-
موقف إدارة السوق يتسم بضعف شديد ويوصف بالهروب من مواجهة الواقع الخطير المتعلق بمستقبل سوق الكويت للأوراق المالية
قال تقرير مركز الجمان للاستشارات الاقتصادية ان مؤشرات الأسعار والتداول في سوق الكويت للأوراق المالية قد تباينت خلال شهر سبتمبر، حيث انخفض المؤشر الوزني بمعدل 1%، بينما ارتفع السعري بشكل طفيف للغاية بمعدل 0.1%، وبذلك يكون نمو الأداء المتراكم منذ بداية العام حتى تاريخ إعداد هذا التقرير إيجابيا بالنسبة للمؤشر الوزني بمعدل 13.2%، وإيجابيا أيضا ـ ولكن بشكل طفيف ـ بمعدل 1.5% للسعري، كما تراجع معدل التداول اليومي خلال سبتمبر بمعدل 15% ليبلغ 88.1 مليون دينار مقابل 103.9 ملايين دينار خلال شهر أغسطس.
وكشف التقرير أن زخم أداء سوق المال الكويتي تراجع خلال سبتمبر بالمقارنة مع أغسطس ويعزى ذلك لسبب رئيسي واحد، وهو: الانحسار الملحوظ لتداول سهم شركة الاتصالات المتنقلة «زين»، على خلفية أفول الأخبار والشائعات حول صفقة السيطرة على حصة رئيسية في «زين»، وذلك اعتبارا من تاريخ 9/9/2009، وهو تاريخ المؤتمر الصحافي الذي شهد الإعلان رسميا عن نوايا إبرام الصفقة، حيث انخفض متوسط التداول اليومي على سهم «زين» إلى 18.3 مليون دينار في شهر سبتمبر بالمقارنة مع 36.3 مليون دينار في شهر أغسطس، أي بتراجع معدله 50%، كما انخفضت الأهمية النسبية لتداولات «زين» خلال سبتمبر إلى 21% من إجمالي التداولات في مقابل 35% من إجمالي تداولات شهر أغسطس.
الأداء الرمضاني
من جانب آخر أوضح التقرير أن البعض يعزو التراجع في أداء البورصة خلال شهر سبتمبر إلى حلول شهر رمضان المبارك خلاله، وفي ثلثيه الأولين تحديدا، حيث يرون أن الفتور في البورصة يصاحب الشهر الفضيل دائما، مشيرا الى ان السبب غير صحيح، حيث إنه عند توافر محفزات حقيقية خلال شهر رمضان، فإن ذلك لا يمنع من النشاط في شهر الصيام.
وأكد التقرير أن سبب الانخفاض في شهر سبتمبر هو رجوع تداولات سهم «زين» إلى مستوياتها العادية، بعدما شهدت تداولات لافتة خلال أغسطس الماضي كما أسلفنا، ونظرا لكون سهم «زين» الأكبر من حيث القيمة الرأسمالية في بورصة الكويت ـ كونه يشكل 14% منها ـ فإن انخفاض التداولات عليه بشكل ملحوظ يلقي بظلاله على تداولات السوق ككل، وهذا ما حدث تماما خلال شهر سبتمبر.
بورصات الخليج
واضاف ان ما يفسر ان رمضان ليس سببا في فتور البورصة هو أن أسواق المال الخليجية حققت أداء متميزا خلال شهر سبتمبر، والذي صادف وقوع شهر رمضان في معظمه، حيث كان أداء أسواق الخليج إيجابيا بمعدل 7.7% في المتوسط، وقد كانت بورصة دبي في المقدمة بمكاسب قدرها 17.3%، تلتها أبوظبي بنسبة 10.8%، ثم كل من الدوحة ومسقط بنسبة 9 و8.8% على التوالي، بينما كانت بورصتا البحرين والسعودية في مؤخرة الرابحين بمعدل 2.1 و5.8% على التوالي، في حين كانت بورصة الكويت الخاسر الوحيد ولو بشكل طفيف بلغ 0.01% على أساس المؤشر الوزني، وبمعدل 0.56% على أساس السعري.
صفقة «زين»
ورد في التقرير أن كثرة الشائعات والأخبار حول صفقة بيع 46% من رأسمال شركة الاتصالات المتنقلة «زين» اعتبارا من مايو الماضي وحتى الآن، وكذلك المراحل التي مر بها تعاطي وسائل الإعلام المختلفة مع الموضوع، علما أن الحديث عن بيع الحصة المذكورة، كانت سبقته نيات لبيع عمليات الشركة في أفريقيا سواء جزئيا أو كليا، وهو الذي مازال ساريا وبشكل رسمي حتى الآن.
رأى التقرير أن يقوم المهتمون ببورصة الكويت عموما، وبشركة زين على وجه الخصوص، بالتعاطي مع الموضوع بعقلانية ودون اندفاع، نظرا لغموض وضبابية بعض جوانب الصفقة، هذا من جانب، ومن جانب آخر وضوح بعض المعطيات التي يمكن الاستناد إليها في بناء القرار المتعلق بشركة «زين» وبسوق الكويت المالي.
وكشف ان من أكثر النقاط وضوحا في الصفقة، أنها لم تتم حتى الآن بشكل نهائي، أي أن ما تم هو مجرد اتفاق مبدئي لا يمكن استكماله إلا بعد تحقق عدة شروط، كما أن إعلان شركة الاستثمارات الوطنية كان واضحا فيما يتعلق بعدم حسم الصفقة حتى الآن، حيث أشار الإعلان المذكور إلى أن «الإجراءات التحضيرية لإتمام عملية البيع لا تعد بيعا نهائيا»، وفي موقع آخر من الإعلان، أفاد بأنه «ستتم الموافقة على جميع الطلبات التي تقدم في حدود الكمية المذكورة عند إتمام البيع».
وتابع «لا شك أن هناك بعض الأطراف لديها معلومات أوضح وأدق عن توقعات إبرام الصفقة بشكل نهائي أو عدمه، لكن عامة حملة أسهم زين والمتداولين في بورصة الكويت غير متأكدين، بل إنهم متأرجحون بشكل كبير جدا من حيث القرارات المناسبة التي يمكن اتخاذها على ضوء تعدد سيناريوهات الصفقة».
وقال التقرير: ربما يكون من المناسب لفئة «الحائرين» وضع احتمال إبرام الصفقة بشكل نهائي بنسبة 50%، وذلك بالسعر المتفق عليه مبدئيا وخلال فترة أربعة اشهر، وبالتالي يكون احتمال عدم إبرام الصفقة 50% الأخرى، وهذا أمر منطقي مبدئيا في ظل المعطيات الحالية، ونهدف من تحديد نسبة لعدم التأكد، إلى تجنيب مساهمي «زين» أو شريحة منهم الشعور بالصدمة عند عدم إبرام الصفقة، وأيضا عموم المتداولين في بورصة الكويت، حيث ستكون هناك صدمة كبرى لدى المفرطين بالتفاؤل فيما يتعلق بإنجاز الصفقة عند عدم إتمامها، بما سينعكس سلبا على سهم الشركة وعلى السوق ككل، كون سهم «زين» أكبر سهم في سوق الكويت للأوراق المالية من حيث القيمة الرأسمالية وعدد الأسهم وربما عدد المساهمين أيضا، وبالتالي، نتوقع مبالغة في ردة الفعل السلبية بالنسبة للمفرطين بالتفاؤل، كما تعبر النسبة المفترضة لنجاح الصفقة البالغة 50% عن عدم الإغفال الكلي بشأن الموضوع، ورغم أن وجهة نظرنا هذه قد لا تروق لكثيرين كونها لا تحسم الموضوع ولا تحدد الاتجاه، ومن منطلق التقرير ان ما تم عرضه أفضل سيناريو للتعامل مع الموضوع، وذلك في ظل المعطيات المتاحة والمقام الذي تم طرح الموضوع من خلاله.
الفصل بين الوساطة والاستثمار
أوضح التقرير أن من الأمور الحساسة والخطيرة الجمع بين أكثر من مهنة أو ترخيص من جانب طرف واحد، فمنذ عدة عقود ثار الجدل في الغرب حول الجمع بين دوري المستشار ومدير الاستثمار، وقد صدرت عدة قوانين وقواعد هناك للفصل ما بين الوظيفتين منعا لتضارب المصالح، حيث حدث العديد من الوقائع كان المستشار ـ سواء كان فردا أو مؤسسة ـ يقدم فيها استشارات للعامة، وهي في ظاهرها حيادية، بينما كانت في جوهرها مجيرة بشكل مباشر لدعم استثماراته الخاصة أو استثمارات عملائه، مما أدى إلى إشكالات معقدة في نهاية المطاف.
ومن وسائل الاحتيال التي مارسها المدعو مادوف وغيره والتي انكشفت خلال الأزمة العالمية الأخيرة، أنه أتقن عملية «التموضع في الطليعة»، وتعني العمل في مجال الوساطة المالية بكثافة وبحجم كبير، وخلق اسم جذاب في هذا المجال، وذلك حتى يبقى مطلعا قبل الجميع على أوامر الشراء والبيع المحركة لسوق المال، وبناء عليه يتخذ القرارات التي تخدم مصالحه ومآربه، أي أنه «ضرب عصفورين بحجر واحد» كما يقال، حيث توافر لديه منفذ لتوليد الأرباح من أعمال الوساطة، وهو الأمر المشروع والظاهر، والعصفور الثاني هو تحويل هذا المنفذ إلى مركز للمعلومات لمصلحته الخاصة، وبعبارة أخرى مركز تجسس على أعمال الآخرين يخدم منفعته المحضة، وقد انكشف ذلك النوع من الاحتيال بعد أن وقع الفأس بالرأس كما يقال.
وقال: بدأنا نرصد ـ ومنذ عدة سنوات ـ سلوكيات مشابهة في الكويت، والمتمثلة في سيطرة شركات استثمار كبرى وبنوك على شركات الوساطة في سوق الكويت للأوراق المالية، وربما لا تكون جميع عمليات السيطرة تلك لغرض التلاعب على النمط «المادوفي»، إلا أن المخاطرة بدأت تتصاعد وبشكل واضح بعد سيطرة المؤسسات المالية الكبرى على معظم عمليات الوساطة في سوق المال الكويتي، وطالب التقرير بتدخل سريع وحازم من جانب الجهات الرسمية المختصة، وذلك تجنبا لتحول المخاطرة الحالية إلى كارثة.
وأضاف أن الأمر يتطلب من بنك الكويت المركزي وسوق الكويت للأوراق المالية أخذ هذا الموضوع الخطير على محمل الجد، وذلك من خلال فصل ملكية شركات الوساطة عن شركات الاستثمار والبنوك منعا لتضارب المصالح والحد من إفشاء أسرار المتداولين وتسريبها، والذي يتطلب عدة إجراءات منها: منح البنوك وشركات الاستثمار فترة زمنية معينة يتم خلالها التخلص من ملكياتها في شركات الوساطة.
وكشف انه من المظاهر الحالية الخطيرة للوضع القائم والخاطئ، تردد بعض كبار المتداولين في التعامل مع شركات الوساطة باسمه خشية معرفة أسراره وإفشائها، كون بعض تلك الشركات تتبع أطرافا منافسة له أو ذات علاقة حساسة معه، مما يجعل بعض كبار المتداولين يتعامل بواسطة أسماء أخرى وخلافه من الأساليب لتجنب ظهور أسمائهم وتعاملاتهم في سجلات مؤسسات معينة، قد تستفيد منها في أغراض غير مشروعة أو مشبوهة على أقل تقدير.
نقطة إيجابية
أقرت لجنة السوق تأجيل تأخير بث معلومات التداول على موقع البورصة الالكتروني لأجل غير مسمى، وذلك بتاريخ 13/9/2009، علما أن نشر قرار التأخير لمدة 10 دقائق صدر في 25/8/2009 على سبيل التقريب.
وقد أثار قرار التأخير استياء المتداولين والمراقبين على حد سواء، وذلك بالنظر إلى سلبياته المتعددة، في مقابل المقابل المادي المتواضع جدا لسوق الكويت للأوراق المالية من بيع حقوق البث اللحظي، وكم تمنينا إلغاء القرار نهائيا.
