ومن أهم انجازاته بعد التحرير وإسهاما منه في إعادة إعمار الكويت قام البنك بتدبير قرض قيمته 5.5 مليارات دولار لصالح حكومة الكويت مما كان له عظيم الأثر في إعادة إعمار ما هدمه الاحتلال الغاشم.
دور تاريخي
وجدير بالذكر أن عددا كبيرا من المؤسسات والبنوك العالمية قد تخلت عن البنك الوطني خلال أزمة الاحتلال رغم أن ودائع البنك كانت متوافرة لديها خلال تلك الفترة. إلا أن صلابة البنك ومتانته وإصرار إدارته على الكفاح والمقاومة ساعدت في التغلب على هذه الظروف. وكان من أكثر من وقف إلى جانب البنك محافظ بنك انجلترا السابق إيدي جورج ـ الذي توفي منذ فترة قصيرة ـ والذي دعم وساند البنك خلال أول أيام الاحتلال في لندن.
هكذا يتذكر بنك الكويت الوطني من خلال وثائقه تلك الوقائع التاريخية والأحداث التي شارك فيها البنك كعضو فاعل له بصمته الواضحة على الاقتصاد الكويتي في كل مراحله التاريخية.
تجدر الإشارة إلى أن بنك الكويت الوطني يحتفظ في أرشيفه بمجموعة قيمة من الوثائق والسجلات التي تؤرخ لفترة مهمة من تاريخ الكويت الاقتصادي والمالي منذ عام 1952، كما تؤرخ في الوقت ذاته لكبار رجالات الكويت وتجارها والذين قامت على أكتافهم اللبنات الأولى لنهضة الكويت الحديثة.
الثبات أمام الأزمة
من ناحية أخرى، قال الساير انه وبعد مرور نحو العام على بدء الأزمة المالية العالمية فإن البنك الوطني يثبت يوما بعد يوم قدرته على مواجهة تحديات وانعكاسات هذه الأزمة على الاقتصاد الكويتي وقطاعاته المختلفة.
وأشار إلى نجاح البنك في تحقيق أرباح تعتبر قياسية في ظل الأزمة ومع تحويل جزء كبير من الأرباح إلى المخصصات الاحتياطية مؤكدا أن عام 2009 سيكون امتدادا لرحلة البنك التي بدأها منذ 1952 في تحقيق الأرباح.
وأضاف ان اختيار البنك ليكون البنك العربي الوحيد ضمن قائمة أكثر البنوك أمانا في العالم لعام 2009 يؤكد المكانة التي يتمتع بها البنك ليس على المستوى المحلي فحسب بل على المستويين الإقليمي والعالمي.
واختتم الساير تصريحه بالاشارة إلى نجاح البنك في الاستحواذ على حصة مؤثرة في بنك بوبيان مؤخرا، مؤكدا أن ذلك يثبت أن البنك الوطني وعلى الرغم من الأزمة مستمر في تنفيذ خططه الإستراتيجية.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )