إعداد: مصطفى صالح
جاسم محمد العلي الوزان.. صانع الجودة (1929-1989) هو عنوان كتاب اختاره الباحث طلال الوزان حفيد المرحوم جاسم الوزان، ليروي خلاله مسيرة جده الحافلة بالتحديات والصعاب والطموح والإنجازات، حيث كانت البداية مع شاب صلب الإرادة والقامة، لا تخلو عيناه من ثقة وعصامية وتحد، مستقلا في محله الواقع في سوق «الطراريح» عن أبيه الذي أخذ بيده منذ نعومة أظفاره، فكان مدرسة له في التعامل التجاري والإنساني.
ربما لم يتخيل هذا الشاب ان تكون انطلاقته من هذا الدكان الصغير، الذي يعينه فيه موظف وحيد يعمل ساعات المساء بينما يقوم الشاب بتلقي الدروس المسائية في الحساب واللغة الانجليزية، وبعدها بفترة افتتح محله الآخر في سوق السلاح، لم يتخيل أن تستمر تلك الرحلة حتى بعد وفاته سنة 1989 وصولا الى شركة تعد من اهم 100 شركة تأثيرا بالمنطقة، ضمن تقرير «فوربس الشرق الاوسط» لأقوى 100 شركة بالعالم العربي لعام 2015. هذا الشاب هو جاسم بن محمد بن علي بن جاسم بن حسين بن محمد الوزان، الابن الاكبر لمحمد علي الوزان الذي اشتهر بلقب «بن محمد» وسط أترابه. ولد جاسم الوزان في الحي الشرقي من مدينة الكويت عام 1929، وهو من أبناء أسرة تعمل بتجارة الأغذية.
التاجر الكويتي
للتاجر الكويتي مكانة مرموقة سواء في بلده أو في محيطه الاقليمي، وفي كتاب «الاقتصاد الكويتي القديم»، نجد ان الكاتب عادل محمد العبد المغني قد اهتم بشخصية التاجر الكويتي، وعدد صفاتها، التي ان قرأناها سنربطها بجاسم الوزان مثالا. يقول العبد المغني: «يبدو لنا ان شخصية التاجر الكويتي كان لها المركز الرئيسي في نجاح تجارته في الكويت، فهو يتصف بالأمانة والصدق والإخلاص ويتحاشى الغش في جميع معاملاته».
ويضيف: «كان التاجر الكويتي يعتمد على كلمته وشرفه التجاري وكانت المعاملات التجارية تتم بين التجار دون واسطة وكان التاجر الكويتي لا يرضى بالطلب منه ان تكون الصفقة بواسطة أو ان تثبت بشيء خطي وكان يعتبر هذا الطلب إهانة له وشعارا بعدم الثقة به».
كويتي في السوق
على مدى تاريخه، ومنذ تأسيسه على يد الراحل الشيخ مبارك الصباح حاكم الكويت في عام 1900، شهد سوق الطراريح الواقع غربي سوق الدهن العديد من التحولات، منها انتعاش خصوصا في فترة الصيف، وإغلاق لمعظم المحال خلال فترة الغوص وركود في أحيان أخرى، اما في حالة المرحوم جاسم الوزان، فقد كان التغير الأكبر هو تناقص أعداد الكويتيين العاملين في السوق، فالجيل القديم اما رحل أو تقاعد، والشباب فضلوا العمل في الشركات والدوائر الحكومية، فكان تواجد الوزان في محله مبعث ثقة وراحة في التعامل لدى المستهلك المحلي الذي قصد محل الشاب الكويتي الواقف على محله وسط العديد من الدكاكين التي سلمت مسؤولية البيع فيها الى عمالة غير كويتية.
العمل الاجتماعي
انطلاقا من مبدأ المسؤولية الاجتماعية، وباهتمام من الدولة، قام الراحل جاسم الوزان الذي كان من قاطني منطقة الدسمة منذ بداية الستينيات بالاتفاق مع مجموعة من سكان المنطقة بتأسيس جمعية الدسمة التعاونية وفق القانون رقم 20 لسنة 1961 والذي نظم تأسيس الجمعيات التعاونية، وأولاها كانت في منطقة كيفان سنة 1962، وبعدها تأسست جمعية الشويخ في العام التالي (اندمجت لاحقا مع جمعية الشامية) وتم إشهار جمعية الدسمة التعاونية (اندمجت لاحقا مع جمعية بنيد القار التعاونية).
التجارة والاستثمار
بفضل من الله، وبخطوات واثقة، سار جاسم الوزان في مراحل التاجر الناجح، تجارة ثم استثمار فصناعة. فبعد تثبيت قدميه في سوق المواد الغذائية بدأ الراحل في استثمار ماله وسمعته في مجالات مغايرة تتناسب مع النهضة التي شهدتها الكويت، من أهمها كانت الشراكة مع الاخوين موسى عبدالحسين علي النقي وعبدالوهاب عبدالحسين علي النقي في تأسيس شركة النقي والوزان لمواد ولوازم البناء في العام 1959، برأسمال قدره 150.000 د.ك، ليكون هذا المشروع هو أولى خطواته في عالم الصناعة، وضم بها لاحقا منشأة لإنتاج الليف المعدني كانت الأولى من نوعها في الكويت. شاءت ظروف السياسة الدولية ان تؤسس لجاسم الوزان شراكات مع رجال أعمال من خارج الكويت لا يقلون تطلعا وطموحا عنه.
جاسم الوزان و«الخليج»
مع اتساع ونمو اقتصادات الدول تظهر الحاجة الى مؤسسات تقوم على نظم تضمن سير وتنامي هذه الأعمال، ففي المشاريع الكبيرة مثلا يكون للتمويل دور مهم في عملية تأسيس وتطوير الشركات وأعمالها، وفي المدن الحديثة تقوم البنوك بدور واضح في تمويل المشاريع الكبيرة وتقديم الخدمات المالية للأفراد والشركات، ومن هذا المنطلق قام الراحل الوزان بالتعاون مع مجموعة من رجالات الكويت بتأسيس بنك الخليج كشركة مساهمة كويتية، وفي أول انتخابات لمجلس الإدارة حاز ثقة المساهمين لينال العضوية التي احتفظ بها منذ تأسيس البنك وإشهاره لمدة 28 عاما وحتى وفاته، إذ كان نائب رئيس لجنة التنظيم وشؤون الموظفين وعضوا احتياطيا في لجنة القروض المحلية.
في الختام
يقول الباحث طلال الوزان في نهاية الكتاب: «رغم مرور ما يزيد على ربع قرن على وفاة جدي جاسم، إلا أن ذكراه بقيت عصية على نسيان من عاصره ومهم بطبيعة الحال والدتي، التي تستذكر بحنين واضح أخلاق جدي واجتهاده في عمله وانعكاس ذلك عليها وعلى إخوتها، فكانت مهمة البحث عن ارثه وسيرة حياته مضنية بالبحث اليدوي، زائرا العديد من الصحف والمكتبات للاطلاع على أرشيفها الخاص وتصنيف المواد وتسجيل المقابلات الصوتية مع من عاصره، فكان لهذا الجهد عظيم الأثر في نفسي بأن قربني اكثر من صورة الراحل الكبير وسيرته الملهمة».