وبين التقرير أن تأجيل تطبيق قرار التأخير إلى أجل غير مسمى يعتبر مكسبا للصالح العام في الظروف الحالية، خاصة بالنظر إلى تجاوب لجنة السوق إلى صوت العقل والمنطق فيما يتعلق بهذا الموضوع، والذي يعتبر نقطة إيجابية للجنة المذكورة.
لماذا التراجع؟
أوضح التقرير أن قائمة الشركات المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية حبلى بالشركات المتعثرة والورقية، والتي انكشف أمرها بما لا يدع مجالا للشك خلال الأزمة الأخيرة، وقد كبدت تلك الشركات مساهميها خسائر جسيمة للغاية، كما أن استمرار إدراجها يشكل خطورة كبيرة جدا وغير مبررة، ناهيك عن مساهمة تلك الشركات في زعزعة الثقة بسوق المال الكويتي ككل، إضافة إلى الإضرار بسمعته بشكل غير مسبوق.
وأشار التقرير الى انه سبق أن طالب بإقصاء عدة شركات ورقية من قائمة الشركات المدرجة في سياق التقرير الخاص بالنزاع ما بين إدارة السوق ومجموعة من الشركات المدرجة، والذي صدر بتاريخ 8/10/2007، أي قبل حدوث الأزمة بأكثر من عام، حيث كانت مجموعة الشركات تلك تعارض اتجاه البورصة في التشدد بعمليات الإدراج وقتها.
وقال التقرير: «كان موقفنا حيال النزاع بعدم الموافقة على إدراج شركات لا يشكل أي قيمة مضافة، كما يجب أن ينحصر إدراج الشركات بالتي لها نشاط تشغيلي واضح وموجودات تشغيلية، وكذلك أن تكون أرباحها ذات جودة مقبولة وليست طارئة أو غير تشغيلية، أو ناتجة عن إعادة تقييم، كما تعدى موقفنا موضوع إدراج شركات الجديدة إلى ضرورة النظر في شطب شركات مدرجة لا تتوافر فيها عناصر القيمة المضافة المذكور بعضها أعلاه».
وورد في التقرير أن لجنة السوق وكذلك لجنتها الفنية قامت خلال شهر أغسطس الماضي ببحث موضوع تحويل بعض الشركات من السوق الرسمي إلى السوق الموازي، وذلك للمخاطرة الكبيرة غير المبررة والمرتبطة باستمرار إدراجها من حيث تعثرها أو كونها ورقية أو نادرة التداول وغيرها من معايير المخاطرة، حيث انكشفت تلك الشركات بوضوح على خلفية الأزمة الأخيرة كما أسلفنا، مشيرا إلى انه كانت المفاجأة بإغلاق هذا الموضوع في بداية سبتمبر الجاري كما تم نشره بالصحف، وكانت المبررات واهية للغاية لهذا التراجع، وذلك خشية إشكاليات قانونية قد يثيرها المتضررون من هذا القرار.
وأعرب التقرير عن استغرابه من ذلك التراجع لاسيما أن تحويل بعض الشركات من السوق الرسمي إلى الموازي أو تعليق تداولها وربما شطبها نهائيا يصب في مصلحة المتداولين بالدرجة الأولى والسوق ككل والاقتصاد الوطني برمته، حيث إن التداول على شركات ورقية ومتعثرة يرقى إلى مستوى القمار نظرا لمصيرها المجهول والمحفوف بالمخاطر الجسيمة، وأيضا المفاجآت الكارثية لها، كونها متعرضة لسيل من الملفات القانونية الشائكة والخطيرة.
وكشف التقرير أن موقف إدارة السوق أو لجانه المتخصصة ينم عن ضعف شديد، ويوصم بالهروب من مواجهة الواقع الخطير والوشيك فيما يتعلق بمستقبل سوق الكويت للأوراق المالية والذي لا يبشر بخير، وهذا ما تؤكده عدة مؤشرات، منها أن معظم الأسواق العالمية والإقليمية قد بدأت تتعافى بشكل ملحوظ عدا سوق الكويت الأسير في التخبط والتردد والافتقار للإدارة المهنية، والتي هي انعكاس للوضع العام الذي تعيشه الكويت للأسف الشديد.