- هذه قصة الاتفاق التاريخي لـ «أوپيك»
- مكالمة هاتفية في اللحظات الأخيرة حسمت الاتفاق على خفض الإنتاج ليشتعل بعدها النفط
- تقارب روسي ـ سعودي نحّى الخلافات الجيوسياسية لمصلحة الأسعار
- إيران دخلت في دائرة مفرغة من الجدل قبيل الاجتماع
أحمد موسى
دفع الاتفاق التاريخي لمنظمة البلدان المصدرة للنفط (أوپيك) على تخفيض انتاجها 1.2 مليون برميل يوميا الى قفزة في النفط الكويتي بنسبة 11.7% ليتجاوز السعر 47.6 دولارا حسب آخر الارقام المعلنة من مؤسسة البترول الكويتية، وهو أعلى مستوى في 2016. وفي حال استمرار أسعار النفط حتى أبريل المقبل، وهو المأمول من اتفاق «أوپيك»، فإن العجز في ميزانية السنة المالية الحالية قد يتقلص بشكل ملحوظ، علما بأن تقديرات العجز تبلغ 9.5 مليارات دينار. كما أنه من الممكن لارتفاع الأسعار أن يعوض جزءا مما ستخسره الكويت من خفضها 131 ألف برميل يوميا، حسب الالتزام ضمن اتفاق «أوپيك» الذي يبدأ تنفيذه في يناير المقبل. وللعلم فإن هذا الخفض سيفقد الإيرادات العامة نحو نصف مليار دولار على أساس متوسط سعر النفط عند 45 دولارا (حسب تقديرات «فيتش») في الأشهر الثلاثة التي يبدأ منها الاتفاق وتنتهي عندها الميزانية.
عالميا، تراجعت أسعار النفط 1.5% أمس لتستقر عند نحو 53 دولارا للبرميل عندما سجلت أكبر ارتفاع أسبوعي منذ العام 2009 عقب قرار «أوپيك».
وذكرت «رويترز» نقلا عن مصدرين أن اجتماعا سيعقد مع منتجين مستقلين بالعاصمة الروسية (موسكو) في
10 ديسمبر لاستكمال تفاصيل الاتفاق.
ولعبت اللحظات الأخيرة دورا حاسما في مساعدة السعودية وغريمتها إيران عضوي «أوپيك» على تنحية خلافاتهما جانبا وإبرام أول اتفاق في 15 عاما بين المنظمة وروسيا غير العضو بها.
وقالت مصادر من «أوپيك» وخارجها إن بوتين وولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي ورئيس إيران حسن روحاني تدخلوا في لحظات حاسمة قبيل اجتماع المنظمة يوم الأربعاء.
وكان دور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الوساطة بين الرياض وطهران بالغ الأهمية وأبرز تنامي نفوذ روسيا في منطقة الشرق الأوسط منذ تدخلها العسكري في الحرب الأهلية السورية قبل نحو عام.
وبدأ الأمر حينما اجتمع الرئيس الروسي مع الأمير محمد بن سلمان في سبتمبر على هامش اجتماع قمة مجموعة العشرين في الصين.
واتفق الجانبان على التعاون لمساعدة أسواق النفط العالمية على تصريف تخمة المعروض التي دفعت أسعار الخام للهبوط إلى أقل من النصف منذ 2014 وهو ما أثر سلبا على إيرادات حكومتي روسيا والسعودية.
وارتفعت أسعار النفط 13% هذا الأسبوع متجاوزة 53 دولارا للبرميل.
وكانت المتاعب المالية هي التي جعلت الاتفاق أمرا ممكنا رغم الخلافات السياسية الكبيرة بين موسكو والرياض حول الحرب الأهلية في سورية.
وقال مصدر بقطاع الطاقة الروسي مطلع على المحادثات «بوتين يريد الاتفاق. هذا كل ما في الأمر. وسيتعين على الشركات الروسية أن تخفض الإنتاج».
اجتماع الجزائر
وفي سبتمبر اتفقت «أوپيك» مبدئيا في اجتماع بالجزائر على خفض الإنتاج للمرة الأولى منذ الأزمة المالية في 2008. لكن تعهدات الدول اللازمة لإتمام الاتفاق في اجتماع فيينا يوم الأربعاء الماضي لا تزال تحتاج الى كثير من الديبلوماسية.
وأخفقت اجتماعات «أوپيك» في الآونة الأخيرة نظرا للجدل بين السعودية القائد الفعلي للمنظمة وإيران ثالث أكبر منتج للنفط في التكتل.
ولطالما قالت طهران إن «أوپيك» لا ينبغي لها أن تمنعها من استعادة مستويات الإنتاج التي فقدتها خلال سنوات العقوبات الغربية.
ومع اقتراب موعد الاجتماع لم تكن المؤشرات مبشرة بالخير.
فأسواق النفط اتجهت صوب الهبوط والأمير محمد بن سلمان طالب إيران مرارا بالمشاركة في خفض الإمدادات ودخل مفاوضو السعودية وإيران بـ«أوپيك» في دائرة مفرغة من الجدل قبيل الاجتماع.
وقبل أيام قليلة من الاجتماع بدت الرياض بعيدة عن إبرام اتفاق وهددت بزيادة الإنتاج إذا لم تشارك إيران في الخفض.
لكن بوتين أدرك أن السعودية ستتحمل نصيب الأسد في الخفض مادامت الرياض لن ينظر إليها وكأنها تقدم تنازلا كبيرا لإيران وأن الاتفاق ممكن مادامت طهران لا تحتفل بالانتصار على المملكة.
مكالمة بوتين وروحاني
ساهمت مكالمة تلفونية بين بوتين وروحاني في تمهيد الطريق.
وبعد المكالمة ذهب روحاني ووزير النفط الإيراني بيجن زنغنه إلى الزعيم الأعلى للحصول على موافقته بحسب ما قاله مصدر مقرب لخامنئي.
وأضاف المصدر «خلال الاجتماع أوضح خامنئي أهمية التمسك بخط إيران الأحمر وهو عدم الرضوخ لضغوط سياسية وعدم القبول بأي خفض في فيينا.
وأوضح زنغنه بدقة استراتيجيته.. وحصل على موافقة الزعيم. تم الاتفاق أيضا على أن حشد الدعم السياسي أمر مهم وبصفة خاصة مع بوتين، ووافق الزعيم أيضا على ذلك. ووافقت السعودية يوم الأربعاء الماضي على خفض كبير في الإنتاج لتتحمل «عبئا ثقيلا»على حد قول وزير الطاقة السعودي خالد الفالح بينما جرى السماح لإيران بزيادة طفيفة في إنتاجها.
وقال مندوبون في «أوپيك» إن زنغنه حرص على ألا يخطف الأضواء في الاجتماع حيث وافق بالفعل على الاتفاق مساء الثلاثاء الماضي بوساطة من الجزائر دون إحداث ضجيج.
وبعد الاجتماع تفادى زنغنه الإدلاء بأي تعليق يستشف منه إحراز نصر على الرياض.
وقال للتلفزيون الحكومي: «لقد كنا حازمين. لعبت المكالمة بين روحاني وبوتين دورا رئيسيا.. بعد المكالمة أيدت روسيا الخفض».
العراق.. عقبة اللحظة الأخيرة
وفقا لتقرير «رويترز» فان أوپيك لن تكون أوپيك دون أن تشهد خلافا في اللحظة الأخيرة يعرقل الاتفاق. وهذه المرة كان العراق هو المشكلة.
فمع إجراء المحادثات الوزارية أصر العراق ثاني أكبر منتج في المنظمة على أنه لا يستطيع تحمل خفض الإنتاج نظرا لتكلفة الحرب التي يخوضها ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
لكن مع الضغوط التي مارستها بقية الدول الأعضاء في المنظمة التقط وزير النفط العراقي جبار علي اللعيبي سماعة الهاتف أمام نظرائه ليحادث رئيس وزرائه حيدر العبادي. وقال مصدر في «أوپيك» إن العبادي أبلغ اللعيبي بأن يوافق على الاتفاق.
النفط الكويتي يقفز 12% بالغاً 47.7 دولاراً
قفز سعر برميل النفط الكويتي 4.99 دولارات ليبلغ 47.68 دولارا مقابل 42.69 دولارا للبرميل وبنسبة 11.7% وفقا للسعر المعلن امس من مؤسسة البترول الكويتية وحصد اعلى مستوى في ٢٠١٦.
وفي الأسواق العالمية ارتفعت أسعار النفط وبلغ خام برنت أعلى مستوياته في نحو 16 شهرا ليواصل مكاسبه بعد اتفاق منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوپيك) وروسيا على تقييد الإنتاج لتقليص تخمة المعروض العالمي بوتيرة أسرع.